تجربة الهند الرائدة

بقلم: عمر حلمي الغول

تجربة كفاح الشعب الهندي بكل تلاوينه ومكوناته الدينية والعرقية والفكرية السياسية والثقافية، تجربة رائدة ومميزة، تستحق التقدير والثناء، ليس على صعيد التعددية والانصهار في بوتقة الشعب والوطن الهندي فقط على اهميتها، بل على نهوض الهند العظيم من قاع التخلف والتبعية للسوق الرأسمالية الغربية إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة، وتبوؤها مقعدا مهما في ركب دول العالم اجمع.
في الذكرى السبعين لاستقلال جمهورية الهند، الذي صادف امس الخامس عشر من آب، لا يملك المرء سوى الانحناء لتفوق الشعب الهندي على الكم الهائل من الازمات والتعقيدات الداخلية والخارجية، والعمل على الاستغلال الامثل لطاقات وكفاءات ابناء الشعب الهندي في مجالات البناء المختلفة. وعملت على مواكبة التطور العاصف في ثورة الاتصالات والمعلومات، والتكنولوجيا “الهاي تيك”. ولم يشكل الازدياد الكبير في عدد السكان، الذي بلغ نحو مليار نسمة اية عقبة في طريق التطور بل العكس صحيح، حيث تمكنت القيادات الهندية من مختلف المشارب والاتجاهات من استثمار النمو المتعاظم للسكان بطريقة إبداعية، سمحت لها بنقل الدولة الثانية في عدد السكان في العالم بعد الصين إلى مراحل نوعية متقدمة.
وللهند مع فلسطين علاقات وطيدة وعميقة عمق إستقلال الهند في الربع الاخير من عام 1947، وتحديدا بعد الاستقلال ونشوء منظمة عدم الانحياز عام 1955، التي شكلت الهند بقيادة الرئيس جواهر لال نهرو احد اركانها الاساسية الثلاثة جنبا إلى جنب مع الرئيس الخالد جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة، ورائد القومية العربية والرئيس جوزيف بروز تيتو، رئيس يوغسلافا السابقة. وتعززت علاقات الصداقة بين الشعبين والقيادتين بعد انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة 1965، وبقيت تسير في خط بياني صاعد. ولم تتراجع حكومات الهند المتعاقبة عن الوقوف الى جانب فلسطين في كل المحافل والمنابر الاقليمية والاممية. بل واصلت الدعم غير المشروط. وتقوم حتى الآن بمد يد العون لقيادة منظمة التحرير وحكومة السلطة الوطنية من خلال الاسهام ببناء المدارس والمعاهد، فضلا عن المنح الدراسية والتدريبية، ووفق الاحصائيات الهندية فقد تخرج خمسة عشر الف طالب فلسطيني من الجامعات الهندية، وتم تدريب وتأهيل ما يقرب من الـ800 موظف بعد إقامة السلطة الوطنية. والاهم ان تجربة الهند الرائدة في الكفاح الشعبي السلمي، تحتل مكانا اساسيا في التجربة الفلسطينية منذ إقامة السلطة الوطنية، حيث رفعت القيادة خاصة الرئيس محمود عباس راية التجربة الغاندية، التي قادها الزعيم الهندي العظيم غاندي ضد الاستعمار الانجليزي. لأن اسلوب الكفاح الشعبي السلمي شكل رافعة مهمة لنضال شعوب وحركات التحرر العالمية بعد نجاحها في الهند.
من المؤكد ان التجربة الهندية ليست التجربة الفلسطينية، والبريطانيون ليسوا الاسرائيليين، رغم انهم اعتبروا الهند جزءا من الامبراطورية البريطانية زمن استعمارها من القرن التاسع عشر وحتى تقريبا منتصف القرن العشرين. لكنهم لم يطرحوا ولا في اي لحظة من اللحظات انهم البديل للشعب الهندي، ولم ينادوا بطرد وتهجير الهنود من وطنهم الام، ولم ينسجوا رواية كاذبة كالحركة الصهيونية. رغم ذلك تشكل التجربة الهندية نبراسا للكفاح التحرري الوطني والعالمي على حد سواء.
لكن ونحن نؤكد متانة العلاقات الثنائية المشتركة بين القيادتين الفلسطينية والهندية، فإن الضرورة تملي علينا التنبه للتطورات الجارية في علاقات الهند مع دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، وحجم التعاون الثنائي بينهما خاصة في ميدان صناعة الهاي تيك والاسلحة، التي تتضاعف بشكل متواصل ومطرد. وسيكون لها تأثير غير ايجابي على العلاقات الفلسطينية الهندية، لاسيما ان بعض القيادات الهندية اعلنت عن التحول في مواقفها تجاه مسألة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، واكدت ان تصويتها في المنابر الاممية، لن يكون تصويتا اوتوماتيكيا لصالح فلسطين. الامر الذي يفرض العمل على قطع الطريق على اية خطوات سلبية تؤثر على عمق العلاقات الثنائية المشتركة، ومحاولة حث الاشقاء العرب على تعزيز علاقاتهم بالهند لتعويضها عن العلاقة مع دولة إسرائيل الاستعمارية. هناك حرب حقيقية على الجبهة الهندية، تتطلب من الفلسطينيين والعرب إيلاء شبة القارة الهندية الاهمية، التي تستحق، كي تبقى الهند القطب المهم في جنوب شرق آسيا والعالم ككل حليفا إستراتيجيا للفلسطينيين. كل عام والهند شعبا وحكومة ورئاسة بخير.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version