لم اكن أحبذ ان يكون اول قرار لأول وزيرة للسعادة في التاريخ هو مضاعفة رواتب موظفي دولة الامارات, لأن المال ليس عنوانا للسعادة، لأن الدول السعيدة في العالم وفقا لمقاييس السعادة التي تعلن سنويا وليس استطلاعات الرأي لا تتمتع بالمال الفاحش بل بأشياء اخرى تجلب السعادة, فالمقاييس الدولية للسعادة تعتمد على الناتج المحلي وطول العمر والدعم الاجتماعي وحرية اتخاذ القرار… الخ، حيث احتلت دولة الامارات المركز العشرين دوليا فيما ان استطلاع رأي اميركيا لمعهد غالوب اشار الى ان السعوديين من بين اسعد عشرة شعوب في العالم لكن الاستطلاع ليس دقيقا مثل مقياس مؤشرات السعادة المتبع دوليا.
وبالطبع تتزعم سويسرا وايسلندا وفنلندا وهولندا والسويد الدول الأكثر سعادة وهي كلها دول تقع شمال خط الاستواء وباردة بل ثلجية, وهي ليست اكثر ثراء من بعض الدول العربية لكنها اكثر سعادة لأسباب اجتماعية وحياتية ونفسية.
وقد وردت السعادة في القرآن في آية واحدة ولكن عن السعادة في الآخرة وليس الحياة الدنيا “والذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها”.
وكذلك اختلف الفلاسفة القدماء في تعريف السعادة بين حسية ومعنوية, واختلف الفلاسفة المسلمون ايضا حولها لكن اغلبهم اجمع على انها الخير الحقيقي للانسان. وكان اخوان الصفا الاكثر وضوحا الذين قسموا السعادة الى قسمين سعادة دنيوية وسعادة آخروية.
الاولى تعني ان يبقى كل موجود بدنه على افضل حالاته والآخروية ان تبقى كل نفس الى الأبد على افضل حالاتها. لكن الفرد يمكنه دون ان تتوفر له الموارد المالية ان يشعر بالسعادة فالانسان يمكنه تجميع فسيفساء السعادة من تأمل الشروق والطبيعة والتقاط السعادة من وجوه الاطفال ومن حديقة بيته وزهورها ومن القناعة وليس الاستهلاك ومن فعل الخير واسعاد الآخرين ومن وجوه افراد عائلته واحاديثهم .. ثم الاستماع الى كلام جميل ثم القيام بعمل الخير ثم الشعور بالصحة البدنية والنفسية.. فالأولى بوزيرة السعادة ان تبحث عن اسباب النكد والغم والهم وتعالجها اجتماعيا سواء في مناهج التدريس او اسلوب الحياة او جو العمل او ارتفاع نسبة الطلاق فهذه تحتاج دراسات وابحاثا لأن المال وان كان الانسان يحبه حبا جما كما ورد في القرآن الكريم لكنه ليس المصدر الوحيد للسعادة وقد قيل من أسعد الناس؟ فقيل من أسعد الناس، فكل من ادخل السعادة الى قلوب الآخرين هو الأسعد.
ونتمنى ابتداع اساليب غير المال للسعادة والا فبوسع وزير مالية ان يكون وزيرا للسعادة فالرواتب تمت مضاعفتها في الامارات قبل سنوات فهل زادت نسبة السعادة؟
لكن هناك تجارب عملية في جو العمل ليكتسب العمل بعدا سعيدا تمت تجربته حسب ما اعلم في بعض الدوائر في دبي ونجح.
عموما اتفق الفيلسوفان إبن طفيل وابن باجة على ان السعادة هي مفارقة المادة اي انها غير حسية، لكن اخوان الصفا اكثر دقة كما اسلفنا.