“فيصل الحسيني في ذكراه الرابعة عشر .. لا عزاء ولا رثاء”

بقلم: أسماء ناصر أبو عيّاش

في كل مرة نلتقي نتخذ قرارا ألا نخوض في شأن السياسة وأن ندع الخلق للخالق – منتهى السلبية – نتفق جميعا على هذا المنهج ونضعه موضع التنفيذ.. نبدأ بالسؤال عن الأحوال ومدارس الاولاد ونسبة الكوليسترول وأخبار السكري وارتفاع ضغط الدم، نحاول بكل ما أوتينا تضييق دائرة الاهتمام فنجد دوائرنا مهما ضاقت لا يمكن لها أن تخرج فلسطين من مركزها.. فلسطين بكل معطياتها بكل عذاباتها وجراحاتها.. بكل أنجمها وأقمارها.. بقضبان سجون محتلها وفضاءات زنازينه.. بمواكب شهدائها وعذابات جرحاها.. فلسطين بكليّتها.

ننتمي لجيل خرجنا من أرحام امهاتنا في زمن امتد ما بين نكبات ونكسات لنكون شهودا وشهداء.. ننتقل بين نعوش احبتنا ونطلق أسماء شهدائنا على الفعاليات والمواقع والشوارع.. نبدأ يومنا بنشرة اخبار وننهيه بنشرة اخبار.. كرّسنا نهجا في الموت كسبيل للآرتقاء فلا عزاء في شهدائنا ولا رثاء لهم، بل احتفال يرقى بنا الى مستوى الحدث.. حينما ارتقى فيصل الحسيني سلم المجد لم يخطط لمجده أحد.. انساق بتلقائية ميمما شطر الهدف وجهه وكانت القدس الوجهة وفلسطين الهدف. عرف القدس بشوارعها وحواريها.. بكل تفاصيلها.. عرف ناسها وساندهم لم يكن قائدا سقط عليهم من علياء بل قائد ارتقى من بينهم فتلمس همومهم وخبر معاناتهم واحتياجاتهم فأضحت بين الحسيني والقدس عروة وثقى ندر أن تتكرر مع من سواه.

لئن كان فيصل بالمفهوم الاجتماعي سليل عراقة عائلية ووطنية فأنه لم يركن الى هذا الإرث بل حاز على ثقة الناس ومحبتهم ولم يكن معهم من قبيل المشاركة بل خاض معهم تفاصيل حياتهم لأن الكمين الذي يترصدهم ترصده قبلهم.. تصدر المظاهرات وخاض الصراعات وجابه في سبيل قدس عربية خارج نطاق بلدية الاحتلال.. لم ينحنِ يوما أو ينزوِ بل كان ثائرا اذا ما احتدم الصراع واشتد ليتلقفه معتقل المسكوبية أكثر من مرة وحكيما جلِداً صبورا إذا ما تطلب الموقف حكمه..

انها القدس هي التي تحدد السمة بين الوطني ونقيضة .. قالها الحسيني مرة سيأتي اليوم الذي تنحب المدينة قادتها لكن لن يأتي اليوم الذي سينحب القادة مدينتهم.

لا حاجة بنا للعزاء ولا ينقصنا الرثاء بل هو عوزنا لرموز نفتقر اليها اليوم تحمي ذاكرتنا من التهتك وذكرياتنا من الاندثار وتحمي حاضرنا من الاحتواء والتبعية وترسم معنا مخططنا لمشروعنا الوطني تكون القدس منطلقها ويافا محط ركابها.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version