لماذا تأجل مؤتمر باريس؟

في الوقت الذي كانت تجري فيه الاعدادات والاستعدادات لعقد مؤتمر باريس الدولي للسلام اعلنت فرنسا عن تأجيل المؤتمر حتى شهر يناير “كانون ثاني” من العام القادم دون تحديد موعد رسمي لانعقاده وقد يكون هذا الموعد ايضا قابلا للتغيير والتأجيل لأسباب سياسية بالتأكيد وربما تتعلق بتداخلات السياسة الدولية وتداعياتها وببض التحولات والتغيرات الدولية والإقليمية.
ربما تكون فرنسا استشعرت بصعوبة نجاح المؤتمر في ظل تلك التداخلات والمتغيرات وأدركت ان مؤشرات فشل المؤتمر اكثر واكبر من فرص نجاحه ودولة بحجم فرنسا ومكانتها في السياسة الدولية لا تريد ان يسجل التاريخ فشل مساعيها في ترك بصماتها في السياسة الدولية وفي قضية استأثرت على اهتمام العالم طوال عقود مضت وجلبت انظار الرأي العام العالمي خلال تلك العقود.
آمال واعين الفلسطينيين كانت مشدودة باتجاه باريس ليس لان الفلسطينيون كانوا ينتظرون ان يخرج المؤتمر بالاعتراف بدولة فلسطينية ولكن انعقاده سيكون احد المحطات الرئيسية في تاريخ القضية الفلسطينية وسيكون العنوان الابرز امام المؤتمرين هو الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حيث سيؤكد المؤتمر على مرجعيات عملية السلام من أجل تطبيق حل الدولتين ووضع جداول زمنية محددة للتوصل إلى اتفاق سلام وجداول زمنية لتنفيذ هذا الاتفاق وحتما ستدور تساؤلات حول موعد زوال الصراع وانتهاءه وموعد انسحاب اسرائيل الكامل من الاراضي الفلسطينية والأسباب التي حالت دون ذلك اي ان المؤتمر سيشكل تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في سعيهم نحو التحرر والاستقلال وإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة.
المتتبع للأمور كان يدرك جيدا ان هناك عقبات جمة تعترض طريق انعقاد المؤتمر وأخرى لا تتوفر لإنجاحه وتتعلق بتفاعلات السياسة الدولية وفي صراع الاقطاب وحفظ التوازنات الدولية.
فهناك عوامل عدة ومهمة ادت الى تأجيل انعقاد المؤتمر وهي خارجة عن الارادة الفرنسية ولكنها ليست طارئة. ومن المؤكد ان احد الاسباب الرئيسة جاء بسبب التغيرات التي طرأت على رأس الهرم السياسي الامريكي بوصول دونالد ترامب الى الحكم والسياسة الجديدة التي سيتبعها بخصوص الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وكائن من كان لا يستطيع تجاهل الدور الامريكي بصفته الراعي الرسمي لعملية السلام، كما ان الولايات المتحدة ليست معنية بنجاح فرنسا اولا والمؤتمر ثانيا لأسباب تتعلق بمبدأ التوازنات الدولية وعدم اعطاء الفرصة لاي طرف كان بالتحكم في معادلات التوازن المؤثرة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي اذ ان الولايات المتحدة تعتبر ان الصراع وحله او تعقيده يدخل في صلب مصالحها القومية.
وهناك عوامل اخرى تتعلق بدول الاتحاد الاوروبي اذ ان هناك تحفظات من قبل بعد دول الاتحاد على عقد المؤتمر والدور الفرنسي الذي يتهيأ من خلال انعقاد المؤتمر بما يعطي فرنسا دورا اكبرا في الحلبة السياسية الدولية وهذا يتعلق ايضا في الصراعات والتوازنات الاوروبية على قيادة الاتحاد الأوروبي اضافة الى الدبلوماسية الاسرائيلية اثرت في بعض مواقف دول الاتحاد لصالحها وادت الى تراجع مواقف هذه الدول التي كانت تدعم الموقف الفرنسي في مشروعه الجديد.
العامل الاكثر اهمية هو الموقف الاسرائيلي بصفة اسرائيل تشكل احد اطراف الصراع وتشكل معادلة رئيسية في موقفها من انعقاد مؤتمر السلام اذ ان الرفض الاسرائيلي لفكرة المؤتمر في الاصل ورفض اسرائيل لحضور المؤتمر ربما كان احد الاسباب الرئيسية في تأجيل انعقاده ربما لفتح المجال امام الدبلوماسية الفرنسية للتحرك باتجاه تذليل العقبات التي تعترض انعقاد المؤتمر ومحاولة احداث تغيير على الموقف الاسرائيلي لكن اسرائيل ترى ان المؤتمر سوف يتحول الى جهة لمحاكمة اسرائيل ووضع سقف زمني لإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية ولهذا ستبقى اسرائيل مصرة على التمسك بموقفها من خلال حل الصراع من خلال مفاوضات ثنائية يشاطرها في ذلك الرأي الولايات المتحدة وعدم فتح المجال امام المجتمع الدولي للتدخل في الصراع مع العلم ان المجتمع الدولي شريك اساسي النظام العالمي وفي حفظ القانون وحفظ الأمن والسلم الدوليين ويؤثر ويتأثر في الصراعات والنزاعات الدولية. ان الرفض الاسرائيلي يؤكد على ان اسرائيل ماضية في سياستها الرافضة للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وماضية بإفشال الجهود الدولية لتحقيق السلام وإفشال أي جهود اخرى لإرغامها على الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بهدف كسب المزيد من الوقت لترسيخ احتلالها واستكمال مشروعها الاستيطاني ومخططات تهويد القدس وبسط السيادة الاسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية.

خاص بمركز الإعلام

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version