المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

“دحلان” بين الثانوي والرئيسي

بقلم: أحمد جميل عزم

لعل انتقال العلاقة بين حركة “حماس” والمسؤول السابق في حركة “فتح”، محمد دحلان، من المناكفة و”الرقص على الشناكل”، إلى “الغزل” المباشر، هو مثال صريح على تحول القضية الثانوية إلى رئيسية، وعلى التكتيك السياسي قصير الأمد المتقلب. ولا تخدم ردة فعل السلطة الفلسطينية في الضفة على تحركات أشخاص يصدرون إشارات لقربهم من دحلان، إلا بكونها مساهمة ضمنية تحوِّل الثانوي إلى رئيسي، مع أن تصعيد الرئيسي يمكن له أن يقضي على الثانوي.
هناك تسجيل قديم بصوت محمد دحلان، بعد فوز “حماس” بانتخابات المجلس التشريعي العام 2006، في قطاع غزة، روّجته الحركة (حماس) كثيراً حينها، يلخصه الكاتب المصري فهمي هويدي، في مقال صحفي، أعاد المركز الفلسطيني للإعلام، التابع لحركة “حماس” نشره العام 2007، جاء فيه “في غزة تتداول الدوائر السياسية تسجيلاً للعقيد محمد دحلان، الذي يدير الاشتباك المسلح ضد الحكومة، يقول فيه لبعض جلسائه إنه يعرف كيف يربك الحكومة (الحمساوية حينها)، وكيف يدبر لها “الرقص على الشناكل””. وتعددت المرات التي قال فيها عناصر في “حماس” إنّ مشكلتها الحقيقية ليست مع “فتح” بل مع دحلان. وفي بداية العام 2007، أصدرت “حماس” بياناً رسمياً، حمّلت فيه “دحلان بصفة خاصة وتياره الانقلابي المسؤولية عن كل قطرة دم سالت خدمة لمصالحه الخاصة وتنفيذا للمخططات الأميركية في المنطقة وبالتساوق مع الأهداف الصهيونية”.
اختلف المشهد تماماً الآن. إذ يقوم دحلان بترتيب حفلات ومهرجانات ونشاطات في غزة، ويوزع مساعدات، ويتحرك براحة. ويقوم أكثر من قيادي في “حماس” بامتداحه، أو تبرير عدم الاعتراض على نشاطه. فمثلا، وصف القيادي في “حماس” أحمد يوسف، دحلان، والعضو القيادي السابق في “فتح” سمير مشهراوي المقرب منه، بأنهما “تيار إصلاحي”. وقال: “لا شك أن خلفية المخيم لكل من دحلان وسمير جعلت منهما الأقرب لمشاعر الشباب وأحاسيسهم في قطاع غزة، وربما كذلك داخل مخيمات الضفة الغربية وأماكن الشتات في دول الجوار، وهو ما يعكس هذا الالتفاف الواسع حولهما بين الشباب”. ووصل “الغزل” مداه بين القيادي السابق، والكاتب القريب من “حماس”، مصطفى اللداوي، ودحلان. فكتب الأول رسالة، يدعو فيها دحلان لاستخدام علاقاته لفك الحصار عن “غزة”، ويقول من بين أمور كثيرة: “هنا يا محمد تظهر المروءة وتسمو الشهامة، ويتقدم أصحاب النخوة، وترتفع أعناق الكرام، وتبين معادن الرجال، ويعرف الناس أن كان ما يبرق ذهباً، وأن ما تحتهم جواداً. فكرّ أمام قومك كعنترة وذُد عنهم، وكن فارسهم الذي يأملون (…) وطوبى لك إن كنت فارسهم”. ورد دحلان برسالة شكر للداوي ولأحمد يوسف. وحتى محمد الزهار، القيادي المتشدد في “حماس”، ورغم قوله: “نحن نعرف ماذا يريد محمد دحلان ولا نستطيع أن نعطيه ما يريد لأن هذا ضد قناعتنا”، يكمل في حديث تلفزيوني مطلع العام الماضي: “عند إجراء مصالحة مجتمعية أنت تجريها مع تيار دحلان”. وقال: “محمد دحلان التقى بعضا من الناس في الخارج وعرض مشروعا لبناء مبنى للأسرى المحررين، وإجراء عرس جماعي يشارك فيها الفقراء، هل يتم رفضه؟”.
حديث الزهار يكشف أنّ “حماس” لم تعد تخاف “شناكل” دحلان، وأن ضغط الحصار، يجعل نشاط الأخير مقبولا، رغم كل ما قيل عنه سابقاً. وعندما يفتح معبر “رفح”، مؤخرا، بموافقة مصرية، لأيام، وتصدر التقارير أن هذا بوساطة دحلان، فإنّه يشير للتسهيلات المصرية لنشاط دحلان. وهذا التقاء مع ما تريده “حماس” التي تحت وطأة استلام السلطة وأعبائها، اضطرت “للتكتيك” أو لتغيير الأولويات والخطاب.
في الضفة الغربية، فإنّ اقتراب بعض الأشخاص والكوادر في حركة “فتح” من دحلان، لا يمكن رؤيته أنّه يعبر عن حالة شعبية، أو انقسام فعلي في الحركة. وهو ما يوضح عدم وجود أي نشاط له بعد شعبي يذكر لتأييده. لكن ردة فعل “فتح” وأجهزة الأمن الفلسطينية، ضد هؤلاء، تؤدي لحالة توتر من قبل أنصارهم وأقاربهم، لأجل هؤلاء الكوادر، وليس لأجل دحلان، وبالتالي يتضخم موضوع الخلاف مع دحلان.
تصعيد المواجهة مع الإسرائيليين، وتبنّي استراتيجية مقاومة واضحة، هو توجه نحو العدو الرئيسي، وهو ما سيجعل مثل قضية دحلان، موضوعاً ثانوياً للغاية.

عن الغد الأردني

Exit mobile version