المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

مسلسلات رمضان: كثير من النمطية وقليل من الإدهاش

بقلم: مهند عبد الحميد

وفرة غير مسبوقة من مسلسلات الدراما التي يشارك فيها نجوم ونجمات الفن الأكثر أهمية والأقل أهمية وما بينهما. حوالي 100مسلسل بينها 70 مسلسلا مصريا قيد العرض في رمضان 2016، وكأن الوسط الفني في سباق محموم مع الانتاج. بدأ انهمار العروض في اليوم الأول من رمضان والكثير من المسلسلات لم تنجز كل حلقاتها، واستمر تصوير ما تبقى من حلقات بالترافق مع العروض، وما يعنيه ذلك من حضور السوق بأي حال من الأحوال، حتى لو كان ذلك على حساب المستوى الفني.
وللوكالات الاعلانية حضور احتل مساحات كبيرة من الزمن المخصص للعرض، فلا يكاد المسلسل يبدأ حتى يتعرض المشاهد لألوان من الدعاية التجارية، التي يتكرر حضورها بعد كل 5 دقائق. والمسلسل الذي يستغرق عرضه 20 دقيقة، يتخلله من 20 – 30 دقيقة دعاية. ما أدى ويؤدي الى تشويش وتشتتيت انتباه المشاهدين. وقلما يوفق منتجو الدعاية في تقديم دعايات بمستوى فني وبأفكار جاذبة، وقد أصبح التفاوض بين المنتجين والوكالات الاعلانية على موعد بث المسلسلات مهما للغاية. غير أن التسليع ذهب الى مداه بحثا عن رفع منسوب الربح والشهرة على حساب الذائقة والمستوى الفني والقيم الانسانية.
اما رسالة ومضمون المسلسلات، فمن المفترض أن يكون لها علاقة بالواقع وأسئلته وأولوياته. خلافا لذلك فقد توزعت المسلسلات على اقتباسات تصل الى مستوى النقل عن مسلسلات أجنبية دون إشارة الى ذلك، ما أدى إلى رفع دعاوي قضائية ضد منتجين ومخرجين. وأعمال تقدم التراث من وجهة نظر محافظة ومنغلقة وذكورية. وأعمال تعالج مشاكل وأمراض نفسية. وقليلة أو نادرة هي المسلسلات التي حاولت الاقتراب من قضايا راهنة كالحرية الفردية والجمعية والتطرف الديني والتكفير واللاجئين والديمقراطية وقضايا المرأة والاوضاع الاقتصادية المتردية والبطالة، هذه القضايا الكبرى لا تطرق رغم انها تمس السواد الاعظم من الناس، وتستدعي طرح رؤى سياسية وانحيازات اجتماعية وتساؤلات حول التنوير والثقافة المنفتحة على الثقافات الانسانية. لا تطرق لانها لا تشكل أولوية للمولين وشركاتهم التي تحتكر تقريبا سوق الانتاج الفني. في الوقت الذي أفل انتاج القطاع العام الذي كان يسمح بمبادرات ونتاجات تنويرية منافسة للقطاع الخاص. ويمكن القول انه منذ أن سيطر القطاع الخاص على الانتاج الفني تراجعت معالجات القضايا العامة من وجهة نظر تعزز التغيير والتطوير إلى مستوى كبير، وتراجع معها المستوى الجمالي والذوق الرفيع. نحن نشهد مرحلة انهيار القيم وتصدر التنفيعات والمصالح الخاصة، نشهد انهيار المواطنة الافتراضية والانتماء للوطن الافتراضي.
في هذا الموسم لم يحتل مسلسل واحد مركز الصدارة بمضمونه وبمستوى امتاعه الفني للفئة المتنورة من المشاهدين، وبقيت مشاهدة المسلسلات نسبية وتعتمد على اداء الممثلين والممثلات. لأول مرة لم تجد الفئة المتنورة مسلسلها المفضل. ومضت تنتقل من مسلسل إلى آخر وبخاصة أثناء هجوم الدعايات المباغت، والبعض امتنع عن مشاهدة أي مسلسل احتجاجا على المستوى الهابط والمثير للسخط.
نموذج «باب الحارة» الدراما الاجتماعية السورية التي تتواصل منذ عشر سنوات. مسلسل قدم في أجزائه سطوة المجتمع الذكوري، والطاعة العمياء في إطار تقسيم عمل بين من يقرر ومن ينفذ، هيمنة مطلقة للزعيم الذي بيده الحل والربط،، وخضوع المرأة المهين الذي يحدث برضاها، فهي تُزوّج وتُطّلق وتعنّف وتُحبس، وليس لها غير استرضاء السلطة الذكورية وتلبية مطالبها. الحارة تتوحد بعيدا عن التمايز ونوازع الصراع بين مكوناتها، فالشر يأتي من الاغراب، والمقاومة هي اشبه بطقس منعزل، وتفوز المقاومة على الانتدابين بضربة معلم. المسلسل في حلقاته السابقة مَوَّه عناصر التخلف العتيقة، بالمقاومة والتضامن والتكافل الاجتماعي. باب الحارة عزل حارة الضبع عن المدينة العريقة، وعن المجتمع ، وفصل كل الاحداث عن السياق الاجتماعي الثقافي، وعن حداثة ذلك الزمان، كالتعليم والصحف والسيارة والمذياع وسكة الحديد، واستبعد دور رجال الفكر أمثال الكواكبي والزهاوي وخالد العظم، وصالون ثريا الحافظ النسائي الادبي ومسرح خيال الظل وكركوز وعيواظ. ابتعد باب الحارة عن الحراك السياسي الاجتماعي الفكري القائم وأخذ بعناصر التخلف، إنها انتقائية مريبة. المسلسل في جزئه الثامن يستبدل الشخصيات وأدوارها بدون سياق. ويدخل تعديلا في مكانة المرأة، من التهميش والتبعية الى الشراكة دون ان يكون في الاجزاء السابقة مقدمات لتلك النقلة، بل حرص على تجاهل تلك المقدمات السابقة. ويتحدث المسلسل عن الرجعية الدينية لمصلحة الاعتدال الديني. ويحاول ان يفتح الحارة على الاحياء وعلى المجتمع السوري. تعديلات يغلب عليها التصنع كونها بلا سياق، وجاءت تحت وطأة النقد الذي قلل من شعبية المسلسل، والبيئة الشامية المدهشة وسحر «الحريم». والتعديلات الايجابية من جهة أخرى، تطرح سؤالا من نوع، كيف للمشاهدين الذين أيدوا تبعية النساء والسلطة الأبوية وقبضاياتها وانعزال الحارة عن محيطها، الانتقال الى سياسات نقيضة؟ لم تقنع هذه النقلة البراغماتية الكثيرين، ما دفع البعض الى دعوة ابو بكر البغدادي – زعيم داعش- إلى دخول الحارة كي يتنسى قصفها والخلاص من الحارة وداعش معا، جاء ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي. ويأتي مسلسل «ونوس» بطولة يحيى الفخراني الذي حافظ على تألقه بمستوى فني استطاع تقديم مبررات جعلته جديرا بالمشاهدة لانه خرج من النمطية واشتمل عناصر التشويق والأداء المميز. كسر الفخراني حاجز التوقع بالعودة الى الحياة المعاصرة في المدينة، ويدخل المشاهد في حالة من الحيرة وغموض الهوية ويقترب من الحس الإنساني بطريقة غير مألوفة.. فالطابع الإنساني في المسلسل عميق ولا يمكن اكتشاف دوافعه إلا من خلال مجهول يدفع المشاهد للتساؤل كل لحظة هن هوية ونوس وكيف يؤثر في الآخرين بتصرفاته المريبة والمدهشة.
ويدخل المشاهد في دائرة التوقع، حول هوية ونوس هل هو الشيطان فعلاً، أم أنه جندي من جنوده، وما هي دوافعه للقيام بهذه التصرفات
ومسلسل « سقوط حر « بطولة نيللي كريم، التي أدخلت المشاهد في مشاعر وأحاسيس مختلفة من خلال عرض المشاكل النفسية بدون مواربة. مسلسل امتلك جرأة البحث عن الضعف الانساني واستخراج تفاصيله من الاعماق وصولا الى السقوط الحر بمعزل عن تدخل المجتمع والناس. عمل فيه بوح وجرأة وأسئلة تلح على المشاهد التواصل ، وما يجعل ذلك ممكنا هو قدرات نيللي التي تقدم لنا الجديد في كل عام وتدهشنا.
Mohanned_t@yahoo.com

Exit mobile version