فلسطين تودع سلمان كتب عمر حلمي الغول

مضى سلمان ناطور إلى البعيد حيث محارة الخلود. ترجل ابو إياس باكرا، تاركا مسرح الحياة لتلامذته من المثقفين والمبدعين لمواصلة كتابة فصول الرواية الوطنية، وحراسة الذاكرة والهوية وأبجدية اللغة الام. تلك الرواية، التي حمل شؤونها وشجونها وتفاصيلها منذ صرخ صرخته الاولى في العام 1949، حيث نهل من والده وجده وأسرته اول دروس الانتماء لفلسطينيته وعروبته، ثم تلمس الواقع بعينيه واحاسيسه ومشاعره الوطنية والقومية والانسانية.

كان سلمان مختلفاً اسوة بكل المبدعين. لم يكن طفلا عاديا، ولا فتاً بسيطا، ولا شابا عبثياً. لم يقبل النكبة ومفرداتها وتداعياتها. وشق طريق الدفاع عن تاريخ وهوية شعبه عبر بوابة الانتاج المعرفي. وحمل هموم الارض والشعب والقضية على مدار سني حياته وفي ميادين الصحافة والرواية والقصة القصيرة والمسرحية والبحث. جال العالم يعري وجه دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، ويدافع عن اطفال فلسطين ومستقبلهم، مناديا بالتعايش والسلام والحرية، رافضا الاحتلال وارهابه الاسود.

قرابة ثلاثين عملا ابداعيا أنتج الاديب والمفكر والمؤرخ سلمان ناطور. واصل الليل بالنهار دون كلل ليضيء شمعة في درب الحياة للشعب، الذي انتمى إليه. حارب بقوة النمطية، التي حاولت إسرائيل إسباغها على ابناء شعبنا من بني معروف، حملة راية العروبة الاقحاح. وأكد، هو ومن سبقوه كالشاعر الراحل الكبير سميح القاسم ومن جايلهم ومن سار على دربهم، بانهم الابناء الميامين للشعب الفلسطيني. وجعل من دالية الكرمل عنوانا للانتماء للوطنية. وكما قال رئيس المجلس المحلي للدالية امس الاول، رفيق حلبي في تأبينه: إن سلمان ناطور كرم الدالية بعطائه المعرفي الفكري والسياسي والروائي والمسرحي”.

سلمان ناطور قامة ادبية كبيرة، حققها بمثابرته وحرثه ميادين الابداع المختلفة. وقامة وطنية مهمة، كرسها بنسج اجمل واروع العلاقات مع ابناء جلدته في فلسطين التاريخية وفي الشتات. كان رائدا من رواد التواصل الوطني. ليس فقط من خلال ما انتجه من أعمال روائية او مسرحية او سياسية، بل من خلال الربط الشخصي للعلاقة مع كل وطني فلسطيني، ومن خلال التماس المباشر مع المنابر والاتحادات ذات الصلة بالثقافة والانتاج المعرفي والفن.

نام الاديب الروائي سلمان ناطور، نومتة الابدية في دالية الكرمل، البلدة الجليلية البهية، في بيت الشباب. سبعة وستون عاما، تقترب من عُمر نكبة شعبه. عاشها كما يليق بالقامات الادبية والفكرية الشجاعة، لم يهب يوما من قول كلمة الحق. غادرنا إبو إياس، تاركا فراغا في المشهد. وإن كان الامل باقيا وموجودا في الاجيال الجديدة، حاملة راية الوطنية والقومية.

كانت رحلة وداع سلمان مع الوفد الفلسطيني طويلة ومريرة امس الاول. ومرارتها، لم تكن ناجمة عن حواجز دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، وإجراءاتها العنصرية، بل عن فقدان الراحل الكبير الصديق سلمان، الذي ربطتني به علاقة مودة وتاريخ مشترك في الانتماء لذات الهوية والاحلام الوطنية الكبيرة.

وداعا ايها الغالي سلمان. نم يا من حملت مشعل النور المعرفي قرير العين، لأن حراس الراية والرواية الوطنية، عاهدوك وعاهدوا انفسهم وشعبنا، بمواصلة حمل مشعل الحرية والاستقلال والعودة، والدفاع عن حقوقهم في المساواة والمواطنة في الجليل والمثلث والنقب والساحل. عليك واليك السلام يا نصير السلام والتعايش.

oalghoul@gmail.com

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version