المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

فتحويات (4): فتح تصنع الحدث و تترك لغيرها التعليق

ليس من باب الدفاع عن حركة فتح، فهي لا تحتاج لمن يدافع عنها، فتاريخها، وحاضرها، وعمقها، ومكانتها المعروفة بين بني شعبها، لكل ذي عقل وذاكرة، كفيلة بذلك.

لكن العجب كل العجب من إصرار بعض الفلسطينين من أبناء الفصائل، أو غيرهم، على وصفها ووصف م ت ف بما لا يليق ولا يتناسب مع أدب المعارضة، وجوهر الإختلاف المفيد.

لم أكتب هذه الكلمات لأسرد بعضا مما قالوه أو يقولوه بحقها، لكن لأقول لهؤلاء وأمثالهم ممن يدعون المقاومة أن التذرع بالسلطة الفلسطينية، والأمن الوطني لوقف عمليات المقاومة المسلحة ما هو إلا لذر الرماد في العيون، ولتضليل الشارع الفلسطيني. لكن هيهات فهذا الشارع لا يضلل ولا يستغفل أبدا، كما قال عنه زعيمنا الشهيد بإذن الله تعالى ياسر عرفات (هذا الشعب أكبر من قيادته) فمن أراد المقاومة فعلا فعلها دون أن ينتظر ترخيصا من أحد أو يحسب حسابا لأحد، تماما كما فعلت فتح بينما كان الجميع مشغولون بحساباتهم الأخرى، فكيف يحسب من أراد الخروج لمواجهة الصهاينة حسابا لغيره ؟! أم أن الصهاينة سيستقبلوه بالورد بينما سيستقبله الأمن الوطني بالرصاص؟!، وهل يعتقدون فعلا بأن الفلسطيني سيقتل أخيه إذا ما أراد قتل الصهاينة ؟!

وكتبت لأسئلهم، لماذا لا يشاركون بقية شعبهم في كل أشكال المقاومة الأخرى مثل الإشتباكات الإسبوعية مع قوات الإحتلال بالقرب من جدار الفصل العنصري في بعلين والشيخ جراح والنبي صالح، وغيرها من تلك المواقع ؟! لماذا لا نراهم يتواجدون بكثافة في فعاليات دعم الأسرى وقرى الصمود ؟!، ألا يعلمون أن هذه الحراكات وغيرها كالتي في القدس الشريف تديرها وتدعو لها وتقوم عليها حركة فتح، يشاركها الكثير من الشباب الفلسطيني، والمتضامنون من كل أنحاء العالم.

إن العودة للتاريخ قليلا مفيدة جدا هنا فكما نذكر جميعا، ففتح عندما أطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، إتهمها البعض حينها بالجنون والعمالة، وأنها أداة للصهيونية !!، وتسعى لتدمير التحضيرات العربية لتحرير فلسطين، ولجر العرب والمسلمين لما هم غير جاهزين له بعد !.

المفارقة الغريبة هنا أننا اليوم نجد أن بني الأمس من مستوردي الأفكار الغريبة على مجتمعاتنا وديننا ومشوهي الدين الحنيف هم نفسهم من يتهمونها اليوم بالتنازل والتفريط والتآمر والخيانة !. علما بأنهم جميعا يعيشون تحت مظلة (أوسلو) ويستفيدون منها ماليا وأمنيا، ويشكلون جزءا رئيسيا من نظام سياسي نتج عن (أوسلو) !. ولكن هذا ديدنهم المعهود.

القاريء الجيد للتاريخ يعرف تماما كيف كانوا يوافقون على كل قرارات المجلس الوطني سرا، ومن ثم يخرجون بعد أيام للشارع لينددون بها ويخونون القيادة، وكيف كان وزنهم الجماهيري قليلا جدا. تماما كما هو اليوم إن لم يكن أسوأ، لأن مواقفهم هذه لا تعكس جوهرهم بل تهدف لتضليل الجماهير في محاولة لكسب ما ينقصهم من وزن، غافلين أن هذه الجماهير لا تحب إلا الصادق معها. فهذا سبب رئيس من مئات الأسباب التي جعلت من فتح محط أفئدة الغالبية الفلسطينية، وأملها بالدولة المستقلة والعودة،

بالإضافة لأنها إبتعدت عن كل المهاترات الفكرية التي دخلها هؤلاء،ولم تقبل يوما أن تكون مثلهم فتضع قرارها بيد غيرها، كما أنها لم تنتبه لهم كثيرا فسارت وسار الشعب معها فإضطروا مجبرين للحاق بها والإستفادة من منجزاتها. لكنهم قرروا أن يعبروا عن حنقهم وغيظهم منها بالإساءة لها على شاشات التلفاز وصفحات الصحف كالمعتاد، كأن يجلس مثلا عضو في المجلس التشريعي الذي نتج عن (أوسلو) ليشتم (أوسلو) ومن وقعه !!، أو أن يخرج أحد الراقصين والدابكين فرحا لإعلان الإستقلال عام 1988 ليخون فتح والقيادة لقبلولهم بمرحلية الصراع !، ألا يعلم هؤلاء أن غالبية الشعب تعلم كذبهم ونفاقهم وتملقهم للشارع الفلسطيني .

الخلاصة أن فتح هي صانعة المشروع الوطني، والهوية الوطنية الفلسطينية المستقلة، والحدث الفلسطيني، فعندما قررت الكفاح المسلح رفضه هؤلاء وحاربوه، ومن ثم تبعوه، وحاولوا المزاودة عليها فيه، ولم يستطيعوا ذلك.

وعندما قررت أن تخوض تجربة السلام حاربوها وشوهوها بعد أن وافقوا عليها، وإستفادوا من كل نقطة في إتفاق (أوسلو)، وما تبعه من تفاهمات، وها هي فتح بدأت تنفض يدها من السلام رويدا رويدا بحكمة كبيرة لمراعاة مصالح القضية والشعب، فبدؤوا يحاربونها ويحاولون تشويهها كعادتهم. لكن في النهاية سيلحقون بركبها مع حفاظهم على مظاهر الممانعة أو المعارضة المعتادة !

لا زال المسلسل مستمرا فها هي فتح قررت إنتشال حركة حماس من واقعها السيء والمنذر بالإنهيار من خلال إتفاق المصالحة الأخير والمعروف بإتفاق الشاطيء. وفضلت كعادتها المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ولم تكتفي بالنظر لحماس تغرق شيئا فشيئا (لعل مذكرة الغنوشي التي أغضبت قادة الإخوان ومنهم أردوغان تثبت أن حماس كانت على شفا حفرة من الإنهيار) بل سارعت بالذهاب لمساعدتها، ولو على حسابها.

علما بأن حماس عطلت المصالحة مرارا، ولكن هذه المساعدة تعني لفتح مساعدة الشعب الفلسطيني، وقضيتنا الوطنية، ومع ذلك بدأنا نسمع من البعض هنا وهناك أنهم إعتبروها مصلحة فتحوية صرفة!، ألا يتعلم هؤلاء من التاريخ أن المصلحة الفتحوية هي ذاتها المصلحة العامة الفلسطينية ؟!

كما بدأنا نسمعهم يشككون بالمصالحة وأهدافها وخباياها، والأنكى من ذلك أن بعضهم ذهب ليقول أنها مصلحة (إسرائيلية)!. غافلين عن أن إنهاء حالة الإنقسام مصلحة وطنية عليا تفوق كل الإعتبارات الأخرى أهمية، أو لعلهم ليسوا بالغافلين وإنما غير معتادين على النظر للمصلحة الوطنية على أنها أولوية قصوى كما تنظر إليها فتح.

هذه هي فتح وستبقى كما هي لن تحيد عن تناقضها الرئيسي مع الإحتلال الصهيوني، وسيبقى هؤلاء كما كانوا دائما يعيشون على فتات معارضتها، وعلى داعميهم بهدف معارضتها للسيطرة على القرار الفلسطيني.

وأخيرا كل التحية لفتح الأبية؛ صانعة الهوية، والثورة، والعودة، والدولة.

علاء أبو النادي فلسطيني في الشتات.

فتحويات (3): المبدأ الفتحوي الثاني

Exit mobile version