المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

“الخطة (ب) لتمرير قرار في مجلس الأمن”

بقلم: د. دلال عريقات

مصر وأنغولا واليابان وماليزيا ونيوزيلاندا والسنغال وأوكرانيا والأوروغواي وفنزويلا برئاسة إسبانيا هي الدول العشر غير دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، هذه الدول التي حققت في آخر أيام سنة ٢٠١٦، وآخر أيام أوباما في البيت الأبيض إنجازاً مهماً بتبني قرار ٢٣٣٤ ضد الاستيطان لصالح فلسطين. تخلل هذا الإنجاز عدة مشاهدات لا بد من تحليلها:
-أولاً: كان من المفترض والمتوقع أن يُقدَم القرار من قبل جمهورية مصر ‘العربية’، التي فاجأت القيادة الفلسطينية والمواطن الفلسطيني والعربي بشكل عام بسحبها وتأجيلها للتصويت على مشروع القرار بعد أن قدمته. لهذا التراجع تعليلات كثيرة حسب مدرسة المصالح، فلا ننسى اتفاقية الغاز التي تربط مصر بإسرائيل وقبرص، ولا ننسى أن المساعدات الأمريكية صمام أمان للشعب المصري، ولا ننسى سعر الجنيه المصري الآخذ في الهبوط، ولا ننسى المنافسة التركية-المصرية وتحالفات إسرائيل مع كل منهما، والأهم أن لا ننسى تصريحات نتنياهو عن مفاجآت لعلاقات وتحالفات حميمة لإسرائيل في المنطقة. صحيح أن ما جرى خارج عن أخلاق المنظومة العربية إلا أنه مازال مُبرَراً بلغة الضغوط والمصالح الدولية. وهنا لم يبقَ للمواطن الفلسطيني إلا أن يصحو لحقيقة الواقع السياسي الذي نعيشه والذي يحيط بِنَا والتوقف عن الحلم وعن تفسير السياسة برومانسية. وهنا أقول علينا المحافظة على دور مصر كحليف لفلسطين وتصليح ما حصل والبناء عليه بما يخدم مصالحنا. لا تستغربوا إذا تم تقديم مشروع قرار بداية العام القادم بوصاية مصرية أو حتى إن بدأت مفاوضات برعاية مصرية، فمصر هي أساس العمق السياسي العربي وهي العمود الفقري العربي للقضية الفلسطينيّة!
-ثانياً: الإستراتيجية الدبلوماسية الفلسطينية تجني ثمارها، هذا الإنجاز لم يأتِ عشوائياً ولكن نتيجة لجهود وتخطيط وبناء تراكمي ظهرت أول لبناته في العام ٢٠١١ وشهدنا آخرها قبل أسبوع متمثلاً بتوجه وفد فلسطيني رسمي ضم مجموعة مثيرة من الطاقات إلى العاصمة الأمريكية لمحاولة الحصول على أي مكاسب من الإدارة الأمريكية الحالية قبل خروجها. لقد تفاجأت القيادة عشية سحب مصر للقرار إلا أنها وفوراً لجأت للخيار (ب). هذا جهد تراكمي وأستطيع التنبؤ أن أمامنا خيارات متعددة أخرى مطلع العام القادم مع قدوم دول جديدة للانضمام لعضوية مجلس الأمن.
-ثالثاً: لتمرير القرار في مجلس الأمن الدولي لجأت القيادة للخطة (ب) من خلال الطلب من دول (فنزويلا وماليزيا ونيوزيلاندا والسنغال) الّتي تقدمت مجتمعة ووقفت بوجه العالم لاستصدار قرار ضد الاستيطان غير آبهين بالضغوطات. القرار صدر بإجماع الدول العشر غير دائمة العضوية وقبول ٤ من الدول الدائمة (المملكة المتحدة، فرنسا، الصين، روسيا) وامتناع الولايات المتحدة. هذه بداية لمواقف دولية أكثر حزماً وجدية في التعامل مع إسرائيل.
-رابعاً: القرار يندرج تحت الفصل السادس وليس السابع، بمعنى أنه غير نافذ بالقوة العسكرية الدولية وانما يلجأ إلى الوسائل السلمية لتسوية النزاعات، إذاً تطبيق القرار غير ملزم بالقوة وهذه فجوة ممكن أن تخدم مصلحة إسرائيل في حين لم يفرز القرار نتائج حقيقية على أرض الواقع. برغم كل ذلك، أرى أن مضمون القرار مهم لأنه يعيد تأكيد القرارات الدولية التاريخية (٢٤٢، ٣٣٨، ٤٤٦، ٤٥٢، ٤٦٥، ٤٧٦، ٤٧٨، ١٣٩٧، ١٥١٥، ١٨٥٠) كلها قرارات لصالح القضية الفلسطينية وتؤكد على الحقوق الفلسطينية حسب القانون الدولي لإنهاء الاحتلال.
-خامساً: استخدام حق النقض (الڤيتو) إذ يكفي اعتراض أي من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ليتم رفض القرار وعدم تمريره نهائياً حتى وإن كان مقبولاً للدول الأربع عشرة الأخرى! يُعتبر امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت سابقة بالرغم من حقيقة أنه قد يرجع لعدة أسباب داخلية، إلا أن الخطوة لها بُعدين لا يمكن التغاضي عنهما:
من ناحية، لقد أثارت غضب القيادة الإسرائيلية وسببت لهم مفاجأة لأن داني دانون ونتنياهو قد بذلوا جهوداً مضنية لضمان دول العالم في المحافل الدولية وخاصة في مجلس الأمن حيث كان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد طالب الولايات المتحدة باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار العربي الفلسطيني رسمياً.
من ناحية أخرى، لا يخفى علينا أن عدم استخدام حق النقض كان بمثابة الانتقام الواضح من إدارة أوباما ضد تل أبيب على خلفية سياساتها وتأثيرها على مرحلة ما قبل الانتخابات الأمريكية وإعلان دعم ترامب ضد هيلاري كلينتون، وفي هذا رسالة مهمة للشعب الفلسطيني بأنه لا ثوابت في السياسة.
يقلل البعض من أهمية القرار لعدم خضوعه للبند السابع، علينا أن ندرك جيداً أن القرار مهم في هذه المرحلة من الإنعدام الأخلاقي على مستوى الدول لأنه أظهر المجتمع الدولي بصورة موحدة رسمية تدين الاستيطان الإسرائيلي وممارسات الاحتلال التي تقف في وجه تحقيق السلام.
هذه بداية لموقف دولي يحترم القانون الدولي ويدافع عن الحقوق الفلسطينيّة، لقد نص القرار بأن المجتمع الدولي لا يعترف بأي تغيير على خط الرابع من حزيران ١٩٦٧ بما في ذلك ما يتعلق بالقدس، وهذا ضمان صريح للحق الفلسطيني في دولة على هذه الحدود مع القدس الشرقية عاصمة لها.
علينا التروي فلسطينياً والاتجاه معاً لدراسة أولوياتنا فأمامنا العديد من المشاريع والقرارات ممكن تمريرها من خلال الارتكاز على القانون الدولي وبناء تحالفات استراتيجية باستعمال الأدوات الدبلوماسية المتاحة.

Exit mobile version