المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

عجز يفوق المليار دولار- هل ستتأثر الرواتب؟

نشر البنك الدولي مؤخراً تقريراً حذر فيه من ضغوط شديدة قد تفرض على ميزانية السلطة الفلسطينية، وتضع نظام المعاشات على شفا الانهيار جراء تراجع المساعدات الاجنبية.
وفي ظل هذه المؤشرات يخشى اقتصاديون ومحللون من حدوث أزمة اقتصادية متوقعة تترك خلفها العديد من الاسئلة: ما اسباب تراجع المساعدات؟ وهل نشهد في قادم المواعيد تأخر صرف الرواتب؟ وما هي الحلول المطروحة أمام السلطة؟
مدير السياسات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد عزمي عبد الرحمن قال لـغـرفـة تـحـريـر مـعا، إن جزءاً كبيراً من استمرار الاقتصاد الفلسطيني يعود للمنح والمساعدات، وبالتالي انقطاعها أو تقلصها أو تجميدها سينعكس سلباً على خزينة السلطة ومواردها.

العجز المالي يفوق المليار دولار
وأوضح أنّ المساعدات الدولية منذ قدوم السلطة بين مد وجزر، وأنّ هناك دائماً مفارقة كبيرة بين ما تتعهد بها الدول المانحة وبين ما يتم صرفه للحكومة الفلسطينية، وخير دليل على ذلك مؤتمر اعادة اعمار قطاع غزة الذي لمْ يصل من مساعداته الا نحو 40% من المعدل الاجمالي.

وحقق الرصيد الكلي للمالية العامة بحسب سلطة النقد بعد المنح والمساعدات الخارجية عجزاً بنحو 8.3 مليون شيقل خلال الربع الثاني من العام 2016، مقارنة بفائض بلغ نحو 725.8 مليون شيقل خلال الربع السابق.
وتحدث عبد الرحمن بالأرقام عن أنّ عجز الموازنة العامة للسلطة بما يفوق مليار دولار، وأنّ خسارة الاقتصاد الفلسطيني بلغت 3.50 -10 مليار دولار؛ بسبب سيطرة إسرائيل على الموارد والحدود، حسب تقارير دولية بهذا الموضوع، فنحو 70-75% من حجم التبادل التجاري يحدث عن طريق إسرائيل.

هل يؤثر انخفاض المساعدات على موعد صرف الرواتب؟
وحول احتمال تأثر صرف رواتب موظفي السلطة بتراجع المساعدات الاجنبية، قال عبد الرحمن إن فاتورة الرواتب تعتمد بشكل اكبر على العوائد الضريبية، وفي كل جلسة لمجلس الوزراء يحدد مقدار القروض بهذا الخصوص، متأملاً أنْ لا يحدث تأخر في موعد صرف الرواتب.
من جهته، المحلل والخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم، توقع في حديثه لـ معا أن لا تتأثر رواتب الموظفين بشكل مباشر بتراجع المساعدات من 800 مليون دولار كما هو مخطط له إلى اقل من نصف المساعدات؛ لأن الرقم ليس كبيراً على اعتبار أنّ المساعدات تغطي اليوم فقط نحو 20% من حجم الانفاق الكلي للسلطة.

وأضاف أنّ العامل الحاسم بتأخير الرواتب أو استمرار صرفها كالمعتاد يتمثل بإيرادات المقاصة التي تحصلها السلطة من إسرائيل.
وبحسب عبد الكريم فإن توفير الرواتب يعتمد على تطور الأوضاع الميدانية، فإذا اتسعت دائرة الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية والمواجهة على الأرض وامتدت إلى غزة، قد تلجأ إسرائيل لفرض عقوبات جماعية في مقدمتها حجز أموال المقاصة.
وكشف البنك الدولي عن تراجع المساعدات الأجنبية للسلطة الفلسطينية بنحو 50% في السنوات الثلاث الأخيرة، وذكر أنّ السلطة الفلسطينية تقترب من الحد الأقصى للاقتراض من البنوك المحلية الذي حدده البنك المركزي وربما تلجأ إلى تأخير أموال المعاشات ومستحقات موردي القطاع الخاص لسد الفجوة.

فجوة تمويلية كبيرة ستتعرض لها الخزينة العامة
وتعقيباً على تراجع مستوى المساعدات، أوضح عبد الكريم لـ معا أنّ فجوة تمويلية أكبر من ما هو متوقع ستحدث للخزينة العامة للسلطة، ستتحول لعجز فعلي أي الايرادات اقل من النفقات، في وقت كان من المتوقع أن تكون الفجوة التمويلية 400 مليون دولار حسب الموازنة، والمساعدات المتوقع الحصول عليها مع نهاية العام 600 مليون دولار.
وهذا الأمر سيضع السلطة أمام خيارين: اللجوء إلى الاقتراض أو تأجيل تسديد ديون القطاع الخاص، وبالتالي الدين سيمول جزءاً منه من الجهاز المصرفي، وإذا استمر التراجع في المساعدات سيزيد هذا الأمر من خطر التركز الائتماني. بين عبد الكريم.

وكان الدين العام الحكومي ارتفع خلال الربع الثاني 2016 ارتفاعاً طفيفاً (بنحو 0.1%) ليبقى عند نفس مستواه تقريباً خلال الربع السابق في حدود 2.5 مليار دولار، أو ما يعادل 18.9% من الناتج المحلي الاجمالي.
ويقول عبد الكريم: إنّ دور المساعدات الدولية اليوم في تمويل عجز الموازنة والاقتصاد الفلسطيني تراجع بشكل كبير، ليبلغ أقل من ثلث الموازنة، أي نحو 20%، والباقي يأتي من الضرائب المجيبة من المواطنين.

اسباب تراجع المساعدات.. والحلول المطروحة
وحول اسباب تراجع الدعم والمساعدات الأجنبية، يرى عبد الكريم أنّ بعض الدول تعاني من ازمات اقتصادية، ما يتسبب بعدم التزامها بنفس المستوى من الدعم مثل السعودية بسبب انخراطها بحروب وأزمات داخلية.
وأوضح عبد الكريم أنّ هناك بعض الدول التي تأخذ موقفاً سياسياً مسبقاً بالتعامل مع السلطة الفلسطينية متذرعة بالانقسام، في حين الدول الاوروبية في ظل ازماتها الكبرى لمْ تتراجع تجاه تقديم المساعدات، وأنّالسبب العام أن القضية الفلسطينية لم تعد لها الاولوية على الاجندة الدولية، لذلك من الصعب أن توقع استمرار الدول بتقديم المساعدات بنفس المستوى.

وحول الحلول الواجب اتباعها لحل الازمة، بين عبد الكريم، أنّ السلطة مطالبة بضرورة اقناع أكبر للدول العربية بالايفاء بالتزاماتها وتفعيل شبكة الامان، كما يجب أن يكون هناك إدارة لحل الازمة من خلال وضع الأولويات والتقشف، والعمل على تحسين الجباية الضريبية القاعدية الافقية.
وأشار إلى أنّ الناتج المحلي بالقيم الاسمية حوالي 12 مليار دولار، وهذا رقم ايجابي يدلل أنّ العجز غير متزايد، أي أنّ هناك ضبطا في النفقات وبالمقابل زيادة في الايرادات، وبالتالي مؤشر ايجابي على إادارة المال العام.

لماذا المساعدات وما اهدافها؟
من ناحيته، المحلل الاقتصادي د. طارق الحاج رأى أنّ الأصل في تقرير البنك الدولي أن يكون محفزاً للدول التي تعهدت بتقديم دعم للفلسطينين، وبالتالي يجب أن يتحسن الاقتصاد، لكن الحقيقة عكس ذلك فالتقرير تحدث عن جزء بسيط من الاقتصاد الفلسطيني وهو المساعدات.
وأضاف في حديثه لـ معا أنّ الموارد التي تسلب من جانب الاحتلال الإسرائيلي لم يشار اليها بالتقرير، وللاسف المنظمات الدولية لا تتجرأ على ذكر الارقام الحقيقية للسيطرة الإسرائيلية على مواردنا، وبالتالي يبقى ما جاء في التقرير حبراً على ورق.

وبين الحاج أنّ المساعدات تأتي لنا لأن الدول الصناعية يوجد لديها فائض في موزانتها ويجب أن يتم انفاقه على المستوى الدولي، وهذا الامر مرتبط بمجموعة اهداف منها التنموية والسياسية والاجتماعية، يجب أن يتم تحقيقها في دول العالم النامية.
ولفت إلى أنّ شق المساعدات الاجنبية لا يذهب لدفع رواتب الموظفين ولا للتنمية وليس تطويري، ولا يهدف لانشاء مصانع، بل يذهب إلى تحقيق ثلاثة اهداف: (البعد السياسي، والبعد الامني، والبعد الانساني).

افاق الاقتصاد الفلسطيني “مظلمة”
وفيما يتعلق بافاق الاقتصاد الفلسطيني، قال الحاج إنه وعلى ضوء المعطيات القائمة اعتقد أنّ الواقع الاقتصادي الحالي صعب، والمستقبل سيكون اصعب؛ لأن بناء مستقبل جيد يحتاج لتخطيط جيد، وهذا الأمر يحتاج لمقومات وامكانيات وهي ليست تحت سيطرة الفلسطينيين.

وتوقع أن يستمر عجز السلطة بالتراكم في ظل تواصل سياسة تجير الديون للسنوات اللاحقة، والعجز اليوم أكثر من قيمة الموزانة البالغة حوالي 5 مليارات دولار.
وكان البنك الدولي دعا أيضاَ الحكومة الإسرائيلية التي تقوم بتحصيل كثير من الضرائب والرسوم نيابة عن الفلسطينيين إلى البحث عن وسائل لتقليص الخسائر المالية العامة وتحويل مزيد من الإيرادات “اموال المقاصة” إلى السلطة الفلسطينية.

معا : تقرير أحمد تنوح

Exit mobile version