المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

إسرائيل والسلام الإقليمي!

بقلم: ناجي صادق شراب

إسرائيل هي الوحيدة المستفيدة من ثورة التحولات العربية ، وما ترتب عليها من تداعيات بنيوية في منظومة القوة العربية ، وتراجع واضح في قوة النظام الإقليمي العربي ، والذي بات أكثر استهدافا وتغلغلا من قبل القوى الاقليمية والدولية مقارنة بما قبل ذلك .ومظاهر الإستفادة التي حققتها إسرائيل بدون أن تدفع ثمنا سياسيا أو عسكريا كثيره منها نذكر: انحسار دور الدولة القائد او الدولة المحورية مما أفسح المجال معه لبروز دور القوى الأخرى الساعية للعب دور الدولة المحورية وخصوصا إسرائيل.
وثانيا: تبدل التصورات والمدركات السياسية الحاكمة لمنظومة الأمن القومي العربي وهنا تبرز أولوية الأمن الوطني على القومي ، وتبدل النظر لمفهوم الدولة العدو، والذي معه لم تعد إسرائيل الدولة العدو الأولى ، بل حلت مكانها تهديدات اخرى ، هناك من يرى إيران، وتركيا ، والحركات الإسلامية مثل الأخوان والفواعل من غير ذات الدول كحزب الله وحماس وداعش وغيرها، والإشكالية الكبرى هنا تباين مفهوم الدولة العدو الجامعة لكل الدول العربية.
وثالثا التفكك الذي تتعرض معه عدد من الدول العربية ليبيا السودان، واليمن ، العراق ، لبنان، وغيرها ، وهذا ما تسعى له إسرائيل.
إسرائيل تعيش على تفكيك وتجزئة الدول العربية على أسس طائفية مذهبية عرقية ، بهذا يختفي عنصر القومية الذي يقوم عليه مفهوم الدولة العربية .
ورابعا وهذا هو الأهم تراجع القوة العربية وانغماسها واستنفادها في حروب داخلية ، وضد حرب لا حدود لها وهي الحرب ضد الإرهاب والعنف، وهذه حرب تستنفد قوة الدول العربية العسكرية والإقتصادية والمالية ، وهكذا نرى لأول مرة دولا عربية تعاني من عجز في موازاناتها، وهذا ما تستفيد منه إسرائيل كدولة قوة، فدول القوة تقوم على إنهاك وإجهاض قوة الدول الأخرى المنافسة لها، وبذلك تضمن إسرائيل ان تبقى دولة القوة الوحيدة.
الأمثلة كثيرة غياب قوة الجيش العراقي ، والجيش السوري ، وانشغال الجيش المصري الأقوى في حرب الإرهاب في سيناء، والجيش السعودي ومعه جيوش عربية أخرى في اليمن.
المحصلة النهائية ضعف وتراجع في القوة العربية الشاملة يعمل لصالح إسرائيل التي ضمنت استبعاد خيار الحرب في علاقاتها بالدول العربية.
هذه التحولات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة انعكست كلها على القضية الفلسطينية التي لم تعد قضية أمن قومي عربي رقم واحد، والاستعداد العربي للقبول بإسرائيل دولة تنتمي للمنطقة استنادا للمبادرة العربية التي تمنح إسرائيل تصريحا بدخولها للمنظومة العربية بأكملها شريطة قبولها بقيام الدولة الفلسطينية أولا.
بل إن كثيرا من الدول العربية لم تنتظر قيام الدولة الفلسطينية وإنهاء الإحتلال، حتى تقيم درجات مختلفة من العلاقة مع إسرائيل، وخلاصة هذه التحولات ان إسرائيل قد أصبحت دولة معترف بها حتى ولم يأخذ هذا الإعتراف الشكل الدبلوماسي أو الرسمي .
في سياق هذه التحولات خرجت إسرائيل بالعديد من المكاسب الجيوسياسية ، وهذه المكاسب هي التي تفسر لنا ماهية السلوك السياسي الإسرائيلي في التعامل مع القضية الفلسطينية ، ومع مفهوم السلام الإقليمي ، والمبادرات التي تطرح وخصوصا المبادرة الفرنسية التي رفضتها إسرائيل منذ البداية. هذا السلوك يقوم على ركيزة أساسية وهي رفض المرجعية الدولية لتسوية القضية الفلسطينية ، القبول بالبعد الإقليمي العربي ،اي أن إسرائيل لا ترفض المبادرة العربية بالمطلق ولكنها تريد مبادرة عربية تتواكب والمعطيات السياسية الجديدة ، فالمبادرة العربية الأولى طرحت ما قبل ثورات التحول ، وقبل ما تشهده المنطقة من تفكك وانهيار وضعف للمنظومة العربية ، والمعادلة ببساطة تقوم على : إسرائيل قوية مقابل ضعف عربي وفلسطيني واضح، والمنتوج الذي تريده إسرائيل او الثمن ان يكون عربيا ، لأن الفلسطينيين لم يعودوا قادرين على دفع اي ثمن .
وبصيغة أخرى باتت إسرائيل مدركة أنها قادرة على فرض تصوراتها على الفلسطينيين الذين يعانون الإنقسام والتفكك.
ومفهوم السلام الإقليمي الذي تريده إسرائيل يقوم على ركائز أساسية : السلام الأمني ومحوره بناء نظام أمني إقليمي يكون لإسرائيل فيه دورا محوريا، والهدف من ذلك إعادة صياغة كل المفاهيم الأمنية القديمة واستبدالها بجديدة أساسها ان اسرائيل دولة قوة معترف بها، وثانيا استبدال الأمن الإقليمي مكان الأمن القومي العربي، الأخير أساسه فلسطين والقضية الفلسطينية ، والأول أساسه إسرائيل.وهذا يحتاج لمزيد من التفصيل.
والركيز الثانية :السلام الإقتصادي ،وفي هذا المحور تسعى إسرائيل ان تستفيد من القدرات المالية والإقتصادية الهائلة للمنطقة العربية بقيام المشاريع الإقتصادية المشتركة ،وفي الأسواق العربية الواسعة للمنتوجات الإسرائيلية.
وهنا ترى إسرائيل نفسها على انها الدولة الأكثر تقدما ، والدولة الأقوى صناعيا ، وخصوصا في مجال صناعة المعلومات وصناعة الأسلحة. واما المحور السياسي ويتمثل في قيام علاقات ديبلوماسية شاملة مع الدول العربية بالتبادل الدبلوماسي ، وفتح القنصليات في كافة الدول العربية. وبهذه المحاور الثلاث تتحول إسرائيل إلى دولة محورية ومعترف ومقبول بها كدولة كاملة لها ولشعبها.
وفي هذا الإطار الإقليمي يمكن إيجاد حلول إقليمية للعديد من القضايا التي لا يمكن ان تحل على المستوى الثنائي مع الفلسطينيين كقضية اللاجئين والقدس والحدود والمياه. في إطار هذا التصور تقبل إسرائيل بالمبادرات الإقليمية التي يمكن أن تحتضنها الدول العربية ، وفيها لن تخرج التسوية عن دولة فلسطينية محدودة غير قادرة على البقاء والإستمرارية إلا في إطار من الكونفدرالية الإقليمية الجديدة ، وهي بهذا إسرائيل لم تخسر شيئا ، ولم تتنازل إسرائيل عن محرماتها وثوابتها في الوقت الذي تكون فيه قد سقطت كل المحرمات الفلسطينية والعربية.

Exit mobile version