جهاد حرب يكتب لـ وطن.. نميمة البلد: تجديد فتح (1+2)

يخطأ من يظن ان اصلاح حركة فتح ممكن سواء ببيان احتجاجي في داخلها أو على هوامشها، أو بمقال في صحيفة أو موقع الكتروني، أو بحركة احتجاجية منظمة أو تكاتف المعترضين على السياسيات من “تيارات” هي متعارضة في الحركة، دون وجود رؤية شاملة جريئة لمعالجة الاختلافات والاختلالات الحاصلة في حركة فتح.

هذه الرؤية تعتمد بالأساس على مراجعة فكرية لمنطلقات الحركة وأهدافها من ناحية، وتجارب الحركة بأجهزتها ومؤسساتها في الوطن وخارجه لأكثر من خمسين عاما من العمل، وعلاقتها في السلطة الحاكمة “منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية” من حيث قواعد الحكم والنظرة الى المجتمع أو بالأحرى رؤية حركة فتح لطبيعة المجتمع المبتغى في ادبياتها وما آلت اليه بعد هذه الفترة من الحكم.

المراجعات الفكرية بكل تأكيد لا تقتصر على الاحزاب الاسلاماوية بل ايضا على الاحزاب العلمانية؛ الليبرالية منها والاشتراكية وكذلك الماركسية. وهي ضرورة حتمية لكي لا تفقد صلتها بالواقع ومع جمهورها، أو تحيد عن مسارها باعتبارها اداة تغيير اجتماعي بالإضافة الى تحرر وطني في حالتنا الفلسطينية. صحيح أن الكثير من الاحزاب والتنظيمات السياسية تقوم في كل مرحلة زمنية، وكذلك في كل تجربة، بمراجعة عملاتية لاستخلاص العبر لكنها تبقى هذه المراجعة ناقصة دون سبر أغوار هذه التجربة ومدى التصاقها مع المنطلقات الفكرية لها للتجديد الفكري، وكذلك للتغيير في الأساليب وفي الاشخاص أيضا.

حركة فتح اليوم لا تحتاج الى مراجعة تجاربها المختلفة والمتعددة أو علاقتها مع السلطة الحاكمة فقط، بل ايضا الى مراجعة لمنطلقاتها الفكرية من أجل خلق انسجام ما بينها “المنطلقات الفكرية” وما بين برنامجها السياسي، عجزت عن القيام به في المؤتمر السادس للحركة عام 2009 ، من ناحية، ونظرة الحركة للمجتمع الذي تريده وفقا لأهدافها “بناء المجتمع التقدمي” من ناحية ثانية.

صحيح ان الصراع مع الاحتلال على الارض باعتباره التناقض الرئيسي لكن المنافسة مع الاحزاب السياسية والحركات الاجتماعية، خاصة الاسلاماوية، هي على هوية المجتمع وطريقة عيشه وسلوكه والنظام الاجتماعي الناظم له، وهي بكل تأكيد تمثل التناقض الثانوي. وفي ظني لم تقم الجموع الثورية على مداد اكثر من خمسين عاما لتجد مجتمعا بهوية لا تمثله أو ترفضه.

لا يقصد الكاتب هنا التقليل من اي حركة احتجاجية تنتهج الطرق السليمة الداخلية بل يعتبرها من ضمن الارهاصات اللازمة لبدء نقاش معمق للمراجعة في حركة فتح، كضرورة وطنية وليست حركية فقط، تحتاجه الحركة لإعادة النظر والتجديد باعتبارها التنظيم السياسي الاكبر والأهم والقائد للحركة الوطنية.

جهاد حرب يكتب لـ وطن: نميمة البلد “تجديد فتح 2”

خلق الانسجام مابين البرنامج السياسي لحركة فتح والمنطلقات الفكرية للحركة، التي تتمثل بالمبادئ والأسلوب والأهداف، يتطلب مراجعة فكرية عميقة لوقف الانفصام ما بين القواعد الفكرية للحركة والمشروع السياسي الفلسطيني المتبنى في مؤسسات حركة فتح المتمثلة بالمجلس الثوري للحركة، وتوحيد الرؤى لقياداتها وكوادرها في المشروع السياسي للحركة. وكذلك الانسجام مع المشروع السياسي المعتمد من قبل المؤسسات الرسمية للشعب الفلسطيني المتمثلة بالمجلس الوطني الفلسطيني.

والانسجام هنا مع التطور التاريخي للفكر السياسي الفلسطيني الذي تم اعتماده في المجلس الوطني التاسع عشر المنعقد في الجزائر الذي اعتمد خيار حل الدولتين في الوطن الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية على الاراضي المحتلة عام 1967، والمكرس في إعلان وثيقة الاستقلال في الخامس عشر من نوفمبر عام 1988. وهو تطور وضع الفلسطينيين جميعا في اتون “خصام” مع إرثهم الفكري، وامام تحدٍ للتكيف مع المستقبل.

أحدث انخراط حركة فتح عبر منظمة التحرير الفلسطينية في “عملية السلام” تحولا هاما في البنية الفكرية والخطاب السياسي لحركة فتح ومواقفها من الصراع مع إسرائيل بمستوياته المختلفة؛ حيث اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها حركة فتح بقرارات الأمم المتحدة 242 و338 و194 وبحق إسرائيل في الوجود ونبذت العنف والمطالبة بإقامة دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. في حين بقيت مبادئ الحركة وأهدافها المنصوص عليها في النظام الأساسي للحركة (المتبناة منذ نشأة حركة فتح عام 1958)، والداعية إلى تصفية الكيان الصهيوني وتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، واعتبار الكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، كما هي دون تغيير.

منذ تلك اللحظة تتصارع في حركة فتح ثلاث وجهات نظر بشأن مسألة تعديل المبادئ والأهداف والأسلوب المذكورة في النظام الأساسي للحركة: الأولى تعارض من حيث المبدأ إجراء أي تعديل على المبادئ والأهداف والأسلوب. والثانية تدعو إلى التريث والتروي، وربط إجراء هذه التعديلات بالسلوك الإسرائيلي. والثالثة تعتقد بأنه يجب إجراء تعديلات وتغييرات في هذه النصوص كي تنسجم مع الخطوات والمواقف والبرامج السياسية التي صدرت عن حركة فتح بعد بدء عملية السلام العام 1991.

بكل تأكيد هذا المقال بطبيعته غير قادر على تقديم مقترحات أو تعديلات محددة للمنطلقات الفكرية لحركة فتح بقدر ما يدعو الى مراجعة “تجديد” تأخذ بعين الاعتبار التحولات السياسية والفكرية للحركة والمؤسسات الفلسطينية، فلا يمكن الدفاع عن المشروع الوطني “اقامة دولة فلسطينية في الاراضي المحتلة عام 1967″، واحترام القرارات الدولية الخاصة بفلسطين، دون تأصيل فكري يمنع أو يحد من الخلاف الجوهري في الاهداف مع الابقاء على الاختلاف على الوسائل لمقاومة الاحتلال. هذا الامر يحفظ للحركة وضوح الرؤيا، ويضع لغة خطاب موحد للحركة قادر على تقديم رسالة واضحة دونها تفقد الحركة حماسة ابنائها والتفاف جماهيرها.

تنويه: مقال نميمة البلد في رمضان الحالي مخصص للنقاش والمراجعة في قضايا حركية؛ ليس تغييبا للتعليق على أحداث هامة كجولة الحوار الفلسطيني الجديدة، أو الذكرى التاسعة للانقسام، أو عملية تل ابيب، أو الاعتداء على هيبة السلطة وتعاطي السلطة معها، وتقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، وغيرها من احداث. أو تخفيفا من النميمة في الشهر الفضيل.

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version