المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

إسرائيل وسياسة العصا والجزرة في تعاملها مع الفلسطينيين

بدأت الحكومة الإسرائيلية بمنح تسهيلات لفلسطينيين في الضفة الغربية مع استمرار حرمان ومعاقبة آخرين، ضمن خطة وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الشهيرة «العصا والجزرة»، التي عارضتها السلطة الفلسطينية، محذرة من التعامل معها.
وصادق المجلس الأمني والسياسي المصغر «الكابنيت» قبل أسبوعين على سلسلة طويلة من الخطط الهيكلية وتصاريح البناء للفلسطينيين في الأماكن المصنفة «ج» في الضفة الغربية، التي تسيطر عليها إسرائيل وفق اتفاق أوسلو، وطالما منعت الفلسطينيين من البناء فيها.
وقالت مصادر إسرائيلية إن القرار الذي يعد الأول من نوعه منذ عدة سنوات، أحيط بالكتمان التام، ولم ير النور تجنبًا لضغوط سياسية من قبل قيادة اليمين في إسرائيل. وجاءت «التسهيلات» في مناطق محددة في الضفة، في وقت واصلت فيه إسرائيل تضييق الخناق على مناطق أخرى، وشددت الخناق على قطاع غزة، في محاولة لتحويل خطة ليبرمان الجديدة إلى سياسة عملية.
وتقوم خطة ليبرمان على خلق مسار تواصل مع الفلسطينيين يتجاوز به السلطة الفلسطينية، ويتضمن مكافآت اقتصادية للمناطق التي تلتزم بالأمن وعقوبات على تلك التي يخرج منها منفذو عمليات.
وكان ليبرمان عرض خطته القائمة على تقسيم الضفة الغربية إلى «مناطق ساخنة»، أشير إليها باللون الأحمر، وهي المناطق التي انطلق منها أكبر عدد من منفذي العمليات العسكرية مقابل «مناطق باردة» أشير إليها باللون الأخضر، وهي هادئة، إذ تحظى «المناطق الباردة»، وفقًا لليبرمان، بتسهيلات تتمثل في توسيع مخططات البناء والتطوير، وإنشاء مناطق اقتصادية، وممرات تجارية بين المدن، وإقامة ملاعب رياضية وحدائق ومدن ملاهٍ، وزيادة عدد تصاريح العمل. وذلك مقابل زيادة نشاط الجيش الإسرائيلي في المناطق الساخنة وإلغاء تصاريح العمل لأبناء عائلات منفذي العمليات، وإلغاء تصاريح الشخصيات الهامة للمسؤولين الفلسطينيين الشركاء في «التحريض»، وهدم منازل فلسطينية غير قانونية.
ومن أجل تسويق خطته، راح ليبرمان يلتقي فلسطينيين بمعزل عن السلطة ويشجع إسرائيليين على لقاء فلسطينيين، متحديًا السلطة التي حذرت من أي لقاءات ضمن خطة ليبرمان التي تأخذ بعدًا اقتصاديًا. وكان أكثر الذين التقوا بإسرائيليين هم رجال أعمال يتطلعون إلى تعاون أكبر. وقال أحدهم لـ«الشرق الأوسط»، طالبًا عدم ذكر اسمه، إنه بغض النظر عن الطريقة التي يفكر بها ليبرمان، فإن كل شيء مرتبط بإسرائيل. وأضاف: «كل شيء مرهون بالإسرائيليين، الاستيراد والتصدير وحركة البضائع والأفراد».
وتابع: «لا يمكن أن ينجح أي مشروع اقتصادي كبير دون التنسيق مع الإسرائيليين، وإلا لماذا تضطر السلطة نفسها للتنسيق مع الإسرائيليين حول كل كبيرة وصغيرة». وعلى مدى أسابيع، التقى فلسطينيون معنيون بتحسين الوضع الاقتصادي مع رجال ليبرمان. وجاهر ليبرمان نفسه بأنه شخصيًا التقى وسيلتقي فلسطينيين دون موافقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وزعم وزير الأمن الإسرائيلي بأن رجال الأعمال الفلسطينيين الذين التقى موظفوه معهم يقولون إنه يجب التخلص من عباس، لأنه يقف في وجه التطور الاقتصادي.
وقال ليبرمان في إيجازات مغلقة مع صحافيين إسرائيليين، لتوضيح خطته الخاصة بالتعامل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية: «حين كنا نسألهم ماذا يحتاج الاقتصاد الفلسطيني؟ كان جوابهم واحدًا وهو التخلص من أبو مازن». وأكد ليبرمان أنه لا يعتقد على الرغم من ذلك أن على إسرائيل أن تساهم في إنهاء حكم عباس، وبالمقابل ليست بحاجة إلى أن تلوم نفسها بشأن الظروف في الأراضي الفلسطينية.
وتابع: «الأمور لا تتعلق بنا فقط.. كلما استمر نظام الفساد والعجز في السلطة، سيواصل الوضع الاقتصادي ركوده». وكانت وزارة الأمن الإسرائيلية، أعدت قائمة من 100 شخصية فلسطينية من أجل الحوار معهم. ولم يتوقف الأمر على لقاءات رفيعة، بل راح مسؤولون على مستوى محلي ومقاولون على مستوى أصغر يبنون جسورًا للتواصل مع إسرائيليين، بينهم مستوطنون.
والأسبوع الماضي شارك أكثر من 100 مسؤول ومحلي ومقاول مستوطنين من اليهود في مستوطنة إفرات جنوب مدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة احتفالاتهم بعيد العرش اليهودي، إذ قاموا بزيارة العريشة الخاصة برئيس مجلس مستوطنة إفرات، عوديد رفيف بمناسبة عيد العرش. وقال أحد الذين شاركوا لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعمل معهم وذهبنا في زيارة عادية، لكن وسائل الإعلام ضخمت الأمر». وهذا يعني أن مثل هذه الزيارات متكررة.
وهذه الخطوة غير المألوفة التي أغضبت السلطة ورفضتها واعتقلت بعض من شارك فيها، أطلقت مخاوف من تعاون إسرائيلي فلسطيني أكبر ضمن خطة ليبرمان التي وصفت السلطة كل من سيتعامل معها بأنه سيعد «جاسوسًا».
وتعيد الخطة للذاكرة الفلسطينية محاولة تشكيل إسرائيل قيادة بديلة للشعب الفلسطيني في السبعينات، عرفت باسم روابط القرى، وفشلت آنذاك. وطالما حذر المسؤولون الفلسطينيون من إعادة إحياء هذه الروابط. وقال القيادي الفلسطيني واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير: «طالما بحثت إسرائيل عن عناوين أخرى غير شرعية».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم منذ البداية يريدون روابط قرى وكانوا يعتقدون أنهم سيحولون السلطة إلى قوات لحد». وتابع: «بعد عشرات الأعوام من النضال المستمر لا يغري الشعب الفلسطيني أن تمنحه جزرًا ولا يخيفه التلويح بالعصا». وأردف: «مثلما فشلت روابط القرى سيفشل ليبرمان». لكن ليبرمان لا يبدو أنه يكترث بموقف السلطة الرسمي، بل ذهب بعيدًا إلى عرض خطته قبل أيام قليلة فقط على قطاع غزة.
وقال ليبرمان عن حماس في غزة: «إذا فرضوا على إسرائيل الحرب المقبلة، فستكون الحرب الأخيرة بالنسبة لهم. وأود التوضيح مرة أخرى، ستكون بالنسبة لهم المواجهة الأخيرة، حيث سندمرهم بالكامل، ولكن إذا أوقفوا أنفاقهم ونشاطهم بتلك الأنفاق وإطلاق صواريخهم ضدنا، نحن سنكون أوائل المستثمرين في مينائهم ومطارهم ومنطقتهم الصناعية». وتابع: «سيكون بالإمكان أن نرى في يوم من الأيام غزة سنغافورة أو هونغ كونغ الجديدة». ويرى مراقبون أن ليبرمان يخطط لأبعد من مجرد التعاون مع فلسطينيين متجاوزًا السلطة. ويتصرف مسؤول الإدارة المدنية الإسرائيلية، أو ما يعرف في إسرائيل بمنسق أعمال الحكومة، الميجور جنرال يؤاف مردخاي هذه الأيام، مثل حاكم فعلي للفلسطينيين.
وكان مردخاي سافر قبل أسابيع إلى مؤتمر الدول المانحة في نيويورك لمناقشة هذه الدول فيما تحتاجه السلطة الفلسطينية من دعم، وآليات ذلك، والمسائل التي يجب التركيز عليها من وجهة نظر إسرائيل لدعم اقتصاد الفلسطينيين. ومردخاي نفسه هو الذي فتح قبل أشهر قليلة، صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مباشرة مع الشعب الفلسطيني، ملقيًا عليهم محاضرات أمنية، وباثًا بيانات مختلفة، ومناديًا إياهم بزيارة مباشرة لمكاتب الإدارة المدنية من أجل الحصول على تصاريح جديدة، وإلغاء المنع الأمني، والتنقل بين الضفة وغزة وإلى إسرائيل، في تجاوز واضح ومباشر لدور السلطة الفلسطينية.
وليس سرًا أن مثل هذه النداءات لقيت آذانًا صاغية، إذ «يحج» مئات من الفلسطينيين إلى مكاتب المخابرات الإسرائيلية من أجل تسوية أوضاعهم، دون أدنى اهتمام بما يعنيه ذلك أو كيف تمكن قراءته وفي أي سياق. ولا تحرك السلطة ساكنًا لمواجهة هذا الأمر، غير تحذيرات متكررة بأن الوضع الحالي لا يمكن له أن يستمر مراهنة على الوعي الوطني. لكن على الأرض يستمر الوضع كما هو دون أن يستطيع أحد أن يجيب على سؤال: إلى أين؟

المصدر: جريدة “الشرق الأوسط” السعودية

Exit mobile version