في ذكرى المجزرة: المسجد الإبراهيمي حزين وينتظر اعماره بحشود المصلين

دعاء زاهدة

بضع كسرات مما تبقى من الخبز وكأس شاي ساخن لم يسعف نداء المؤذن لصلاة الفجر صاحبه ارتشافه حتى الرمق الأخير، صرصرة الليل و”وشوشات” أدعية تخرج من مآذن الجوامع ذات الإنارة الخضراء، وشوارع خالية إلا من قلة يضربون الأرض بأقدامهم للحاق بصلاة الفجر.

في البلدة القديمة بالخليل يتسارع الشبان في خطواتهم صعودا الدرج الطويل المؤدي إلى صحن الجولية الذي يعتبر مصلى للنساء شيده “محمد بن سعيد بن سنجر الجاولي” في العهد المملوكي بعد أن كانت منطقة الجولية عبارة عن تلة صخرية ضخمة وليست مقبرة يهود حسب ادعائهم.

وداخل المسجد ولحظة دخولك البوابة الخضراء، يطالعك منبر صلاح الدين الذي أمر ببنائه في عهد الدولة الفاطمية، واستمر العمل فيه لعشر سنوات، يتكون هذا المنبر من قاعدة رخامية، وجنبات مشغولة بطريقة الأرابيسك الشامية، درابزين يشبه المشربيات المصرية وقبة المنبر على هيئة خوذة الجندي مصنوع من خشب الابانوس ويتكون من حوالي 3960 قطعة لم تستعمل فيه مسامير أو براغي أو غراء.

في 15 رمضان الموافق 25 شباط، في لحظات الفجر الأولى نادى إمام المسجد الإبراهيمي أن حي على الصلاة فوقف خلفه المصلون بصفوف متراصة لا خلل بينها، وما أن علا صوت الإمام داعيا إلى السجود فتح المستوطن “باروخ غودشتاين” نار سلاحه الرشاش على المصلين فارتقى 29 شهيداً داخل المسجد وجرح المئات.

أصوات الجوامع ضجت في المدينة تستجدي أهل المدينة بالتوجه إلى المستشفيات للتبرع بالدم، صرخات العائلات المكلومة قلبت ليل المدينة نهاراً مبكرا، العشرات احتشدوا أمام مداخل المستشفى الأهلي في انتظار دورهم للتبرع بالدماء في الوقت الذي امتلأت الأسرة والممرات بالجرحى.

قوات الإحتلال لم تكتف بالقتل العشوائي داخل المسجد الإبراهيمي، بعد قتل المستوطن غولدشتاين على أيدي المصلين في المسجد الإبراهيمي، فلحق الجنود متسلحين بعتادهم الجرحى إلى المستشفى الأهلي ليطلق النار عبر القناصة على الشباب ليرتقي المزيد من أبناء الخليل شهداء.

قبل المجزرة كان المسجد الإبراهيمي يفتح أبوابة 24 ساعة، وفي فتره الاحتلال سعى الاحتلال باستمرار للهيمنة على المكان بذريعة أن له أهمية دينية بالنسبة لهم، فتم وضع جنود بشكل دوري على البوابات الرئيسية الثلاث وكان الجنود لا يحتكوا بالمصلين نهائيا، في الأيام التي سبقت المجزرة كان اليهود يؤدون صلواتهم التلمودية على بعد 5 أمتار فقط من المسلمين، إضافة إلى الكثير من الاحتكاك والاحتقان من الطرفين وصلت إلى حد اعتقال العديد من المصلين المسلمين أو ضربهم والاشتباك بالأيدي بينهم.

بعد المجزرة تم إغلاق الحرم 6 أشهر سرقت في تلك الفترة بعض مقتنيات المسجد كالساعات التي كانت تعمل على الزيت وبعض الأهلة الذهبية وغيرها، وحاولت إسرائيل في فترة إغلاقه وضع آثار في الغار حتى تدعي تاريخها في المكان.

وبعد المجزرة تم تشكيل لجنة شمغار برئاسة قاض يهودي الأصل خرجت بمجموعة من القرارات كان أبرزها تقسيم المسجد الإبراهيمي إلي قسمين 60% منه تحت السيطرة الإسرائيلية ولا يسمح للمسلمين بالوصول إليه الا لعشر أيام فقط طوال العام تشمل عيدي الفطر والأضحى والمناسبات الدينية كالمولد النبوي والإسراء والمعراج فقط، مقابل 40% للمسلمين يتعرض للتدنيس واضح بشكل يومي من قبل جنود دولة الاحتلال ومستوطنيها، وإغلاقه طيلة أيام الأعياد اليهودية بشكل كامل أمام المصلين المسلمين.

وتم نقل إدارة المسجد لليهود، وإغلاق أبواب المسجد الإبراهيمي بوجه المصلين المسلمين وانتهاء العمل فيه بتمام الساعة التاسعة مساء من كل يوم.

منذ 18 عاما منع الاحتلال رفع أذان المغرب من سماعات ومآذن المسجد الإبراهيمي لتزامنها مع موعد صلاة الغروب اليهودية، وليمنع أيضاً رفع الأذان في كل يوم سبت، ومنع وصول المؤذن إلى غرفة الآذان الخاضعة لسيطرة الإسرائيلية، ما يترتب عليه منع رفع الآذان بشكل مفاجئ ودون إبداء الأسباب، وطوقت المصلين والمسجد بكاميرات مراقبة حديثة تنقل الصوت والصورة لتصبح الصلاة تحت المراقبة بشكل دائم.

ومنعت سلطات الاحتلال دخول الجنائز الى المسجد بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي ومنعوا خروج الاحتفالات الشخصية كالأعراس والموالد التي كانت تخرج قديماً على شكل مسيرات محملة ببيارق وأعلام من المسجد الإبراهيمي.

لقد عملت دولة الاحتلال الإسرائيلي على مدار 22 سنة على صنع طوق من الخوف حول الحرم، هذا الطوق لم يتم كسره إلا مرات بسيطة، فحالة الرعب والخوف والتشديد أدت بطريقة وبأخرى إلى تفريغ البلدة القديمة من سكانها، لتتحول أعداد عشرات الآلاف من المصلين قديماً من أبناء المحافظة إلى 40 مصليا يملأون ثلاثة صفوف فقط.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version