مضامين التعبئة الفكرية في الاخوان المسلمين وحماس مدرسة الفسطاطين

كتب، بكر أبو بكر، كاتب ومفكر عربي معني بالفكر وبشؤون الجماعات الاسلامية.
المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات

في الحلقات السابقة في مضامين التعبئة (1) الداخلية في الاخوان المسلمين وفصيل حماس الفلسطيني تحدثنا عن المظلومية ولعب دور الضحية ثم تحدثنا عن فكر المؤامرة عليهم مع إنكار الآخر ثم في الحلقة الثالثة من الحلقات العشر تحدثنا عن القداسة والولاءن وفي هذه الرابعة من 10 حلقات نتحدث عن الحصرية مقابل الإقصاء (مدرسة الفسطاطين) أو المعسكرين

تميزت “حماس”في فلسطين بإشاعتها جو من الاعتزاز بالذات إلى حد الكِبر ، وجو من التميز إلى حد دفع الآخر بعيدا ورفض المشاركة في أي من أطر (م.ت.ف) أوالسلطة إلا منفردة أو متسيّدة.

خاضت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة (فتح) حوارات طويلة مع حماس، وبرعاية الاخوان المسلمين في مصر، وفي السودان منذ عام 1996 وصولا الى غزة ثم حول العالم العربي لاحقا، أي منذ عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات إلا ان (التنظيم الرباني) والتنظيم المختلف عن غيره لم يكن مقبولا لدية أن يكون جزءا من (منظمة) علمانية كما يطلقون عليها، ليس لأنها كذلك أو غيره وإنما لأن الهدف هو السلطة والسيطرة بدليل موافقتهم لاحقا على الانضمام لها بشروطهم التي تعني أن السيطرة والتحكم هو الهدف الأسمى.
استنادا لصوابية الفكر (المطلق) الذي تحمله “حماس” وهو الفكر الذي يمزج مواضيع ثلاثة ذات دلالة فانه من المبرر منطقيا لديهم والمسوغ عقليا ان يتميزوا ويقصوا الآخرين.
الخلط القائم عن عمد بين مصالح الناس المتغيرة، والتعاطي معها، وبين ثوابت/قطعيات الدين في الحركات الاسلاموية هو أحد أهم وسائل مدها بالحياة بحيث لا يستطيع المسلم العادي البسيط إلا أن ينصاع نفسيا لمن يدعي الإسلام قولا وظاهرا فيتبنى مواقفه وآراءه على فرضية أن هذا من ذاك ، فهما واحد، أي أن (التنظيم الدعوى) هو قطعا مصيب (كتنظيم سياسي حزبي) لأن من يدعو إلى الله يبتغي الخير، فتنعكس المواقف لتصبح تأييدا قطيعيا هو ما ابتغته هذه الحركات ، وهو ما تكشف للناس عدم صدقه في مذابح حماس في قطاع غزة اثر انقلاب 2007 وفي استخدامها السلطة والأموال تماما كما يفعل غيرها فلا فرق بين ملتحى يبطش أو حليق ، ولا فرق بين من يخطب على المنبر ومن يرتاد الملاهي وكلاهما يمارس السرقة والتعذيب والكذب والفساد .
ان التجربة في غزة ولاحقا في مصر قد هزت بقوة مفهوم (الحصرية) أو (الاحتكار) للفكرة القطعية أو للحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والباطل للآخر المخالف أي كان.
ترتبط “الحصرية” بالإقصاء فما دمت أنا من يمتلك الحق أو الصواب الذي مرجعيته ربّانية، فان غيري ليس على المحجّة البيضاء التي يدعو لها الخطباء في غالب المساجد ليلها كنهارها ، ومن هنا بدلا من أن ينتشر التسامح والمحبة والاستيعاب والصفح والتقارب ما هو أبرز سمات المسلمين و الإسلام العظيم، برزت معركة “الفسطاطين” بين المسلمين أنفسهم، ليس حين الخلاف العقدي وإنما عند كل معركة سياسية فما دمت أنا في فسطاط الحق المبين فالمخالف في فسطاط الشيطان اللعين. (2)

وعن مصطلح “الفسطاطين” يقول د.عصام شاور متعجبا ومستهجنا في مدونته في 2/8/2008 (قرأت مقتطفات من خطاب النائب في التشريعي والقيادي البارز في حركة “حماس” الاستاذ فتحي حماد أمام الجماهير الغاضبة بسبب مجزرة الشاطئ ، وقد استخدم السيد حماد عبارات ومصطلحات جديدة على الخطاب الفلسطيني و يجب الانتباه لها ، حيث ذكر الابادة وقطع اليد وذكر كذلك انقسام الناس الى فسطاطين ، فسطاط الحق وفسطاط الباطل وغير ذلك من تعابير.) ليضيف ان ( تقسيم الناس الى فسطاطين يذكرنا بأقوال قادة تنظيم القاعدة الذين يكثرون من استخدام تلك التعابير التي لم ترد اصلا في القرآن الكريم ولا حتى في الصحيحين بهذا المعنى)

وليتابع بالقول (لا يمكن تقسيم أهل غزة الى فسطاطين ، فغالبيتهم مسلمون موحدون ، وكلهم جماعة واحدة لا يمكن تقسيمها…) (3)

لا تحتمل “حماس” المعارضة أو الرأي الآخر فأغلقت كافة المؤسسات التي لا تستجيب لها وأممت المساجد حتى من الجهاد الاسلامي والسلفيين لصالح خطباء حماس فقط، وشقّت المنظمات النقابية التي لم تستطع الاستيلاء عليها، وقتلت المخالفين بعد أن أفتى مفتوها بحِلّة الدم خاصة لأبناء الأجهزة الأمنية كما فعل مروان أبوراس وياسين الأسطل (4) ونزار ريان.
في شهر سبتمبر 2013 قال يونس الأسطل في خطبة الجمعة محرضا على قتل المتظاهرين السلميين :” من يخرج يوم 11/11 فليأتي بكفنه معه”، وهو من كان قد قال في العام 2007 محرضا على قتل المخالفين في غزة “ان بسطت يدك لي سأقطع عنقك” (5) في معارضة لقول عبد الملك بن مروان “سأقطع يدك”، وفي معارضة للآية القرآنية الكريمة (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) (المائدة 43)

لقد سقطت مضامين هذه التعبئة الداخلية ، وبانت للناس كالشمس بحيث أدركوا أن الربط بين (الديني) الثابت و(الحزبي) السياسي المتغير لا يستقيم، (6) وهو ما كرره الكاتب الاسلامي القريب من الاخوان فهمي هويدي في اشارة له في سياق دراستنا هذه، كما قدّر ذلك نادر بكار من قيادة السلفيين في مصر وغيرهم ، حيث أنه اثر ممارسات “الاسلامويين” السلبية المماثلة لغيرهم أو من سبقوهم في غزة ثم مصر، واثر توزيع الخارطة الحزبية على عشرات التنظيمات (الاسلاموية) لم يعد للاحتكار أو الحصرية أو فسطاط الحق أو الممانعة قوة الجذب السابقة.

الكاتب بكر أبو بكر

الحواشي

(1) التعبئة الداخلية هي عملية تهيئة وإدخال للأفكار المرجعية الممثبة لأعمدة البناء التربوي التثقيفي للجماعة ، في وعي ولا وعي الأعضاء والأنصار.

(2) قال الباحث الجزائري طيبي غماري في مؤتمر ‘الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي’ الذي انعقد في الدوحة ( في 28-29/9 /2-13) (ان الإسلاميين ‘عجزوا عن تطوير مشروع سياسي يتوجه الى المواطنين وليس فقط الى المؤمنين) مضيفا أنه (بدل ان يركزوا على ملفات التنمية اهتموا بموضوع الهوية وتغيير انماط المجتمعات التي حكموها فوجدوا انفسهم يدورون في حلقة مفرغة وتدهور الامن والاقتصاد) ويقول المفكر الاسلامي عبد الحميد الأنصاري (لقد أثبتت تجربة «الإخوان» السياسية بعد وصولهم إلى السلطة في مصر، أنهم أبعد الفصائل والجماعات السياسية والدعوية عن الوسطية والاعتدال في كافة مواقفهم السياسية وفي إجراءاتهم التنفيذية، وفي تشريعاتهم التي حاولوا تمريرها، بل وفي الدستور التمييزي ضد المواطنين، وفي الإعلان الدستوري الذي لا معقب عليه والذي حصّن فيه رئيس الجمهورية قراراته المخالفة للدستور المصري، وحتى في أسلوب تعاملهم مع كافة القوى الوطنية والذي قام على الاستعلاء والادعاء.)

(3) يقول الكاتب عبد الغني سلامة في دورية سياسات العدد 24 في عام 2013 (اذا كانت “فتح” قد كرست البعد الوطني والقومي للصراع، بأدوات وأساليب وطنية، فإن “حماس” قد تعمد الى تكريس البعد “الديني” للصراع وتفريغه من محتواه الوطني والحضاري، وبالتالي تقويض الركائز الحقيقية التي يقوم عليها الصراع، وجعله جزءا من الحرب الدينية التي تخوضها قوى الاسلام السياسي، بين ما تعتبره “فسطاط الخير” و”فسطاط الشر”. وبصرف النظر عن الموقف من هذا النوع من الصراع، فإنه سيعني خوض الشعب الفلسطيني معركة عالمية هي ليست معركته….) مضيفا أيضا أن حماس تعمل على “أسلمة” منظمة التحرير الفلسطينية (حتى لو كان ذلك على حساب القضايا الوطنية والسياسية الكبرى، كما فعلت في قطاع غزة…) وذلك ص 59 من مقاله المعنون منظمة التحرير الفلسطينية مقاربة بين البدايات والمسار.

(4) “أصدر فضيلة الشيخ الدكتور يونس الاسطل عضو المجلس التشريعي الفلسطينية عن دائرة خان يونس فتوي تبيح التقرب إلي الله عز وجل وذلك بذبح او قتل ضباط جهاز الأمن الوقائي من رتبة ملازم فما فوق؟”-خالد العقاد في موقع دنيا الرأي من غزة في 7/6/2006 (أي قبل عام بالتمام من الانقلاب في غزة في 6/6/2007 )، ووضعت الفتوى في موقع حماس المسمى فلسطين للحوار ثم أزيلت، وقالت صحيفة الرسالة التابعة لحماس أنه ينفي الفتوى.

(5) تم توزيع الشريط الصوتي ليونس الأسطل الذي يهدد ويتوعد فيه بمن يمد يده له ، أن يقطع رأسه على نطاق واسع في مختلف المواقع.

(6) ربما لأول مرة في تاريخ “الاخوان المسلمين” يتم الفصل بين الدعوي عن الحزبي السياسي، وعلنا عبر ما قاله صراحة الشيخ راشد الغنوشي في المؤتمر العاشر لحزب النهضة في تونس 20-23/5 عام 2016 حيث قال: (نميز السياسي عن بقية المجالات المجتمعية كتتويج لمسار تاريخي حيث تمايز السياسي عن المجتمعي والثقافي والدعوي في حركتنا) فأسقط الربط بين السياسي والديني الدعوي الذي رسخه حسن البنا وسيد قطب من بعده وغالب الأخوان المشارقة لانتفاء التوفيق بينهما دون أن يتم استغلال الدين لمصلحة الحزبي السياسي كما أشار بتجرده من المصالح الحزبية في مقابل الوطن. بل واضاف الغنوشي لتعميق هذا الفهم الجديد في ذات المؤتمر (حريصون على النأي بالدين عن المعارك السياسية ، والنأي بالمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي …) لماذا ذلك ليجيب (نحن المسلمين الديمقراطيين) وليس الإسلاميين مضيفا أننا (نتميز عن تيارات التشدد والعنف التي تنسب نفسها ظلما وجورا للإسلام) ضمن ما أسماه “الاستثناء التونسي” مشددا على الوطنية والمدنية.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version