المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

حتى يكون النقد بنّاء

لا يستقيم الأمر بالتأكيد إن كان المنتمي لأي تنظيم لا يتقيد بنظامه وقوانينه وقواعد مسلكيته، ولا يعقل الأمر على الإطلاق إذا وجد من يردد نقداً هاماً ويوجه اتهامات جزافيه لتنظيمه في كل محفل وعلى رؤوس الأشهاد. لا يجوز أن نرى هناك من يحاول أن يميز نفسه بأنه النموذج وأنه المثل، الذي يتنصل من المسؤولية عن أي من الأخطاء المحتملة أو أي من المواقف التي تثير انتقاداً أو تساؤلاً أو تشكيكاً من هذا الطرف المعادي أو ذلك المنافس، دون تمحيص أو موضوعية أو عدل أو إثبات.

لا يستطيع العاقل أن يفهم معنى محاولة عضو تنظيم الظهور بصورة أفضل من صورة تنظيمه، أو أن يفهم معنى مهاجمة عضو تنظيم لتنظيمه وتوجيه الاتهامات له، أو التقليل من شأنه واعتباريته، فهذا يدلل فقط على انفصام يجعل صاحبه في موقف غير مستوفِ لشروط العضوية، التي تفرض تحمل مسؤولية شخصية وتنظيمية وجماهيرية على العضو، وتتطلب وجود وتوافر مواصفات تمكن العضو من القيام بالمهام الموكلة إليه على أكمل وجه.

النقد والنقد الذاتي ضمان حقيقي للحرية في الحركات الثورية والطليعية التي تتصدى لهدف عام، وحركة فتح أدركت أهمية النقد والنقذ الذاتي وفي أدبياتها كتاب عديد الفصول تحت هذا العنوان، وهي تعتبر النقد سلاحاً يقويها ويدفع قدرتها وفعاليتها وأدائها على طريق تحقيق حقوق وأهداف شعبها،ويمكنها بشكل أفضل من تنقيح خططها لمواجهة المحتل وترى فيه أيضاً أنه يعمق جذورها التنظيمية، ويطور خطها السياسي ليجعلها ترى الأمور بمنظار أسلم، ويمكنها من صنع الحدث لا البقاء في دائرة ردود الأفعال.

وللنقد أهداف واضحة في حماية الخطوط السياسية للحركة، سياسياً وتنظيمياً والتأكيد على سلامة هذه الخطوط والمحافظة عليها أمام كل محاولة مقصودة أو غير مقصودة، تهدف إلى تشويهها أو الانحراف عنها، ويهدف كذلك للاستفادة من كل محاولة تستهدف إغناء تلك الخطوط أو تطورها.

النقد والنقد الذاتي حياة الحركة أو الخبز الذي بدونه لن تحيا. مهمة النقد ليس المحافظة على حياة الحركة فقط وإنما دفعها لتحقيق أهدافها. والنقد لا يستهدف فقط تقييم السلبيات وإنما يستلزم تقييم الإيجابيات وكذلك تقديم المقترحات البناءة لدحض السلبيات وتعزيز الايجابيات وتكريسها.

وكي يحقق النقد أهدافه وغاياته وكي يكون بنّاءً لا هداماً، فقد حُددت له أشكال، منها النقد الهامس يقوم الناقد خلاله بالتعرض للمسلكية الخاطئة بصورة سرية محصورة بينه وبين المنقودـ، وطرفا هذا النقد يكونا من نفس الإطار والمرتبة التنظيمية، ويمكن أن يكونا من مرتبتين مختلفتين لكن يجمعها إطار الحركة الواحد، وهذا الشكل من النقد يهدف إلى تصحيح الخطأ المسلكي للأفراد. وهناك نقد مرتفع يتم ضمن الإطار التنظيمي لا خارجه من أجل معالجة القضايا الأساسية الفكرية والسياسية والتنظيمية، وهناك النقد الصاخب الذي يأتي عندما يفشل شكلا النقد السابقين، الهامس والمرتفع، من بلوغ الهدف، وهو موجه ضد الظواهر الخاطئة والخطيرة والانحرافية والذي يستوجب استنفار الحركة كلها ضد التأثيرات السلبية لتلك الظواهر والمسلكيات.

والنقد الصاخب يمكن أن يتم بالندوات والتعاميم الحركية والنشرات التنظيمية العلنية، ولا يجوز للحركة الثورية فتح أو غيرها، التي تشن هجوماً صاخباً ضد ممارسات وظواهر خطيرة أن لا تأخذ قراراتها الحاسمة بشأن المنحرفين. فقضايا السياسة والفكر لا يتم التفاهم عليها ببوس اللحى، وإنما بالحسم الصادق وتحديد الخطأ والصواب بصورة حازمة.

والنقد يجب أن يتحلى بالموضوعية بعيداً عن الاعتباطية أو غياب الدليل والبرهان أو المعلومات المبنية على الأوهام والخيال أو المعلومات المدسوسة وأن يتحلى كذلك بالايجابية حتى يكون نقداً من أجل البناء لا الهدم ومن أجل التصحيح وليس التخريب وأن يكون توقيته مناسباً حتى يحقق غايته المرجوة وأن يكون له مجاله الذي يحدد أين يتم وأبسط هذه المجالات هو المجال الذاتي، الذي يبدأ فيه العضو بمحاسبة نفسه، وتقويمها من خلال النقد الصامت.

أشكال النقد الصاخب يجب أن توجه داخل الأطر وضمن حدود الحركة الثورية الواحدة في مؤتمراتها واجتماعاتها الموسعة وتعاميمها الداخلية أما النقد خارج الأطر فلن يؤدي سوى إلى إضعاف الروابط بينها ويحول الحركة الثورية إلى تجمع بشري غير مسؤول.

الرسالة الحركية الاسبوعية لمفوضية الاقاليم الخارجية لحركة “فتح”

Exit mobile version