الاتفاق الاستراتيجي التركي الإسـرائيلي

بقلم: حمادة يوسف فراعنة

فعلاً “ تمخض الجبل فولد فأراً “ كما يُقال ، وينطبق ذلك على الاتفاق التركي الإسرائيلي من وجهة نظر ناقديه ، من الفلسطينيين والعرب وحتى من بعض المسلمين ، وحقيقة هو ليس فأراً بل هو مساهمة ملموسة لصالح أهالي قطاع غزة المحاصرين الذين لا رافعة فلسطينية أو عربية إو إسلامية أو دولية لهم ، تجعل من الحصار الإسرائيلي الظالم المفروض عليهم بمثابة جريمة أمام المجتمع الدولي لمعاقبة المجرم الإسرائيلي الذي يفرض الحصار ، وهي جريمة بكل المعايير السياسية والقانونية والاخلاقية ، ولكن الحصار ومن يفرضه بدلاً من توجيه الادانة له ، يجد التفهم الدولي حفاظاً على أمن المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي .

لقد تم خطف قطاع غزة ، منذ الانقلاب الاسود الذي نفذته حركة حماس الاخوانية ، وأطلقت عليه “ الحسم العسكري “ في حزيران 2006، وفشلت حركة فتح في إحباط الانقلاب ومواجهته ، وأخفقت القيادة الفلسطينية طوال تسع سنوات من استعادة قطاع غزة باعتباره جزءاً من مسؤولياتها ، ولأن المحافظات الجنوبية جزءاً من مشروع الدولة المنشودة التي اعترفت الامم المتحدة يوم 29/11/2012 ، على أنها أراضي الدولة الفلسطينية ، وتم التعامل مع هذه المعطيات كأمر واقع مفروض .

السلطة الفلسطينية في رام الله تقع تحت سلطة الاحتلال الاجنبي الاستعماري ، ومرتبطة معه باتفاق التنسيق الامني الذي يمنع عنها ممارسة أي فعل كفاحي ضد الاحتلال بهدف تقويضه وجعله مكلفاً حتى يرحل ، وسلطة حماس في غزة تقود منفردة القطاع وتفرض عليه قوانينها وإجراءاتها ورؤيتها الحزبية الايديولوجية ، وتوصلت إلى اتفاقات وتفاهمات مماثلة مع سلطات الاحتلال الاجنبي الاستعماري الإسرائيلي ، من خلف ظهر الرئيس الشرعي والمنتخب ، وبدون التنسيق مع رام الله أو حتى مشاورتها ، فالتفاهمات والتهدئة التي تم التوصل إليها في أعقاب ثلاثة حروب شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة ، في 2008 و 2012 و 2014 ، لم يكن أبداً يستهدف إسقاط سلطة حماس أو تقويضها ، بل سعى للحفاظ عليها وإبقاء سلطتها ، ولكنه هدف إلى تقليم أظافرها وخلع أنيابها ، وجعلها غير قادرة على ممارسة الفعل الكفاحي ضد الاحتلال ، وضد أي عمل عسكري ينطلق من قطاع غزة ضد مناطق الاحتلال الاولى عام 1948 ، ولذلك تم التوصل إلى التفاهمات وإتفاق التهدئة عبر وساطة القاهرة ، وتم توقيعه في 21/11/2012 في عهد الرئيس محمد مرسي ، وتم تجديده يوم 26/8/2014 في عهد الرئيس السيسي .

ومنذ الانقلاب التوصل إلى تفاهمات القاهرة في عهد الرئيس مرسي عام 2012 ، واتفاق التهدئة في عهد الرئيس السيسي عام 2014 ، فشلت حركة حماس في تحقيق غرضين :

أولهما : الحفاظ على دورها ومكانتها كفصيل كفاحي وجه ضربات موجعة للعدو الإسرائيلي أرغمت شارون على ترك قطاع غزة وإزالة المستوطنات وقواعد جيش الاحتلال عام 2005 ، ودفعت غالبية أهالي قطاع غزة والضفة للانحياز لها ، والتصويت لصالحها في الانتخابات التشريعية في شهر كانون ثاني 2006 ، وحصولها على الاغلبية البرلمانية بواقع 75 مقعداً أهلها لتشكيل حكومة حزبية منفردة برئاسة إسماعيل هنية ، في مواجهة حركة فتح التي حصلت على 45 مقعداً فقط .

وثانيهما : إخفاقها منذ توليها للسلطة منفردة في قطاع غزة في تقديم نموذج فلسطيني يُحتذى للفلسطينيين ، لا انتخابات بلدية ولا نقابية ولا مجالس طلبة الجامعة ، ولا حرية صحافة ولا حرية تظاهر ورفض أي مظهر من مظاهر التعبير عن الرأي ، وهكذا قدمت نموذجاً مذلاً للشعب الفلسطيني ، ونموذجاً مماثلاً لأحزاب وإدارات حسني مبارك ، ولجان معمر القذافي الثورية ، وزين العابدين بن علي ، وغيرهم من الاحزاب المتسلطة الاحادية التي لا تقبل بالآخر ، ولا تقر بالتعددية ، ولا تستجيب لقيم تداول السلطة ، وعدم الاحتكام لصناديق الاقتراع .

أهالي غزة محاصرون ، وحركة حماس الاخوانية التي تنظر إلى تطورات الاحداث وفق مصالحها الحزبية وعليه لم يتردد د . أحمد يوسف وهو أكثر رموز حركة حماس انفتاحا وموضوعية في النظر إلى الاتفاق التركي الإسرائيلي باعتباره إنجازاً يقدم لأهالي غزة بصيصاً من الامل وقليلاً من الحياة فيقول 1- “ إن الاتفاق أبعد شبح الحرب عن القطاع ، في ظل العلاقات والترتيبات الامنية بين الطرفين “ بين أنقرة وتل أبيب ، و 2- الاتفاق تحدث عن “ الاشكاليات المتعلقة بالكهرباء والمياه وعجز المستشفيات عن استيعاب الحالات المرضية والخط التجاري بين تركيا وغزة ، فضلاً عن المنشآت السكنية وتفعيل المنطقة الصناعية المتعطلة ، باعتبارها قضايا تحمل صفة الاولوية بالنسبة للقطاع “ ، وهو يتفهم موقف تركيا لأنه “ فوق الشبهات “ على حد وصفه ، ولذلك يُقدر القيادي الحمساوي موقف تركيا بقوله “ تركيا لم تستطع إنجاز مطلب رفع الحصار عن قطاع غزة ، مما دفعها للتراجع عن هذا الشرط ، مقابل بذل الجهود الحثيثة لتقديم كل ما يلزم من أجل تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين في قطاع غزة “ .

حركة حماس من جهتها أكدت في بيان أصدرته يوم 28/6 “ تمسكها بمواقفها المبدئية تجاه الاحتلال الإسرائيلي وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال وتحقيق الحقوق الوطنية “ وهي “ تتطلع إلى مواصلة تركيا لدورها في دعم القضية الفلسطينية ، وإنهاء الحصار كاملاً عن قطاع غزة ، والضغط على الاحتلال لوقف إعتداءاته على الشعب وعلى الارض الفلسطينية “ .

بينما أكدت حركة الجهاد الإسلامي “ رفضها التطبيع مع العدو الصهيوني من قبل أي طرف عربي أو إسلامي تحت أي مبرر أو ذريعة “ وبمعزل عن أي إتفاق ، فهي “ ترحب بأي جهود عربية أو إسلامية لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني ، وإنهاء الحصار عن قطاع غزة بالكامل “ .

من جهتها إعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن “ الاتفاق يدشن تطوراً في التعاون الإستراتيجي التركي الإسرائيلي ، المستمر منذ قيام الكيان الصهيوني المحتل “

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version