تطوير بيت لحم كمركز سياحي عالمي كتب د. إيهاب عمرو

تعد مدينة بيت لحم من المدن الفلسطينية التي تحتل مكانة خاصة بالنسبة للسائحين من مختلف دول العالم، نظراً لأهميتها التاريخية والدينية، وهو ما يستلزم بالضرورة الاهتمام بها وتطويرها بما يحقق الفائدة المرجوة سواء لسكانها أو لأصحاب المحلات التجارية العاملة فيها، بما يساهم في تحقيق المنفعة العامة، وبما يوفر دخلاً إضافياً لخزينة الدولة.

لذلك، فإنني قد ارتأيت تناول هذا الموضوع نظراً لأهميته للقطاع السياحي من جهة، ولكونه يساهم إلى حد كبير في عكس صورة مشرقة عن فلسطين بشكل عام، وعن مدينة بيت لحم بشكل خاص وصولاً إلى تهيئتها حتى تكون مركز جذب سياحيا على مستوى العالم من جهة أخرى.

تأسيساً على ما سبق، فإنني أود تقديم بعض المقترحات ذات العلاقة آملاً من الجهات المختصة ممثلة بوزارة السياحة وبلدية بيت لحم على وجه الخصوص الأخذ بها، كون أن معظم تلك المقترحات قد صدرت عن العاملين في القطاع السياحي بكافة مكوناته من أصحاب مطاعم وفنادق ومحلات بيع التحف الشرقية. ومن أهم المقترحات ذات العلاقة ضرورة إغلاق الشارع الممتد من دوار العمل باتجاه ساحة المهد، مروراً بشارع النجمة وشارع بولص السادس أمام حركة السيارات، وذلك من الساعة التاسعة صباحاً ولغاية الساعة التاسعة مساء، كون أن الشارع ضيق ولا يتسع لعدد كبير من السيارات.

بكلمات أخرى، لا بد تخصص الشارع المذكور خلال الفترة سالفة الذكر للمشاة من مواطنين وسائحين، وهو ما يساهم في إحياء البلدة القديمة وتنشيط الحركة داخلها كون أن السائحين بشكل خاص سوف يكون لديهم حرية أكبر في التحرك عند عدم وجود سيارات، أسوة بباقي الأماكن السياحية في العالم والمخصصة للمشاة دون السيارات خلال ساعات محددة. وهذا سوف يمكن أصحاب المطاعم والمقاهي الموجودة في كلا الشارعين بتخصيص طاولات خاصة مع مظلات صيفاً وشتاء كما هو معمول به في مختلف المناطق السياحية في العالم، وبما يؤدي إلى عكس صورة حضارية عن المدينة.

وقد نما إلى علمنا وجود مقترح سابق عن البلدية، ونطالب في هذا الصدد بضرورة تفعيله، يقضي بأن يتم إنزال السائحين من الباصات على مقربة من دوار العمل بحيث يقوم السائح بالتوجه إلى ساحة المهد وكنيسة المهد عبر شارع النجمة وشارع بولص السادس سيراً على الأقدام، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى فتح المحلات المغلقة في الشارعين المذكورين أبوابها، بما يساهم بشكل كبير في تنشيط الحركة التجارية، ويعود بالفائدة على أهل المدينة كون ذلك سوف يشكل مصدر دخل بالنسبة لهم.

إضافة إلى هذا وذاك، فإن ذلك سوف يشكل مصدر دخل لخزينة السلطة الوطنية كونها سوف تقوم بجباية الضرائب الصناعية والتجارية بموجب القوانين النافذة من أصحاب تلك المحلات. ويمكن في هذا السياق تخصيص سيارات كهربائية للسائحين غير القادرين على المشي تقوم بنقلهم إلى ساحة المهد. كما أنه يمكن الاستعاضة عن إغلاق الطريق المذكور أمام حركة السيارات بتخصيص مواقف للسيارات كبديل عن إغلاق الطريق. لذلك، نطالب بضرورة الإسراع في إنشاء موقف كبير للسيارات كون أن المدينة تفتقد لمثل هذا الموقف، وذلك حتى يتسع لأكبر عدد ممكن من السيارات.

أيضاً، فإنه لا بد من تحقيق الاستغلال التجاري الأمثل لمركز السلام الكائن في ساحة المهد، من خلال تخصيص عروض أفلام تعريفية قصيرة للسائحين عن مدينة بيت لحم مثلاً، مقترنة برسوم رمزية عبارة عن 5 دولار للسائح الواحد متى رغب في ذلك، على أن يتم تقديم مشروبات ساخنة أو باردة مقابل الرسوم الرمزية الذي تدفع من قبلهم.

ويمكن تخصيص 2 دولار للمركز كمصروفات و 3 دولار لمنفعة وتطوير المدينة من حيث إصلاح شوارعها والاهتمام بنظافتها وإنشاء متنزهات، خصوصاً إذا ما علمنا أن العدد التقريبي للباصات المخصصة للسائحين التي تزور مدينة بيت لحم يومياً يتراوح ما بين خمسين إلى سبعين باصا، وهو ما يمكن أن يوفر ما قيمته عشرة آلاف دولار يومياً، أي ما يقارب ثلاثة ملايين دولار سنوياً أو يزيد، بحيث يمكن تخصيصها لتطوير السياحة في المدينة بما يساهم في جعلها مركز جذب سياحي على مستوى العالم، وكذلك بما يحقق منفعة أهل المدينة وتحقيق مصالحهم العامة والتجارية.

إضافة إلى ذلك، فإن هناك ضرورة قصوى بالعمل على تطوير منطقة برك سليمان كونها غير مستغلة سياحياً بالشكل الصحيح، إضافة إلى كونها مهددة بالمصادرة حسبما أعلمتنا مديرة مركز التراث الفلسطيني السيدة مها السقا. ويمكن على سبيل المثال، استغلال قصر المؤتمرات بصورة فضلى، كونه لا يتم استغلاله إلا في حالات استثنائية، حيث يمكن تنظيم أنشطة سياحية مثل تنظيم معارض للأزياء الشعبية، وتنظيم نشاطات ترفيهية للأطفال، بما يساهم في تشجيع وتطوير السياحة في تلك المنطقة. كما يمكن إنشاء مدينة ملاهي حتى لو كانت صغيرة الحجم، واستغلال البرك بشكل أمثل من خلال تجهيزها وتخصيصها لصيد الأسماك، وكذلك فتح مطاعم ومتنزهات وعمل شلالات في المنطقة المحيطة بالبرك، بحيث يؤدي ذلك إلى إعادة إحياء هذه المنطقة الأثرية وجعلها مركزاً للجذب السياحي على مستوى العالم. من أجل تحقيق ذلك، فإن هناك ضرورة تتمثل بقيام وزارة السياحة بدورها المنوط بها بالتعريف بفلسطين بشكل عام، وبمدينة بيت لحم بشكل خاص على المستوى الدولي، من خلال التعاون مع البعثات الدبلوماسية الفلسطينية المتواجدة في الخارج. حيث يلاحظ أن الكثير من الناس في العالم لا تعرف عن مدينة بيت لحم إلا الشيء اليسير، وهذا العمل سوف يساهم دون شك بالتعريف بالمدينة والترويج لها سياحياً على مستوى دولي، بما يعود بالفائدة المرجوة على القطاع السياحي بكافة مكوناته بشكل خاص، وعلى المدينة بشكل عام. كما أن وزارة السياحة يتعين عليها القيام بالدور المنوط بها في تشجيع المكاتب السياحية، خصوصاً الموجودة داخل مدينة القدس، بالعمل على تنويع برامجها السياحية بما يضمن قضاء السائح وقتاً أطول في مدينة بيت لحم، وهو ما ينشط من الحركة داخل المدينة ويحقق الفائدة المقصودة من تلك الغاية. كما يتعين عليها لضمان حسن سير الرحلات السياحية داخل المدينة وضع إشارات إرشادية واضحة وكبيرة للسائحين بخصوص المواقع السياحية، وعدم الاكتفاء بإشارات صغيرة الحجم وغير واضحة للعيان، كون ذلك سوف يشكل مصدر معلومات إضافيا للسائحين عن أهم المعالم السياحية في المدينة، ما يسهل من وصولهم إليها. بجانب أهمية قيام مركز المعلومات السياحية الواقع مقابل كنيسة المهد بالعمل لساعات أطول من المعمول بها حالياً، كون ذلك سوف يشجع السائح، بجانب أمور أخرى، على قضاء وقت أطول في المدينة أسوة بما هو معمول به في المدن السياحية الأخرى في مختلف دول العالم. ختاماً، لا بد من الإشارة هنا إلى أنه يتعين على وزارة السياحة القيام بزيارات ميدانية للمدينة من المستويات الأعلى، وعدم الاكتفاء بإرسال مفتشين بشكل غير دوري وغير منتظم. كما أنه لا بد من قيام وزارة السياحة بدورها الرقابي المنوط بها من أجل مراقبة عمل المحلات التجارية والفنادق والتزامها بالتسعيرة من جهة، ولضمان جودة السلعة أو الخدمة المقدمة من جهة أخرى. ويمكنها أيضاً تبني برنامج خاص بجوائز تشجيعية لأصحاب المحلات السياحية والفنادق الأكثر تميزاً وإلتزاماً، كون ذلك سوف يحقق المنافسة المشروعة ويحد من المنافسة غير المشروعة. ونرى أيضاً ضرورة التعاون بين وزارة السياحة ووزارة التعليم بخصوص إعطاء دورات تعريفية وورش عمل في المدارس التابعة للمدينة حول أهمية دور السياحة الأجنبية في تنمية الاقتصاد الوطني، وكيفية معاملة السائحين الزائرين بصورة حسنة. من نافلة القول، نرى أنه لا بديل عن تعزيز دور الشرطة السياحية وتمكينها من أداء واجباتها وفرض غرامات على المخالفين وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة، خصوصاً في ظل انتشار المخالفات على اختلاف أنواعها ودرجاتها سواء كانت مرورية أو سلوكية فردية، والتي تلحق ضرراً بالسياحة في المدينة، ولا تعكس الوجه الحضاري لشعبنا الفلسطيني.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version