المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

“الدعشنة” الحمساوية..وغسان كنفاني

لم يعد تنظيم “داعش” يحتاج لعبور الحدود ليتواجد، فيكفيه انتشار الفكرة، واحتلاله للوعي والسلوك بسهولة لم يكن يتوقع ان تكون بهذه السرعة، لكنها كذلك.

صور الدعشنة لا تكاد تحصى، بل تطورت تلك الصور من قطع الرؤوس ورمي الضحايا من علو شاهق، الى “فرمتة” العقول والادمغة” واعادة حشوها بما يناسب حكم “اولياء الله وكلائه على الارض” متسلحين بقوة السوط، وألم جلده لمن يفكر بالاعتراض، حتى وان كان ميتا.

غسان كنفاني ليس اول المجلودين في قبره، وقد يكون من الشاكرين ان قبره لم يطأ تراب البلاد حتى لا يتم نبشه، فهو من المرتدين عن عقيدة الانقسام وفكر السقوط في اسيد جماعات الظلام.

وكنفاني الذي فضل ان يبقى يدق جدران الخزان على ان يكون اسير الخنوع، وهو الذي يزعج الاسرائيليين حيا وميتا، وكانوا قد اعتقدوا واهمين عند اغتياله أنهم اغتالوا غسان وفكرته واوقفوا طرقه على جدارن الخزان، فيما بقي غسان وبعد ثلاثة واربعين عاما من رحيله ملهما حتى لمن اختلف معه فكريا او سياسيا، تنزعج سلطة الامارة في غزة من طرقه، ولم تعد تحتمل صوت الدق على جدران الخزان، فهي تعلم ان كنفاني هو من كتب عن الكفاح المسلح، بأنه “لن يكون مجدياً إلا إذا كان كفاح مواطنين حررت إرادتهم وعقولهم”، هي الصورة كما تنبأ لها، وحذر من مخاطرها، كأنه كان يقرأ القادم بحدسه العالي، ويحذر منه.

الشهداء كلهم بألوانهم التي صبغناهم بها زورا وبهتانا، ليسوا بحاجة ان نرفع اسماءهم فوق مؤسسات، فقد ارتفعوا قبل ان يسقطوا شهداء، لكن من غير المقبول ان ننزلها الى وحلنا.

وصورة اخرى في غزة من صور الدعشنة، لا تزال مديرة مدرسة أحمد شوقي للفترة الصباحية ولليوم الثالث على التوالي تمنع الطالبة “مرح كارم نشوان” من دخول الفصل الثاني الثانوي لعدم التزامها بالحجاب، وهي التي لم تكمل السابعة عشرة من عمرها، بذريعة ان عدم التزامها بالحجاب يخدش الحياء العام، ويمس بالثقافة والمعتقدات السائدة في مجتمع غزة الاسلامي.

وكلنا نذكر اولى خطوات حكومة حماس في العام 2007 عندما منعت تداول كتاب “قول يا طير” معتبرة تداوله دعوة للرذيلة، وهو جامع لتراث فلسطيني اصيل.

ان ما اقدمت عليه “تربية امارة غزة” بتغيير اسم مدرسة غسان كنفاني في رفح الى مدرسة مرمرة، او منع الطالبات غير المحجبات من الالتحاق بالعام الدراسي، وعديد من الاجراءات والقرارات على صعيد الحياة اليومية والثقافية وحتى الدينية، انما هي مكونات اساسية ودرجات اولى على طريق الدعشنة لقطاع غزة لاعادة صياغة القصة بمفرداتهم، والوعي بمسلكياتهم.

وبالعودة الى نموذج تنظيم داعش، الذي ارتوى لدرجة الثمالة من الدماء، كان قد انتقل بعد قطع الرؤوس ودرجتها في الشوارع، ليسلك نهجا مختلف وان كان مكملا بتدمير الحضارة واعتبارها من مشاهد الوثنية تجب ازالتها، فكانت آثار محافظتي الموصل ونينوى شمال العراق، أكثر من رضختا تحت أقدام داعش في مشاهد تندى لها الحضارة أسفا من أعمال هدم وإزالة لحضارة دامت آلاف السنين، كما لم تسلم سوريا من تدنيس وهدم وتدمير معالم حضارة بقيت شامخة لآلاف السنين، حيث تم هدم مساجد وكنائس ومعابد وقلاع ومتاحف، في مسعى لنسف التاريخ، ليكتب منذ وجودهم، ليكونوا خليفة التتار والمغول في الوحشية، مستحلين دماء البشر واعراضهم وممتلاكاتها برخص ما انزل الله بها من سلطان، بل صنعوها لانفسهم، وفصلوها على مقاس احتياجاتهم.

وللتذكير والمقاربة، فلم يبدأ تنظيم داعش وجوده بقطع الرؤوس وهدم المعابد بل بدأ باجراءات جس نبض وفحص لمدى امكانية استكمالها، وعندما اطمأن كان الانتقال لما نشاهده اليوم، ولتصبح الدعشنة نظام حياة، هي بالاصل موت ليس أكثر.

كتب حسن سليم

Exit mobile version