المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

نتنياهو جلب لنفسه هجوما غير مسبوق من قبل أوباما

زرع بنيامين نتنياهو هبة ريح في الأسابيع الأخيرة بمعارضته الشديدة والمطلقة للاتفاق النووي مع ايران، فحصد أمس (الأول) عاصفة. رئيس وزراء إسرائيل كان محور الخطاب الشامل، الرصين وربما العدواني الذي القاه أوباما في الجامعة الاميركية في واشنطن، هوجم نتنياهو بشكل صريح فظهر كأنه المخطئ الكبير بشكل معقول، بمفرده أو مع آخرين، ظهر كشخص واهم ومخادع، ومثير للذعر وداعية حرب، حتى عن غير قصد.

هذا كان خطابا تاريخيا بكل المعايير سواء في تاريخ العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، وفي علاقاتها مع إيران والشرق الأوسط، وفي جهودها لنزع السلاح النووي في العالم، وعلى مستوى الميراث الذي سيخلفه أوباما مستقبلا.

وتستحق العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة فصلا خاصا في هذا الخطاب: فمنذ المواجهة بين الرئيس ايزنهاور ودافيد بن غوريون على خلفية العملية في سيناء لم تجد اسرائيل نفسها تشكل عقبة في الاستراتيجية الأميركية العامة، ولم توصف بشكل علني أنها المعارض الوحيد والمعزول في العالم كله. ولا توجد سابقة للمرارة الشخصية التي ترافق المواجهة السياسية بين اوباما ونتنياهو، وتحول الاخير الى كيس ملاكمة في خطاب هام لرئيس أميركي.

ومثلما فعل نتنياهو في خطابه قبل ثلاثة أيام امام ناشطين يهود، أوضح أوباما امس الاول ان الموضوع ليس شخصيا بين الاثنين، لكن ما كان واضحا هو استهزاؤه من الذين اعتبروا الاتفاق المؤقت في جنيف في تشرين الثاني عام 2013 “خطأ تاريخيا”. (فقط نتنياهو قال ذلك)؛ كما ضحك اوباما على أولئك الذين يدعون أنه يمكن أن تكون هناك “صفقة أفضل” (نتنياهو هو الذي قال ذلك)؛ وسخر اوباما من المقتنعين بأنه من الممكن ليس فقط الإبقاء على نظام العقوبات (على ايران) بل وتشديدها (نتنياهو قال ذلك). واستهزأ بأولئك الذين شجعوا الولايات المتحدة على شن حرب على العراق (أي نتنياهو)، ولم ينس ان يضحك على الذي ادعوا أن إيران تريد أن تسيطر على العالم (نتنياهو فقط قال ذلك).

من ناحية سياسية، يمكن ان يكون اوباما قدم لنتنياهو خدمة كبيرة، فخطابه يمكن ان يقوي مشاعر شعب منعزل على نفسه، يرى العالم كله ضده وليست له من يمكن الاعتماد عليه الا على نفسه، وليس له من يتكل عليه إلا الرب في السماوات العلا. هذه الخدمة تعتبر أساس الدعم الذي يتلقاه نتنياهو لمواقفه. من المؤكد أن اوباما قوّى موقف نتنياهو لدى الجمهوريين، بصفته بطلا قادرا على مواجهة أوباما، بعكس الكثير من المتنافسين الجمهوريين على الترشح للرئاسة، والذين تواجهوا أمس الاول في مناظرة تلفزيونية أولى، ولم يتمكن أي منهم على هزيمة الملياردير دونالد ترامب الذي يعتبره الكثيرون مجرد مهرج.

من الممكن أن أوباما استطاع من خلال خطابه ان يغضب وربما يثير رعب الجالية اليهودية، بعد أن أصابها في اكثر أوتارها حساسية. في كلماته ضد “جماعات الضغط” الذين اصبحوا فجأة “خبراء نوويين”، وبدعوته الأميركيين للعمل ضد جهود جماعات الضغط المدعومة بعشرات ملايين الدولارات على شكل حملات إعلانية، ذكّر أوباما شعبه بحادثة الثاني عشر من ايلول عام 1991 عندما وضع الرئيس جورج بوش الأب نفسه في مواجهة في قضية شروط ضمانات القروض لإسرائيل، كان بوش “شخصا صغيرا وحيدا” أمام الف ناشط في جماعات الضغط الذين غزوا قبة الكونغرس. قال بوش انه سيخون واجباته كرئيس أميركي إن فعل غير ما يجب فعله “فقط بسبب توتر مع دولة حليفة”. جلب اوباما سحرا في كلماته القاسية التي يسعى الجمهوريون الى الوقوف ضدها، وقال ان الرئيس ريغان وبّخ إسرائيل في تشرين الاول 1981 بسبب نشاطها في الكونغرس ضد صفق بيع طائرات الانذار “اواكس” للسعودية، ريغان قال حينها: “ليس شأن دول أخرى أن تحدد السياسة الخارجية الأميركية”.

مثلما فعل بوش في قضية شروط ضمانات القروض، وريغان في بيع بيع طائرة الأواكس للسعودية، أوباما الآن يرى التالي: الاتفاق مع ايران هو أنا، هكذا قال بشكل لا جدال فيه. هو يعتبره استمرارا لسلسلة اتفاقات نووية وقعها رؤساء اميركيون سابقون بدءا من كيندي حتى ريغان مع الاتحاد السوفييتي والصين، وواجهوا حينها انتقادات تمام كتلك التي يواجهها اليوم بسبب الاتفاق مع ايران. هذا الاتفاق يحقق السياسات التي وضعها اوباما في خطابيه في سنة رئاسته الأولى، لكنه لم يذكرهما بشكل صريح، الاول في نيسان 2009 في براغ عن نزع الاسلحة النووية من العالم، والثاني في حزيران 2009 في القاهرة، عن فتح صفحة جديدة مع العالم الاسلامي.

“بسبب هذا الاتفاق تم انتخابي” قال اوباما، وذكّر بمعارضته الشديدة للحرب على العراق وكانت تلك المعارضة سببا لفوزه في الانتخابات عام 2008. وذكّر الأميركيين بالخطيئة الكبرى التي تسبب بها قادة “فضلوا الحرب على الدبلوماسية، والتحرك احادي الجاب على التنسيق الدولي، واطلاق التهديدات على التقديرات الاستخبارية الدقيقة”.

استهزأ اوباما بأولئك الذين “يرون أنفسهم أقوياء وذوي عزيمة، ويرون أعداءهم ضعافا يحاولون استرضاء دولة شريرة”. حذر أوباما الاميركيين “سيعود التاريخ على نفسه ان تمكن هؤلاء –بمن فيهم نتنياهو- من الانتصار عليه في الكونغرس.

ورغم الاستياء الذي عبر عنه النقاد، لم يتراجع أوباما عن إصراره أن رفض الاتفاق مع ايران من قبل الكونغرس من شأنه أن يؤدي، عاجلا أو آجلا، الى اندلاع حرب. وقال أشياء مماثلة في اجتماع مساء الأربعاء مع مجموعة من زعماء اليهود في البيت الأبيض: “الغاء الاتفاق سيؤدي الى وضع يدفع الايرانيين الى تسريع حصولهم على قنبلة نووية، والطريقة الوحيدة لمنع ذلك ستكون باللجوء للقوة. وهذا يمكن ان يحدث خلال ستة الى تسعة أشهر”، وأضاف بلهجة أظهرت رأيه الحقيقي “وأول شخص سيصرخ أن عليّ ان ان اقوم بعملية عسكرية سيكون بالطبع بنيامين نتنياهو”.

Exit mobile version