المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

حول جلسة المجلس الوطني كتب د. عبد المجيد سويلم

المسألة القانونية على أهميتها وعلى حساسيتها الخاصة المفترضة ليست هي المشكلة في قراءة توجه القيادة الفلسطينية نحو عقد جلسة استثنائية للمجلس الوطني في غضون شهر من قرار عقد الجلسة.
السؤال الذي يحسم ـ كما أرى ـ فيما إذا كنّا أمام استحقاق ضروري أم لا هو التالي:
هل عقد هذه الجلسة للمجلس هي ضرورة من ضرورات إيجاد انسجام سياسي داخل اللجنة التنفيذية هو بالأساس غير قائم اليوم؟
أو هل عقد هذه الجلسة هو بالأساس إجرائي يهدف إلى تمكين رئيس اللجنة التنفيذية من اتخاذ القرارات المنسجمة مع سياساته دون اعتراضات مؤثرة؟!!
أم ان المسألة أكبر من ذلك وأعمق من ذلك؟!!
لم ألمس حتى الآن أن هناك صراحة كافية أو وضوحا تاما في تفسير ضرورة عقد هذه الجلسة وبهذه الصورة العاجلة أو المتعجِّلة.
من وجهة نظري لا يوجد داخل اللجنة التنفيذية “معوقات” تمنع رئيسها وهو الرئيس أبو مازن والذي هو رئيس الدولة والسلطة الوطنية من تمرير سياساته العامة بل وحتى تمرير القرارات التي يراها مناسبة في مختلف الأوجه والمستويات.
ولا أرى أسباباً خاصة تمنع الرئيس من الحصول على الحدود الدنيا من الانسجام السياسي العام داخل اللجنة التنفيذية، خصوصاً وأن الانسجام الكامل ليس واقعياً في ضوء طبيعة التركيبة السياسية لقيادة المنظمة، ناهيكم عن أن انسجاماً كاملاً في الظروف الفلسطينية الخاصة ليست مسألة صحية دائماً.
إذن، ما هو السبب الحقيقي لعقد هذه الجلسة الاستثنائية؟ وما الذي يدور في رأس الرئيس حتى يقدم بهذا الحزم وهذا الحسم على هذه الخطوة التي يدرك تماماً أن من شأن الإقدام عليها أن يثير قدراً كبيراً من الجدل حول ضرورتها وحول ما يمكن أن يترتب عليها من شكوك وظنون مختلفة؟!!
إذا لم يحذف رئيس التحرير بعض ما سأكتبه في الجواب على هذا السؤال ـ وهو الأمر الذي لم يحدث معي مطلقاً على مدار ثماني سنوات من الكتابة المنتظمة في “الأيام” ـ فإن جوهر المسألة يكمن في قلق الرئيس بل وربما مخاوفه المتزايدة على شرعية المنظمة.
باختصار فإن الرئيس أبو مازن يريد أن يحصل في أسرع وقت على منظمة أعيد تحصين شرعيتها كي لا يبقى النظام السياسي الفلسطيني في مهبّ الريح، بعد أن أيقن ولمس بيديه وشاهد بعينيه محاولات تشكيل “مركز قيادي” بديل أو مواز في قطاع غزة وعلى قاعدة السيطرة والتحكم بالقطاع، وفصله سياسياً عن الجسم الوطني، والذهاب باتجاه مشروع خاص على حساب أو ربما على أنقاض المشروع الوطني.
إذا كانت هذه هي رؤية الرئيس للمخاطر التي باتت داهمة ومحدقة إلى هذه الدرجة والحدّ، فمن الواضح أن “الجدل” حول خطوة عقد الجلسة وحول “استثنائيتها” لا يعود هو الموضوع الذي يشغل الرئيس، وحتى لو انشغل الرئيس بهذا الأمر إلى هذه الدرجة أو تلك، فإن اهتمامه الأكبر يظل تحصين الشرعية الوطنية وإخراج المنظمة كمكانة وكدور من دائرة الخطر.
بهذا المعنى لا يجوز ـ كما أرى ـ أن يُلام الرئيس على ذلك، بل ان الواجب يقضي بدعم التوجه والتكاتف من أجل الخروج الموحد لكل الوطنيين الفلسطينيين بمواقف متماسكة ومنسجمة لما لها من أهمية حاسمة في مواجهة الخطر.
هذا الخطر ليس مفتعلاً ولم يعد مجرد توقعات أو تخمينات. الخطر قائم وداهم حتى لو فشلت محاولات الفريق المقاول ـ تركيا وقطر وبلير ـ في إبرام اتفاق مكتوب، فالمسألة هنا لم تعد إجرائية بقدر ما باتت مشروعاً وبرنامجاً وخططاً تنتظر الظرف المناسب للإنجاز والترسيم.
لم يكن بمقدور الرئيس أن يبدأ مشروع تحصين الشرعية من مؤتمر حركة فتح، على الرغم من الأهمية الاستثنائية لدور الحركة ومؤتمرها في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة والمفصلية حقاً، حيث ندرك جميعاً أن هذه الحركة بالذات ما زالت هي صمام الأمان للمشروع الوطني.. لم يكن بمقدور الرئيس إلاّ أن يبدأ من المنظمة وهذا هو المدخل المناسب لكي يتحمل مؤتمر الحركة المسؤولية المباشرة في هذا الإطار، ولكي يكون المؤتمر أمام مهمات ملموسة ومباشرة لتفعيل دور المنظمة ورفع سوية مكانتها، وإصلاح أجهزتها ودوائرها وكل مؤسساتها، بالتعاون مع كل الفصائل والقوى والشخصيات الوطنية.
ففي النهاية لا يملك الرئيس من الأدوات ما هو أهم من المنظمة ومن الحركة لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية واللامبالاة الأميركية والتردد الأوروبي وحالة الخراب العربي.
وعليه، فإن حضور الجلسة أمر هام والتوافق على درء الأخطار المحدقة بالشرعية الوطنية هو واجب كل وطني بغض النظر عن اختلافه أو اتفاقه مع الرئيس في هذه القضية أو تلك.
ومع ذلك فإن الناس وجماهير الشعب الفلسطيني لن تحكم على هذه الخطوة بصورة إيجابية إلاّ إذا شعرت بأن هذه الجلسة ليست إلاّ مجرد بداية لإصلاح حقيقي ولتفعيل ملموس لأجهزة المنظمة ومؤسساتها.
إذا رأى الناس أن هذه الخطوة ستتبعها خطواتها في مشروع الدفاع عن الشرعية الوطنية وفي مواجهة الأخطار المحدقة بها فإن الجدل حول أحقيتها سيتلاشى كالزبد، أما إذا بقيت أمور المنظمة على حالها واكتشف الناس أن الأمر لا يعدو كونه “إجراء استبداليا” ليس إلاّ فإن هذا الجدل سيتحول إلى عامل سلبي كبير، وربما إلى حالة سياسية واجتماعية تنهش في الجسم الوطني، وتكرس حالة العجز والشلل في النظام السياسي.
ففي نهاية المطاف إذا لم نقدم نموذجاً مختلفاً عن النموذج القائم في قطاع غزة، وإذا لم نقرن أقوالنا بالأفعال فإن الناس سيصلون إلى اليأس والإحباط.
فهل نحن أمام مرحلة جديدة لتجديد روح الفعل والمبادرة في مؤسساتنا الوطنية وروح العمل والتجديد والمحاسبية؟
هذا هو السؤال وتلك هي المسألة.

Exit mobile version