صلاة التراويح وسجن الناس!

بقلم: بكر أبو بكر

الطقوس في كل الديانات هي تعبير مادي ملزم عن قيم سامية، لذا تصبح الصلاة والصيام والحج والزكاة في كل الديانات، وما يماثلها محققة للارتباط بين الشكل (الطقس) وبين ذات الفعل و القيم المتوخاة.

شهر رمضان لنا نحن المسلمين هو شهر الخير والعطاء وتطهير النفس وحسن الاتصال مع الله والذات والآخرين، بمعنى أن الصيام كامتناع عن الشهوات له قيمة جسمانية فيزيائية صحية، وله تعابير طقوسية هامة، وله قيمة روحانية سامية لا تتوقف عند حدود الشهر الفضيل وإنما تنعكس على الذات والآخر جهادا طوال العام….محدثة التجدد والتغيير طوال الحياة.

إن لم يتحول رمضان إلى شهر تفكر وتدبر وتأمل في آلاء الله وآياته ومراجعة ورقابة وإعادة تجديد وإدارة للذات وتحسين العلاقات في الاتجاهات الأربعة (في العلائق مع الخالق والنفس=الذات، ومع الآخر ومع الكون) فإننا نفتقد قيمة كبرى في ذلك.

وفي إطار النقد للمظاهر (الطقوس) المُحدَثة في الشهر الفضيل لا تجد مسوغا للبهجة والبهرجة المفرطة في الزينة أو في الاتخام في الشراء والأكل أو النوم، أو في العصبية الزائدة أو إدعاء الكسل في ظل شهر من المتوجب أن يكرس للنشاط ، ولا نفهم في هذا الشهر الفضيل أن تتحول حتى بعض العبادات إلى سياحة دينية خالية المضمون عند البعض، ففي حين يتم إهمال الكثيرين من الناس للصلاة في المسجد بالأوقات الخمسة المفروضة الواجبة نجد هدير الرجال والنساء والأطفال بالمسجد في صلاة التراويح التي هي سنة مؤكدة (ليست فرضا) هديرا عاليا.

ولك أن تتعجب طويلا من خلو المساجد في أوقات الصلوات المفروضة في رمضان أو قلة ممارسيها (فما بالك طوال العام) مقابل ما يحصل من ارتباك في المرور وإزعاج للجيران أثناء صلاة التراويح.

تفتقد الصلاة قيمتها حين تتقدم السُنّة على الفرض، وتفتقدها أكثر عندما تفتقد معاني ديمومة الخير والعطاء وطهر النفس وحسن التأمل والاتصال مع الله والذات والآخرين، وفي مثال ذلك حين يُقحم البعض أنفسهم على عباد الله ف”يخطبون” أثناء صلاة التراويح خطبة إجبارية كل 4 ركعات، بل ويستزيد فيصرخ هذا الخطيب “الواعظ” عبر السماعات مزعجا المتأملين يقرؤون القرآن في المسجد كما يزعج بصراخه عبر مكبرات الصوت ليلا من هم في شؤونهم خارج المسجد.

((سئل الشيخ محمد ابن عثيمين في (لقاء الباب المفتوح): ما حكم الموعظة بين صلاة التراويح أو في وسطها ويكون هذا دائماً؟ فأجاب الشيخ: ” … أما الموعظة فلا، لأن هذا ليس من هدي السلف . لكن يعظهم إذا دعت الحاجة أو شاء بعد التراويح، وإذا قصد بهذا التعبد فهو بدعة, وعلامة قصد التعبد أن يداوم عليها كل ليلة, ثم نقول: لماذا يا أخي تعظ الناس؟ قد يكون لبعض الناس شغل يحب أن ينتهي من التراويح وينصرف ليدرك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وإذا كنت أنت تحب الموعظة ويحبها أيضاً نصف الناس بل يحبها ثلاثة أرباع الناس فلا تسجن الربع الأخير من أجل محبة ثلاثة أرباع, أليس الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف فإن من ورائه ضعيف والمريض وذي الحاجة) أو كما عليه الصلاة والسلام, يعني: لا تقس الناس بنفسك أو بنفس الآخرين الذين يحبون الكلام والموعظة, قس الناس بما يريحهم, صلِّ بهم التراويح وإذا انتهيت من ذلك وانصرفت من صلاتك وانصرف الناس فقل ما شئت من القول.))

وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني:”قيام رمضان شُرع فقط لزيادة التقرب إلى الله عز وجل بصلاة القيام , ولذلك فلا نرى نحن أن نجعل صلاة التراويح يخالطها شيء من العلم والتعليم ونحو ذلك , وإنما ينبغي أن تكون صلاة القيام محض العبادة , أما العلم فله زمن”.

إن مظاهر رمضان الخارجة عن حقيقة العبادة وقيمتها السامية وتلك المتزيدة أوالخارجة عن تحقيق السكينة والتأمل والتعبد والتي تنحو نحو الازعاج بطقس احتفالي قسري لدى البعض لا مرجع معتمد لها من الدين تشكل منهجا سلبيا لتقديم القشور على المضمون وعلى المعنى الحقيقي للعبادة في أوقاتها الخمسة وللدين عامة..

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version