الاحتلال يدخل عامه الـ50 …والمعاناة مستمرة

أكد مستند حقوقي، نشرته جمعيّة “حقوق المواطن في إسرائيل”، مع بداية العام الـ 50 على احتلال الأرض الفلسطينية، أن التّغييرات التي حوّلت الأراضي المُحتلّة إلى منطقة مُقسّمة ومُجزأة، فيها درجات وأشكال مُتعدّدة من السّيطرة الإسرائيليّة، أدت إلى انتهاك حقوق الإنسان الأساسيّة لملايين الأشخاص بشكل مُمنهج.

وأشارت الجمعية في مستندها، إلى أنّه ورغم مرور 49 عامًا، ما زال حال المواطنين في الأراضي الفلسطينية منذ احتلال في شهر حزيران 1967 هي ذاتها، وأنّه لم يحصل أيّ تغيير طوال العقود الأخيرة.

وجاء في المستند، أن السّيطرة الإسرائيليّة على المناطق المُحتلّة تتسع مع مرور الوقت، ولم تغيرها التطورات السياسية كإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية، أو فرض حركة حماس لسيطرتها على قطاع غزة، إذ استمرت السيطرة على الحيّز الجغرافي الواقع بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط وساكنيه.

تجزئة الأراضي المحتلة

يوضح المستند، أن العقود الخمس الأخيرة شهدت تجزئة واسعة للأراضي، ما أدى إلى إلحاق ضرر بالغ بالمواطنين الفلسطينيّين على الصّعيد الفرديّ والجماهيريّ والقوميّ، إذ جرى احتلال القدس الشّرقيّة من قبل إسرائيل وذلك بانتهاك للقانون الدّولي ودون إعطاء سكّان المدينة حقوقهم كاملة.

وأدّت السّياسة الإسرائيليّة إلى عزل القدس الشّرقيّة وانهيارها، بعد أن كانت موطن قوّة اقتصاديّة، وسياسيّة، واجتماعيّة ودينيّة، إضافة إلى الجدار العنصري، الذي يقطع التّواصل الطّبيعيّ للفلسطينيين في القدس.

كما أنّ الاستيطان والطرق الالتفاقية، أدّت إلى خلق مناطق جديدة في الضّفّة الغربيّة والقدس، لا يُسمح للفلسطينيّين فيها بأن يتحرّكوا أو يسكنوا، هذا إذا لم يقص منها السكان الأصليون، بالإعلان عنها كمناطق عسكرية مغلقة، أو ميادين تدريبات ورمي، أو مواقع أثرية وحدائق “وطنية”.

وحسب المستند القانوني، فقد جلبت اتّفاقيّة أوسلو تغييرات جذريّة بخصوص تقسيم الضّفّة إلى مناطق ’أ’، ’ب’ و ’ج’ بعد إقامة السُّلطة الوطنية الفلسطينيّة، وجرى التّقسيم بحسب خطوط جغرافيّة مُصطنعة تفصل بين مناطق متّصلة في ما بينها، مثل الطّرق المؤدّية من المدن الكبرى إلى القرى المُجاورة لها.

وبالإضافة إلى ذلك، أدى بناء الجدار العنصري داخل الأراضي المُحتلّة إلى خلق جيوب فلسطينيّة معزولة، وسمح بتوسّع المُستوطنات بحجج أمنيّة، كما أقيمت على طول الجدار حواجز وبوّابات يمنع مرور الفلسطينيّين عبرها إلا بتصاريح خاصة، حتى لو كان الهدف التنقل داخل الأراضي المُحتلّة ذاتها، لا من أجل الدّخول إلى إسرائيل.

وإلى غرب الجدار نشأت “مناطق التماس”، والتي يستطيع الإسرائيليّون والأجانب أن يتحرّكوا فيها بحرّيّة، في حين أنّ إمكانيّة وصول الفلسطينيّين إليها للسّكن هناك أو للعمل في الأراضي محدودة ومُعقّدة، حتّى أولئك الذين سكنوا طيلة حياتهم في تلك المناطق اضطرّوا إلى مواجهة نظام تصاريح بيروقراطيّ مُعقّد ينطوي على المهانة والعُنف.

وشدد المستند على أن التّحّكم بحركة الفلسطينيّين على طول خطوط التّماس بين المناطق المختلفة شكّل الانشغال المركزيّ للمستوى العسكري الإسرائيلي، ويدلل على ذلك التطورات التكنولوجية التي أضيفت للحد من دخول الفلسطينيين ولمراقبة حركتهم، عند مداخل مدن الضفة، وبوابات المستوطنات، وعلى جانبي الجدار، وفي مناطق التماس، ومع مرور الوقت اتسعت العقوبات والاعتقالات المفروضة على كلّ من يُقبض عليه دون التّصاريح اللّازمة، وعلى كلّ من يوفّر له المأوى أو النقل.

ويضاف إلى ذلك وفقا لـ”جمعيّة حقوق المواطن في إسرائيل”؛ خطوات جديدة تُتّخذ أثناء فترات التصعيد، لكنّها تبقى سارية المفعول.، كقانون مؤقت سن أيام انتفاضة الاقصى بهدف تقليص لمّ شمل العائلات الموزّعة على جانبي “الخطّ الأخضر” في تلك الفترة، إلا أن تحديثه يتم عامًا تلو الآخر، فيحوّل آلاف الفلسطينيّين الذين يعيشون في إسرائيل والقدس إلى سكّان غير قانونيّين، أو سكّان يعتمدون على تصاريح إسرائيليّة من أجل التّحرّك والسّكن في منازلهم.

ونوه المستند القانوني، إلى أن تقسيم الأراضي المُحتلّة والتّحكّم الذي يرافقه، ينطوي على عواقب وَخِيمة تطال حرّيّة حركة الفلسطينيّين وسلسلة أخرى من الحقوق المُشتقّة من حرّيّة التّنقّل، ومن بينها الحقّ في حياة عائليّة، والحقّ في الصّحّة وسلامة الجسد والحقّ في التّربية، فيما يبقى الاقتصاد والتّجارة في فلسطين رهن قرارات يوميّة يتّخذها القادة العسكريّون، بشأن إتاحة أو عدم إتاحة مرور البضائع والأشخاص، وبشأن كيفيّة المرور، وبشأن فرض أو عدم فرض تقييدات على تطوّر مُختلف القطاعات، وما إلى ذلك، وفي المحصلة يقود ذلك الجيش إلى توسيع دوائر الفقر والعجز.

الضّمّ الزّاحف

ويشير المستند الحقوقي الصادر عن جمعيّة “حقوق المواطن في إسرائيل”، إلى أن السّيطرة العسكريّة الإسرائيلية الكاملة على مناطق ’ج’، والتي تشكّل حوالي %60 من مساحة الضّفّة، إضافة إلى فرض القانون الإسرائيليّ على القدس الشّرقيّة، أنتجا مناطق يعيش فيها فلسطينيّون ومستوطنون تحت سلطة إسرائيليّة مُباشرة.

ومع مرور الزّمن، طُوِّرَت أدوات سياسيّة متنوّعة بهدف زيادة السّيطرة الإسرائيليّة على تلك المناطق، بطريقة تُتيح إبعاد الفلسطينيّين عنها.

وتتمّ عمليّة ترحيل الفلسطينيّين من مناطق مختلفة في الضّفّة والقدس بشكل أساسيّ بواسطة سياسة تقوم على رفض التخطيط والتطوير في تلك المناطق، أو الحيلولة دون ربط المجموعات السّكانيّة والأحياء الفلسطينيّة بشبكة المياه، أو منع وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم الزّراعيّة، أو منع تطوير مناطق صناعيّة، وترافق هذه التّقييدات أعمال تعسّفيّة، كهدم المنازل بحجة البناء دون ترخيص، ومصادرة المعدّات، وردم آبار المياه، وسدّ الطّرقات، وتكثيف الحضور العسكريّ والشّرطي.

كما تفرض سلطات الاحتلال في أراضي المنطقة ’ج’ وفي القدس الشّرقّيّة، قوانينَ التّخطيط والبناء الخاصة بها، التي تمنع تطوّر وازدهار البلدات، والأحياء، والمساحات الزراعية، إلا إذا كان ذلك يخدم الإسرائيليين.

وجاء في المستند، “في العقد الأخير، تكثّفت الجهود السّاعية إلى إحكام السّيطرة والرّوابط بين المنطقة ’ج’ وإسرائيل، وذلك بواسطة خطوات تُسمّى باسم الضّمّ الزّاحف، الضّمّ الفعليّ أو الضم القضائي؛ فقد أقرّت لجنة أنشئت بمبادرة حكوميّة، والتي ترأسها القاضي السّابق في المحكمة العليا إدموند ليفي، أنّ الضّفّة ليست إقليمًا مُحتلًّا، وعليه فإنّ المُستوطنات قانونيّة، واقترحت اللّجنة كذلك سياسة لتثبيت وقوننة البناء في المستوطنات والبؤر الاستيطانية”.

وأضاف المستند “أحيانًا، في إطار الضّمّ الزّاحف، هناك خطوات تُصبح ممكنة بفضل هيئات إسرائيليّة تُقام في الضّفّة “نظيرة” لمؤسّسات داخل إسرائيل، ومن المفترض أن تكون هذه الهيئات تابعة لصلاحيّة القائد العسكريّ، لكنّها في الواقع مُستقلّة. على سبيل المثال، جرى تحويل كلية مستوطنة اريئيل إلى جامعة، وذلك بما يتنافى مع رأي مجلس التّعليم العالي في إسرائيل، من خلال إعلان (مجلس التّعليم العالي)، وهي هيئة خاضعة للقائد العسكري”.

وفي الواقع، يكون ذلك نتاج تحقيق مصالح إسرائيل في الأراضي المُحتلّة المُزمع ضمّها هو إلحاق ضرر بالغ بحقوق الإنسان للفلسطينيّات والفلسطينيّين، حيث أن إقامة مستوطنة جديدة أو توسيع أخرى قائمة يؤدّي إلى مُصادرة أراضٍ بإجراءات رسميّة، وإلى منع الفلسطينيّين من الوصول إلى أراضيهم وإلى الموارد الطّبيعيّة المحلّيّة، وإلى إغلاق المدخل الرّئيسيّ لقرية فلسطينيّة وإجبار سكّانها على السّفر بطرق جانبيّة بديلة، وإلى حضور عسكري مُكثّف، ومواجهات مُتكرّرة مع جيش الاحتلال ترافق كثرة المداهمات والاعتقالات؛ وإلى أعمال عنف من طرف المستوطنين تجاه البشر والممتلكات، وغيرها من العواقب.

الاحتلال والضّمّ – دون حقوق إنسان

ويؤكد المستند الذي نشرته جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، أخفقت في الالتزام بالعمل وفق القانون الإنسانيّ الدّوليّ الذي ينطبق على أراضٍ احتُلَّت في حالة حرب، والتي تنص على “السماح لسكّان المكان المُحتلّ بأن يستمرّوا في حياتهم العاديّة رغم وجودهم تحت احتلال عسكريّ مؤقّت، وأن تحمي حقوق الإنسان الأساسيّة لديهم في ظلّ غياب حماية من طرف قوانين الدّولة”.

حيث لا تقوم سلطات الاحتلال بالكثير من الواجبات الأساسيّة المنصوص عليها في قوانين الاحتلال، وتخرق حظر عدم نقل سكّان الدّولة المُحتلَّة إلى داخل الأراضي التي تحتلّها، وتستخدم القوّة المُعطاة لها في إطار قوانين الاحتلال بهدف توسيع السّيطرة الإسرائيليّة -التي يفترض أنّها مؤقّتة- في إبعاد الفلسطينيّين وترحيلهم عن الأماكن التي ترغب بضمّها.

كذلك، تستخدم إسرائيل الموارد الطّبيعيّة في الأراضي المُحتلّة لصالح المُجتمع الإسرائيليّ على جانبيّ “الخطّ الأخضر”، وهو أمر يمنعه القانون الإنسانيّ الدّوليّ، فضلا عن تقييد استخدام الفلسطينيّين للموارد ذاتها.

مثلاُ، تُشغّل شركات إسرائيليّة بعض مقالع الحجارة في الأراضي المُحتلّة وتجني أرباحًا طائلة منها، في حين يقوم جيش الاحتلال بإغلاق مقالع يُشغّلها الفلسطينيّون، كذلك يمنع وصول الفلسطينيّين إلى مصادر المياه، كالآبار والمياه الجوفيّة، في حين يجري استغلالها لصالح المُستوطنات وبلدات الداخل.

وفي ذات الوقت، يُستغلّ إطار القانون الإسرائيليّ في القدس الشّرقيّة بهدف فرض السّيطرة على السّكّان والأراضي، دون تحمّل المسؤوليّة الكامنة في القانون، ويصحب ذلك انتهاك ممنهج لحقوق الإنسان.

السياسة التي طورت في القدس الشّرقيّة تشبه إلى حدّ كبير المعاملة التي يحصل عليها الفلسطينيّون القابعون تحت الاحتلال العسكريّ في الضّفّة، فالأحياء الفلسطينيّة في القدس المحتلة مُهملة من جميع الجوانب، وتعاني من بنى تحتيّة متداعية، وجهاز تعليم متخلف وغياب التّطوير، كما يُضطرّ المواطنون هناك إلى التّعامل مع بيروقراطية تتّسم بالعدوانيّة، ومع شرطة تمارِس العنف البالغ ضدّهم.

وهذا يفند الدعاية الإسرائيلية، بأن “فرض القانون” على شرقي مدينة القدس وإعطاء الهوية الإسرائيلية للسكان هناك قد يضمنا للسّكّان الحقوق والحرّيّات.

قطاع غزّة

وجاء في المستند: تغيّر نِطاق ودرجة سيطرة إسرائيل على قطاع غزّة على مرّ السّنين، ومنذ فكّ الارتباط في العام 2005، لم تعد إسرائيل تفرض سيطرتها الفعليّة على قطاع غزّة. مع ذلك، ما زالت إسرائيل تُمارس سيطرتها اليوم في عدد من المجالات الجوهريّة، وعلى رأسها السّيطرة على تحرّك البشر والسلع، وعلى الحيّزَين البحريّ والجويّ، وعلى السجل السكاني وعلى الغلاف الضّريبيّ.

وأكد المستند أنّ طريقة سيطرة إسرائيل على حدود القطاع تنتهك بفظاعة حقوق الإنسان الأساسيّة وحريّة نحو مليوني شخص من أهالي القطاع وساكنيه، فضلا عن الأثر البالغ الذي لحق بالاقتصاد وقاد إلى تفشي الفقر.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version