المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

ياسـر عـرفــات أسطورة حرية و شمسٌ لا تغـيب كتب أ . سامي ابو طير

الزعيم الفلسطيني الوطني العروبي العظيم ياسر عرفـات “ابو عمار” هو النجم الأعظم في سماء الحرية وحب الأوطان ، و هو قمراً فلسطينيا يزداد توهجاً و لمعانا مهما تعاقبت الأزمان ، ولن يخفت نوره الوهاج أبدا من على هذه الأرض ، و هو ما هو إلا أسطورة حرية عالمية يقتدي بها عُشاق الأوطان الباحثين عن الحرية و الاستقلال .

العظيم الخالد ياسر عرفات هو فلسطين ، و ما هو إلا سيد الأحرار و الثوار و الشهداء الذين نذروا أعمارهم و حيواتهم الخاصة فداءً لتحرير أوطانهم من دنس الغاصب المحتل و ذل العبودية والتبعية للاستعمار الغاشم البغيض ، ولذلك فقد كرّس جُل حياته من أجل فلسطين و قضايا التحرّر العالمية ، و كان نصيراً لجميع حركات التحرّر العالمية التي تبحث عن نيل الحرية و الاستقلال من الغاصب المحتل .

لأجل ذلك فإن ياسر عرفات هو شمس الحرية التي بلغ نورها الساطع من أقصى الأرض إلى أقصاها ، ولهذا إذا ما ذُكرت الحرية و الأحرار فإن العالم أجمع سيذكر الزعيم العالمي الفلسطيني ياسر عرفات “ابو الأحرار” .

إذا ما أردت الكتابة لياسر عرفات لأذكر حقيقته المُشرقة دون التغني بأمجاده و سيرته الوطنية المُعطرة بعبق الحرية الأعظم ، فإنني أؤكد بأن الأقلام باختلاف ألوانها الوطنية والسياسية ستقف كثيراً أمام هذا الرجل العظيم ، ومهما اختلفت حوله فلن تختلف علي عظمته و قيادته أو عبقريته الوطنية الفذة ، و لذلك ستعجز تلك الأقلام عن ذكر مزاياه و صفاته النبيلة العظيمة سواء كانت الوطنية والعسكرية أو السياسية والاجتماعية منها ، أو الشخصية الخاصة التي كان يتعامل بها مع من حولة، و إذا ما كتبت فستكتب مدادا عن سيرته العطرة .

” ولولا أن الكمال لله و البشر عبيده وعباده و كلهم خطاؤون ، لجزمت بأن ياسر عرفات يُعتبر ملاكاً على هيئة بشر يسير بأقدامه على الأرض “.

لذلك مهما كتبت الأقلام مِدادا و مِدادا من أبجديات اللغة الوطنية الجميلة نثراً و شعرا أو افتخاراً و اعتزازا أو إجلالاً و تعظيما أو تقديراً و احتراما لهذا الزعيم العالمي الكبير ، فإنني أؤكد بأنها لن تعطيه حقه أبدا ، لأن ياسر عرفات أعظم من كل الكلمات و أشعارها الجميلة ،وستقف دائما مفردات اللغة عاجزةً عن وصف الفلسطيني العظيم بما يستحق أن يوصف به.

كل ذلك لن يُعطي ياسر عرفات حقه الدقيق لأن اسم “ياسر عرفات” وحده يعني بكل بساطة المرادف العظيم للحرية والوطن فلسطين ، وفلسطين ياسر عرفات تستحق أعظم من ذلك بكثير .

ورغم ذلك سأكتب عِشقا و حبا وبقناعة أبدية لا تتزحزح عن عظمة ياسر عرفات ، سأكتب لذلك الزعيم الذي لامست يداي يداه الطاهرة لأول مرة في حياتي عندما التقيت به في تونس الجميلة في مشهد درامي بين الأبن و الزعيم ، وأقل دراما ذلك المشهد بأن شعر جسدي وقف كالأشواك عندما احتضنت القائد العظيم لأشتم منه رائحة الحرية الممزوجة بالشموخ و الكبرياء و شعرت كأني طيراً سماويا يعلو فرحاً و افتخارا إلى عنّان السماء .

لأجل الفلسطيني العظيم ” ابو عمار ” لن أتوانى لحظة لأكتب له بالدماء و سأكتب له حبا و شوقا و اعتزازا حتى أخر قطرة دم من هذا الجسد ، أليس فلسطين تستحق أن نكتب لها بالدماء ؟!

إن العظماء هم فقط من يصنعون التاريخ بمواقفهم و أفعالهم الوطنية الفذة التي يُخلدها التاريخ كإرث ناصع لتنهل منه الأجيال اللاحقة ، ولذلك فإن ياسر عرفات هو أحد أعظم صُناع التاريخ على هذه الأرض وسيبقى رمزا تاريخيا يُقتدى بسيرته العطرة و ينهل منها الأحرار و الثوار المُتشوقين لحرية الأوطان .

ويكفي ياسر عرفات فخراً بأنه استطاع بفضل عبقريته أن يحول المُتشرد الجائع واللاجئ بعد النكبة إلى مقاتل شرس مُناديا بالحرية و باذلا الغالي و النفيس من أجل تحرير فلسطين ، وتشهد لذلك المقاتل ساحات الوغى و النضال بأنه أذاق ويلات الهزيمة للجندي الذي لا يُقهر !

المؤكد و بما لا يدع مجالا للشك بأن التاريخ قد سجّل و كتب اسم “ابو عمار” بأحرف ذهبية نورانية مُضيئة في سجل الخالدين ، والمؤكد أيضا بأن الجميع سيُنصف ياسر عرفات على مرّ الأزمان و تتابع الأجيال ، لما لا ؟ وقد أنصفه أعدائه عندما اعترفوا بعظمته و قدرته الفائقة في الهجوم و المراوغة والدفاع وفقا لمصلحة شعبه و حرية وطنه ، فما بالك بالأخرين من عُشاقه و أصدقائه ؟

حياة “ابو عمار” ياسر عرفات هي حياة ثورية نضالية نورانية مُشرقة مُضيئة تستنير منها الأجيال ، وهي حياة مصحوبة بعنفوان وطني جامح لكسر القيود و الأغلال الاستعمارية وصولا إلى تحقيق أماني شعبه في الحرية و الاستقلال ، كما انها حياة ذات طابع مميز تتسم بالإصرار العظيم على التحرّر من دنس الاحتلال الاسرائيلي الغاشم .

إنها ليست حياة واحدة ولكنها حيوات شموخ و كبرياء مع رفض الذل و الهوان و التبعية أو الخضوع لأي كان ومهما كلف الأمر ، حياة ذات هدف وطني وحيد خلاصتها فلسطين و بوصلتها فلسطين ، ولذلك فهو يعشق فلسطين و فلسطين تعشقه ، و من شدة العشق والارتباط المقدس بينهما أن الاثنين يُتبادلان الألقاب ، حيث إذا ما ذُكر أحدهما فلابد أن سيّذكر اسم الأخر تلقائيا.

“لذلك يكفي ابو عمار فخراً و شموخا بأنه إذا ما ذُكرت فلسطين سيُذكر تلقائياً ياسر عرفات ـ و العكس صحيح تماما لأن الاسمين هما مرادفا لكلمة واحدة ، ألا وهي فلسطين ياسر عرفات أو ياسر عرفات فلسطين “.

امتدت تلك الحياة النورانية منذ مولده في اليوم الرابع من شهر آب أغسطس من عام 1929 م في القدس الحبيبة ، و حتى رمقه الأخير يوم أن اشتاق العلي القدير في عُلاه إلى حبيبه في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني نوفمبر من عام 2004 م .

تلك الحياة النورانية لياسر عرفات الزعيم الخالد بأبسط صورة ، ويكفيه فخراً أنه يتربع في القلوب و العقول باسم فلسطين الحبيبة ، ويكفيه فخراً أن أطفال فلسطين الذين يولدون على هذه الدنيا و دون رؤيتهم له ، تجدهم يتغنون و يهتفون لياسر عرفات و فلسطين ” بالروح بالدم نفديك يا ابو عمار ” و يستذكرون رده على آبائهم عندما كانوا يهتفون له ” فلسطين .. أنا أقول لكم فلسطين ” .

تلك هي ديمومة الحياة و عظمتها لياسر عرفات التي يتوارثها الأبناء عبر الأجيال السابقة و اللاحقة ، ولذلك فإن العظماء لا يموتون أبدا مهما ارتحلت أجسادهم عنا لأن أرواحهم ترفرف حولنا ، و من تعاليمهم و أهدافهم نستمد عزيمة الاصرار لمواصلة الكفاح و النضال ، وتلك الحقيقة النورانية العظيمة لياسر عرفات في أبسط صورة ، ولا ينكر تلك الحقيقة إلا الظلاميين من أعمياء البصيرة الوطنية لأن بوصلتهم لم تكن يوما تتجه إلى فلسطين الوطنية .

إن ياسر عرفات ما هو إلا أسطورة للحرية و رمزا و قائدا و زعيما تاريخيا مهيبا ، و ذو “كاريزما” ساحرة قوية و مُقنعة تماما يجعلك مشدوها مُستمعا إليه بإنصات تام ، و لا يجرؤ احدٌ على مقاطعته عندما يتكلم وبطبيعة الحال ليس خوفا أو سطوة من قوة ياسر عرفات ، ولكن إجلالا و تعظيما لهذا الرمز و الزعيم الخالد ، و ابو عمار لا تفوته صغيرة و لا كبيرة تخص فلسطين إلا ويعلمها ، ولذلك كان يحرص كل الحرص على معرفة الأحداث و التنبؤ بها قبل وقوعها وفقا للعقلية الفذة و الموهبة الربّانية التي كان يتمتع بها.

و لذلك فقد كان ياسر عرفات ذي إطلالة ثورية خاصة من نوع فريد جدا ، و تكاد تشبه بصمة الأصبع تماماً ولهذا يستحيل تكرارها في الجنس البشري .

وهو ما هو إلا العظيم الحُر ياسر عرفات ذو القرار الوطني الفلسطيني الفتحاوي المستقل ، لقد كان يحافظ بكل قوة على استقلالية قرارة تماما بعيدا عن الرضوخ للأخرين ، و تمسك بقراره المستقل منذ البدايات و حتى الرمق الأخير من حياته ، ولذلك فقد بذل الغالي و النفيس وضحى بالدماء الطاهرة عندما اقتضى الأمر ذلك ، و من أجل الحفاظ على ذلك القرار الفلسطيني المستقل .

ابو عمار دافع عن ذلك القرار الفلسطيني المستقل لأنه من مفاتيح النصر الهامة و أساس البوصلة التحرّرية الفلسطينية ،و حِفاضا على الاتجاه الثابت لفوهة البندقية الفلسطينية باتجاه الغاصب المحتل فقط ، و تشهد لياسر عرفات العظيم شدة تمسكه بالقرار الوطني المستقل مقدمات معركة الكرامة المجيدة التي أعادت الكرامة للأمة العربية جمعاء بعد هزيمة 67 م المريرة ، حيث طلبت السلطات الأردنية آنذاك من “عرفات” الانسحاب قبل بدء المعركة ، إلا أنه رفض قائلا : ” نُطعم لحومنا لجنازير الدبابات على الانسحاب ” و تشهد له أحداث أيلول الأسود و من بعدها صموده الأسطوري في بيروت و أحداث طرابلس المقيتة و حصاره الأخير على أنه ” سيد القرار المستقل “.

ذلك التمسك الكبير ذو الأهمية الكبرى للحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني لدى “ابو عمار” يؤكد تأكيدا راسخا على أنه الفلسطيني العظيم صاحب القرار الوطني الخالص الذي يعمل من أجل مصلحة فلسطين و شعبها أولا و أخيرا ، ولذلك يشهد التاريخ للزعيم ياسر عرفات بأن قراره بيده لا بيد الأخرين مهما كان شأنهم .

ويذكر العالم أجمع للزعيم ياسر عرفات مدى التمسك بوحدانية قراره الثابت النابع من الكرامة اللامحدودة ، و تجلت عظمة ذلك القرار ذلك عندما حوصر حصاره الأخير في المقاطعة ،و رفضت إسرائيل اللعينة السماح له بالخروج وهددته بعدم العودة إذا خرج من المقاطعة ، و رفض أن يخرج تاركاً شعبه وحيدا ، و ردّ قائلا كلماته التاريخية التي ستبقى محفورةً في وجدان أحرار العالم أجمعين ” يريدوني إما قتيلاً أو أسيراً أو طريدا … لا .. أنا أقول لهم شهيداً … شهيداً … شهيدا “.

الله اكبر ما أعظمك يا سيدي ! ما أعظمك يا سيد الرجال و الأحرار والثوار ! تلك عظمة ما بعدها عظمة تُذكر عبر التاريخ .

تلك العبارة التاريخية للشهيد الخالد ياسر عرفات وحدها تكفية كخاتمة نورانية مُعطرة برائحة المسك و العنبر ، تكفيه وحدها ، لو لم يقدم شيئا لشعبه من قبل ، فما بالك و العالم أجمع يشهد و يعلم جيدا ما قدمه ياسر عرفات لفلسطين و شعبها العظيم !

شهيدا .. شهيدا ، تلك العبارة يردّدها و يؤكد عليها و هو مُحاصرا حصاره الأخير في مقاطعة الأبطال ، و إن دلت على شيء في ظل تلك الظروف المحيطة به آنذاك فإنما تدل على التحدي و الشموخ والكبرياء و العنفوان الجامح مع التمسك بالكرامة الوطنية إلى أبعد الحدود ، و إن كانت روحه ثمنا لذلك .

“الله أكبر الله أكبر ! تلك هي العظمة لمن أراد أن يبحث عنها ، و لذلك إن ياسر عرفات هو العظمة تترآئ لنا في صورة انسان بشري يمشي على الأرض ، و لذلك فهو العظيم و أسطورة العظماء و هو تاج وقار و شموخ فوق رؤوس الثوار و الأحرار على هذه الأرض “.

ولتعلموا قوة ابو عمار الحقيقية و تمسكه بقراره الوطني الفلسطيني فقد رفض الخروج من المقاطعة عندما اشتدت وطأة المرض عليه في الأيام الأخيرة من حياته حتى لا يتم ابعاده عن أرض أجداده ، و عندما حصل على قرار دولي بضمان أمريكي لضمان عودته إلى فلسطين قام ياسر عرفات نفسه بالتوقيع عليه ، عندئذٍ فقط سمح لمن حولة بأن ينقلوه للعلاج في فرنسا و ….

لقد كان التمسك و الحفاظ على القرار الوطني الفلسطيني من أهم الأسباب التي أدت إلى بزوغ نجم ياسر عرفات و احترامه لدى الجميع ، كما أن استقلالية القرار من عوامل النجاح الهامة جدا للقائد الشُجاع ، كما أن المرء يكون سيد نفسه و لا يكون ألعوبة بيد الأخرين أو كمثل ورقة في مهب الريح مع هذا يوما و مع ذاك يوما أخر ، أو كما ينطبق على حال عبيد النخاسة هذه الأيام .

لذلك لم أذكر تلك الجزئية عبثا ( القرار المستقل)،و ذكرتها تذكيرا لقادة فصائل فلسطينية تسرح بعيدا عن مصلحة فلسطين لعلها تعود إلى أحضان شعبها ، وتعمل وفقا لمصلحته وليس وفقا لمصلحة الأخرين مهما كانت الحجج و الذرائع ، و ليتعلموا من ياسر عرفات أهمية القرار الوطني المستقل و أهميته للعمل النضالي التحرّري لنصل أخيراً إلى إنهاء الاحتلال و إقامة دولة فلسطين المستقلة و عاصمتها القدس الشريف .

سأكتب دوماً للعظيم “ياسر عرفات” إجلالاً و تعظيما و حبا و شوقا و وفاءً لزعيم كبير و قائد شجاع، سأكتب ليعلم أبنائنا وصغارنا و لتعلم أجيالنا اللاحقة السيرة العطرة التي يتميز بها الزعيم و الأسطورة ياسر عرفات ليفتخروا بزعيمهم و مُفجّر ثورتهم النورانية نحو الحرية و الاستقلال ، و حتى يرد أبنائنا الذين ولدوا بعد ياسر عرفات على أقزام الأرض و حثالتها التي تتطاول ألسنتهم الحاقدة على أسطورة النضال و الكفاح و قائد مسيرة فلسطين الحبيبة نحو الحرية و الاستقلال .

ياسر عرفات “ابو عمار” هو بمثابة الروح للجسد الفلسطيني ، وإن غاب عنا جسد ابو عمار إلا أنه روحه الطاهرة حاضرة بيننا بكل قوة ، ومنها نستمد الإرادة و العزيمة و الإصرار على مواصلة النضال و الكفاح لاستكمال المسيرة الوطنية نحو الحرية والاستقلال ، حتى نفرح جميعا و يكتمل حلم ابو عمار بتحقيق دولة فلسطين المستقلة و عاصمتها القدس الشريف .

ابو عمار هو سيدي و سيد الأحرار والثوار ، هو فخر العروبة جمعاء و هو أحد الرموز العالمية للحرية ، ويتفوق كثيرا على رموز الحرية الأخرين الذين كانوا ينادون بالحرية لشعوبهم أمثال مانديلا و غاندي و جيفارا و فيدل كاسترو و غيرهم .

لذلك إذا ما ذُكرت سيرة الأحرار فإن ياسر عرفات هو أعظمهم على الإطلاق ، لأنه يحارب أعظم قوة استعمارية مدعومة بقوى عالمية تختلف عن القوى الاستعمارية الأخرى و هي اسرائيل العنصرية التي لا تملك أرضا على وجه هذه الأرض ، و من هنا كانت صعوبة المهمة المُلقاة على عاتق ياسر عرفات بينما الأخرون كانت مهماتهم التحرّرية أسهل بكثير .

رغم كل تلك المعوقات الكبيرة التي اعترضت طريق ابو عمار النضالية إلا أنه استطاع أن يشق طريقه الوطنية مُتحديا كل الصعاب و أستطاع أن يُفجر أعظم ثورة في العصر الحديث ، لقد فجر ثورة الغضب الفلسطينية في وجه الغاصب الاسرائيلي المحتل عام 1965 م ،و لذلك كانت الانطلاقة المجيدة للثورة الفلسطينية بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فـتـح” ، و هكذا فقد فجّر ” ياسر عرفات ” ثورة من أعظم و أنبل ثورات التحرّر العالمية على الإطلاق .

لقد أستطاع ابو عمار بعبقريتة النضالية الفذة مع إخوانه المؤسسين العظماء الأوائل لحركة فتح أن يضعوا قضية فلسطين بكل قوة أمام العالم ، و قد فرض وجودها على خارطة المجتمع الدولي و قضاياه الهامة لإحقاق السلام العالمي ، و كان مُناديا مُطالبا بوجوب إعادة الحق السليب للشعب الفلسطيني إذا ما أراد العالم أن يحيا بسلام .

لن ينسى العالم أجمع ذلك المشهد التاريخي للزعيم ياسر عرفات و هو يعتلي صهوة الأمم المتحدة رغم كل التحديات و الأخطار في ذلك الوقت ، ومع ذلك فقد اعتلى ياسر عرفات الأمم المتحدة و خاطب العالم بنبرة الزعيم الواثق قائلا : ” جئتكم ببندقية الثائر في يد ، و غصن الزيتون في يدي الأخرى ، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي ”

يا الله ! عظمة و شموخ و كبرياء و تحدي صارخ ! ولذلك كم أنت عظيما أيها الفلسطيني الخارق ! لأنك الفلسطيني ابو عمار الذي قد تحدى جبّابرة الأرض و فراعنتها و شياطينها و هم في أوج عظمتهم و قوتهم آنذاك ، و أنت ما أنت إلا ياسر عرفات الباحث عن حرية فلسطين الحبيبة .

يا الله كم نعشق هذا الرجل و كم نرثيه لنبكيه حبا و تعظيما لروحه الطاهرة العظيمة !

لذلك إن ” ياسر عرفات ” هو فلسطين إذا ما اقتصرت على اسم ، وتلك حقيقة يجب أن يعلمها الظلاميون أعداء الحق الوطني الفلسطيني ، وليعلموا بأن التاريخ لم يبدأ من تحت أقدامهم ، ولكن رسمه و كتبه العظماء قبل مولدهم بكثير ، و سطروا تاريخ فلسطين بالدماء و قوافل الشهداء قوافلاً يتلوها قوافلا ، وأخيراً ترجلوا من على صهوتها بعدما ضحوا بأرواحهم و دمائهم الطاهرة من أجل حريتها و استقلالها .

تلك هي حقيقة “ابو عمار” شاء من شاء وأبى من أبى ،و من لا يعجبه فليشرب من بحر غزة ، و إن لم يعجبه فليشرب من مجاري المياه العادمة لعله يخرس بعدما تسدّ حلّقه بعض الفضلات العالقة بها .

عندما تولى ياسر عرفات قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ” م . ت . ف ” عام 1969م ، فقد استطاع بفضل حكمته و قيادته و مواقفة القوية و علاقاته مع الدول العربية و الاسلامية و العالمية أن يضع ويصل بـ م . ت . ف إلى مكانة من أرفع المناصب السياسية و الدبلوماسية التي لا تحصل عليها سوى الدول ذات السيادة فقط ، ولم تحصل على تلك المكانة أي حركة تحرّر عبر التاريخ ، ومع ذلك فقد جلبت مواقف و قيادة ياسر عرفات الفوائد الكبرى للشعب الفلسطيني و لـ م.ت.ف على جميع الصُعيد سواء السياسي و العسكري الاجتماعي و الاقتصادي .

لقد أصبحت م . ت . ف في ظل قيادة ياسر عرفات عضوا مراقبا في الأمم المتحدة و دول عدم الانحياز و الدول الأفريقية و الاسلامية و العربية ،و بسبب مشاركة ياسر عرفات في الحرب ضد اسرائيل عام 1973 م فقد اعترفت جميع الدول العربية بـ م . ت . ف باعتبارها الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني .

كذلك و بفضل حنكة ياسر عرفات وقيادته الفذة و نسيج علاقاته الدولية الهامة فقد انتزع الاعتراف الأهم لـ م . ت . ف من الأمم المتحدة عندما أصبحت عضوا غير مراقب في الأمم المتحدة من شهر نوفمبر 1974 م ، و في ذلك اليوم التاريخي صدّح ياسر عرفات بخطابه التاريخي و مقولته الشهيرة ” غصن الزيتون و بندقية الثائر”.

ذلك اليوم أطلق عليه الأمريكان بأنه ” يوم عرفات ” و يوم فلسطين …

التاريخ سيذكر دائما أن فلسطين ياسر عرفات أصبح لها شكلاً و رونقاً مختلفاً كليا عما سبق ،كما أصبح رئيس م . ت . ف في عهد ياسر عرفات يُعامل رسميا كرؤساء و ملوك الدول الأخرى ، وكذلك كان يُعامل ابو عمار كرئيس دولة وليس رئيساً لحركة أو …

كل ذلك يعود إلى عبقرية و حكمة الزعيم ياسر عرفات الذي تم في عهدة تواجد و إنشاء سفارات و مكاتب فلسطينية رسمية لـ م.ت.ف في أكثر من 120 دولة موزعة حول العالم ، ناهيك عن العلاقات السياسية و العسكرية و الدبلوماسية و الاجتماعية و الثقافية التي نسجها ابو عمار مع العديد من الدول العالمية .

خلافا لذلك فقد وقع ياسر عرفات اتفاقيات اقتصادية لا يتم توقيعها إلا بين الدول فقط ، وبذلك فإن ياسر عرفات يكون قد سجل انتصارات غير مسبوقة لأي حركة تحرّر عالمية .

يكفي فلسطين و ياسر عرفات فخرا بأن الدول التي اعترفت بـ م . ت . ف أكثر بكثير من الدول التي تعترف بالكيان الصهيوني المسخ.

“لأجل ذلك إن الزعيم القائد ياسر عرفات هو فلسطين و جذورها التي تضرب في عبق الأرض منذ فجر التاريخ لأنه امتدادا للفلسطيني الأول الذي سكن و عاش في أرضنا فلسطين “.

ياسر عرفات و رغم قوة الشخصية التي يتمتع بها إلا أنه لم يكن سوى مُجرد إنسان عطوف و حنون ، ولم يعش رغد الحياة كما يتصور البعض الحاقد ، و مسيرته النضالية الطويلة تؤكد بأنه عاش مُتقشفا مُتنقلا بين حياة الكهوف و الوديان يفترش فيها الأرض و يلتحف السماء ، كما أن حياته العسكرية كانت تفرض عليه قيودا لا تُمهله أدنى لحظات الهناء و السعادة ليحيا حياة طبيعية كسائر البشر ، كما أنه لم يكن يوما باحثا عن سِعة الدنيا و مظاهرها المُغرية ، وكان يكتفي بقطعة خبز و ذرة زعتر مع قطرات زيتون أو شربة ماء لمواصلة حياته .

ياسر عرفات هو الحنان بعينه ، فقد كان يعتني بالمرضى و الجرحى و يزورهم و يتفقدهم ، ولم يخجل أبدا بأن قبّل قدمين مقطوعتين لجريح فلسطيني من نِتاج الحرب الهمجية الاسرائيلية ، كما أنه دائما ما يحتضن بصدره الدافئ كل أبنائه و يعطف عليهم و يحرص على حياتهم .

لذلك عندما نكتب لياسر عرفات فإن الكلمات و الأشعار تتيه و تهرب من الذاكرة لعظمة القائد و الزعيم ويبقى الاسم “عرفات” محفوراً في أخاديد العقل و القلب ليرده اللسان “بالروح بالدم نفديك يا ابو عمار “.

” لمن أراد أن يعلم الحقيقة الكاملة لياسر عرفات فإن الاسم وحده يكفي ، نعم اسم ياسر عرفات يكفي لنحترم هذا الزعيم و نُقدسه ، لأنه العظمة و الشموخ والكبرياء و الإرادة و التحدي ، وفوق ذلك هو فلسطين “.

ليعلم أبناؤنا عظمة و تواضع ياسر عرفات زعيمهم العالمي الكبير أنه في أحد الخطابات الهامة كانت الصورة التواضعية تتجلى للبدلة العسكرية “ذات الكم المنتوف” التي يرتديها ابو عمار .

تلك الصورة لا يجرؤ أي زعيم أو رئيس أن يخرج بها للإعلام سوى ياسر عرفات الذي أكل الخبز الناشف مبللا بالماء لعدم وجود البديل له ، وتلك حقيقة حدثت و هو محاصرا في المقاطعة من طرف دولة المسخ العنصرية رغم أنه كان بإمكانه أن يعيش أغنى من كل ملوك الأرض .

ولكن لأنه ياسر عرفات فقد كان الاختلاف بين الزعيم الخالد المُتربع على القلوب ،و بين الملوك والقادة الأخرين الذين همهم أنفسهم دون مصالح شعبهم .

لقد كان ياسر عرفات رجلا عسكريا سياسيا و اجتماعيا ، و يشارك من حوله في صنع القرار وكان عنيدا في المواقف التي تستحق الثبات و عدم التراجع ، و إذا رأيت ابو عمار في الحرب فإنك ستؤكد بأنك تقف أمام مقاتل شرس جدا يملك عزيمة و ارادة لا تلين ، وإذا ما رأيته في السياسة فإنك ستجزم بأنه لا سياسيا بعده ، وإذا ما رأيته اجتماعيا و حنونا ستؤكد داخل قرارة نفسك بأنه الأب الحنون الذي يبحث عنه كل إنسان .

ذلك هو ياسر عرفات على حقيقته بدون رتوش أو مكياج ، ولذلك فقد كان ناجحا مُمسكا بجميع الخيوط اللازمة للنجاح والانتصار بين يدية ، وبفضل إرادته و عزيمته القوية فقد تخطى العديد من العقبات والأزمات الكؤود و خرج منها أقوى مما كان .

لأنه ياسر عرفات الفلسطيني العظيم الذي أذاق اسرائيل وجعلها تتجرع ويلات المرارة و الهزيمة في عيلبون و الكرامة وبيروت و الانتفاضة ، فقد تعرض لعشرات المحاولات الصهيونية لاغتياله و القضاء عليه ، ولكن فطنته و دهائه العسكري والسياسي مع عدم قضائه ساعات محددة في مكان واحد ، بالإضافة إلى إخلاص من حوله و رعاية الخالق له في ترحاله و حروبه ، كل ذلك أدى إلى فشل جميع محاولات الاغتيال الاسرائيلية السابقة لشخصه الكريم حتى يعلو بفلسطين الحبيبة و ليقضي الله أمرا كان مفعولا .

أخيرا فقد حوصر حصاره الأخير و بعدما اشتاق العزيز الخالق لحبيبه و كانت الخاتمة المُضيئة ” شهيدا … شهيدا … شهيدا “.

ذاك غيضٌ يسير من فيض كبير من حياة الزعيم الخالد ابو عمار الحافلة بالانتصارات الخالدة أو الأوسمة النضالية العالمية التي حصل عليها تقديراً لدوره الأبرز بين أحرار العالم ، أو المحطات السعيدة او القاسية التي صنع فيها للشعب الفلسطيني ثورةً تزداد اشتعالا لتنتصر طال الزمان أو قصر ” وإنها لثورة حتى النصر” .

ستنتصر حركة فتح العظيمة لفلسطين الحبيبة شاء من شاء و أبى من أبى ، و كما قال ابو عمار ” اللي مش عاجبه يشرب من بحر غزة ”

مهما كتب القلم فلن يُعطيك حقك يا سيدي يا سيد الأحرار والثوار لأنك المعلم الفلسطيني الأول الذي علمنا أجمل المعاني الوطنية و زرعها في نفوسنا صِغارا لنشب عليها أبطالا و فرسانا تفدي فلسطين الحبيبة بالأرواح و الدماء أو الغالي و النفيس ، وسنبقى الأوفياء دوما للعهد و القسم و سنسير أبطالاً و شهداءً على درب الحرية ولن نحيد عنها أبدا حتى النصر أو النصر أو النصر.

آه ثم آه عليك يا سيدي و يا حبيبي و نور عيوني لأنك لست ياسر وحدك و لست عرفات وحدك فأنت ما أنت بكل جوارحك و نبرات صوتك الوقاد و عيونك الثاقبة و هندامك و كوفيتك الأنيقة إلا فلسطين الحبيبة التي تختال في مشيتك على الأرض .

أنت يا سيدي يا سيد الشهداء أنت فلسطين و فلسطين هي أنت ” ياسر عرفات ” قُرة العيون و مُهجة الأرواح والقلوب و العقول والأبصار .

لا ولم و لن ننساك أو نبكيك يوما يا سيدي لأنك الحي الدائم بيننا ، وما نسيناك ساعة واحدة فكيف نستذكرك فقط في كل عام مرة واحدة ؟ لن ننساك أبدا أيها الخالد العظيم و تشهد أحاديثنا و جلساتنا بأنك الحاضر دائما بيننا ، ولهذا لن ننساك لنستذكرك يوما ما أيها الخالد الأبدي لأنك خالد في العقول و القلوب أبد الدهر .

وستبقى كذلك سيدي ياسر عرفات الذي أحبه الجميع في مشارق الأرض و مغاربها و ستبقى نبراسا منيرا لكل عُشاق الحرية و الأوطان .

ياسر عرفات هو رمز فلسطيني عالمي يُحتفى بسيرته وذكراه في جميع أنحاء العالم تقديرا لعظمته الكبرى ، ولذلك أؤكد بأن ياسر عرفات لا يحتاج إذنا من أحد و أيا كان ليتم الإحتفاء به في جزءٍ عزيزٍ من وطنه فلسطين ، كما أن ياسر عرفات لم يقبل الذل و الهوان وهو حيا فوق الأرض و لن يقبله كذلك تحت الأرض التي رواها بدمائه الطاهرة .

لذلك أؤكد بأن من يرفض السماح لأحفاد ياسر عرفات الاحتفاء بذكراه العظيمة ، فإنه ليس فلسطينيا و لا وطنيا و لا يمت لفلسطين بأدنى صلة كانت ، العار كل العار لمن يفعل ذلك أو يتفوه بكلمة تمس روح الشهيد في ثراه .

لأعداء ياسر عرفات أؤكد بأن لا عزاء لكم اليوم سوى أن تموتوا بحقدكم الأسود و أنتم تُشاهدون العالم يحتفي و يستذكر ياسر عرفات الثائر و الحُر الأول ، بينما أنتم تناصبونه العداء خلافا لعهد الشهداء !

فلسطين ليست بعاقر ! لأنها دائما منبع العظماء ، و عزائنا الوحيد بعد رحيلك يا سيدي يا سيد الأحرار أن الله رحيما بنا أهل فلسطين عندما سلمت الراية الوطنية لتضع فلسطين في يد أخيك و خليفتك “ابو مازن” الذي يسير على دربك و نهجك الوطني ، و يحافظ على عهدك و قسمك لفلسطين ، ولا عزاء لنا اليوم سوى أن أعناقنا ارتفعت عاليا في السماء لأن خليفتك الرئيس محمود عباس “ابو مازن” استطاع أن ينتصر لفلسطين و يحقق لها انجازات و انتصارات تاريخية ليقترب من تحقيق حلمك الفلسطيني بتحرير القدس من دنس الغاصب المحتل .

لذلك فلتنم قرير العين يا سيدي لأننا نسير إلى دولة فلسطين المستقلة بكل ثبات خلف خليفتك الثابت على الثوابت “ابو مازن” الذي يُكمل مسيرتك الوطنية نحو القدس الشريف ، و نعاهدك بأن نصطف و نلتف من حوله لمواصلة المسيرة الوطنية لتحقيق النصر لمشروعنا الوطني الفلسطيني ، وليرفع شبل من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق مآذن و كنائس القدس ، ترونها بعيدة و نراها قريبا و إنا لصادقون .

لم ولن ننساك يوما لأننا على العهد والقسم محافظينا وعليه سائرينا لإكمال المسيرة الوطنية حتى النصر خلف أخيك السيد الرئيس محمود عباس “ابو مازن” لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي ، وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .

” أيها العظيم ياسر عرفات ! سلام إلى روحك الطاهرة و “سلامٌ لك و سلامٌ عليك و سلامٌ يوم تُبعث حيا ”

أ . سامي ابو طير

كاتب و محلل سياسي

Sami123pal@gmail.com

Exit mobile version