المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

السلام في الشرق الاوسط يواجه تحديات جديدة

بقلم: سمير عباهرة

حدثان مهمان تركا اثرا واضحا على واقع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وأغلقا الباب امام ما تبقى من بصيص امل للتوصل الى تسوية لمشكلة الشرق الاوسط عندما اتخذ الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي ينتظر وصوله الى البيت الابيض في مطلع العام القادم قرارات صادمة اطلقت العنان لإسرائيل وأعطتها المزيد من الضوء الاخضر للاستمرار في سياستها بتجاوز القانون الدولي والقفز عن قرارات الشرعية الدولية.
الحدث الاول هو تعيين “اليهودي” دونالد فريدمان سفيرا للولايات المتحدة في اسرائيل والذي عرف بميوله لإسرائيل وتأييده للاستيطان حتى ان هذه الخطوة لاقت ترحيبا حارا من اليمين الاسرائيلي المتطرف بحكم ماضي فريدمان وتاريخه في دعم حركات الاستيطان الإسرائيلية. فقد تناقلت وسائل الإعلام عن فريدمان انه كان يترأس منظمة الأصدقاء الأمريكيين لمستوطنة “بيت – ايل” والتي حولت الملايين من الدولارات لتمويل عمليات الاستيطان الإسرائيلية،وقد اثار تعيين فريدمان قلقا في اوساط وزارة الخارجية الامريكية باعتباره يؤسس لمرحلة تتسم بالابتعاد عن الوعود الامريكية بإيجاد تسوية شاملة للصراع على اساس حل الدولتين.
الحدث الاخر الذي سيكون له انعكاساته السلبية الواضحة على واقع الصراع هو عزم ترامب على نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس والتي بموجب القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية تعتبر اراض محتلة على اسرائيل الانسحاب منها. هذه التوجهات الامريكية فتحت الباب امام تساؤلات عديدة حول دور الولايات المتحدة في الحفاظ على القانون الدولي لنجد ان هذه الاجراءات الامريكية هي نسف للقانون وكسر لقرارات الشرعية الدولية.
تساؤلات مشروعة ابقت الولايات المتحدة في خانة الاتهام بصفتها المدافع الاول عن الديمقراطية وحقوق الانسان وفي ظل ازدواجية المعايير التي وسمت بها السياسة الامريكية عندما يتعلق الامر بإسرائيل.
كيف يمكن للولايات المتحدة ان تظهر بمظهر الدولة التي تتربع على عرش السياسة الدولية وتتخذ من مجلس الامن الدولي منبرا لفرض سياستها بخصوص النزاعات والصراعات الدولية وتدعي حرصها على حفظ الامن والسلم الدوليين من ناحية وتخترق هذه القاعدة من ناحية اخرى.
القانون الدولي غير قابل للتجزئة ولا يمكن فرضه على اجزاء من العالم واستثناء اسرائيل من هذه القاعدة فهنا تفقد الولايات المتحدة مصداقيتها. هل تفصل الولايات المتحدة نفسها عن الصراع وتتراجع في مواقفها وتفقد دورها كراعي لعملية السلام وهي التي كانت وصلت الى استنتاجات ادركت من خلالها ان التهديد الاستراتيجي لمصالحها في المنطقة يأتي من عدم الاستقرار الاقليمي وهذا يتطلب عملا جادا من اجل تقليل احتمالات زعزعة الاستقرار العام في الشرق الاوسط، لهذا بدأت الولايات المتحدة بوضع امكانياتها وبقوة لحل القضية الفلسطينية في اطار يرضي القومية الفلسطينية ويضمن بقاء “اسرائيل” وأمنها، فدوام التنكر الذي لا مبرر له للحقوق الوطنية الفلسطينية سوف يستمر بدفع المنطقة نحو مزيد من الانفجار ثم ان اجراءات تسوية عربية اسرائيلية مسالة تتعلق بخدمة المصالح الامريكية وهي مصالح تتحقق بصورة جدية اذا ما تسنى احراز تقدم في عملية السلام.
بين الامس واليوم تتغير وتتبدل المواقف والاستراتيجيات وتعم التناقضات فبالأمس كان تحقيق السلام في المنطقة وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه مصلحة امريكية حيث كانت تقدمت الولايات المتحدة بورقة ضمانات لمنظمة التحرير الفلسطينية للتوصل الى سلام على اساس حل الدولتين لقاء الاعتراف الفلسطيني باسرائيل. لكن الموقف الامريكي تحول بشكل مغاير تماما وباتت المنطقة تحت تأثير نهج الانسحاب الامريكي من عملية السلام من جانب واحد دون التنسيق مع شركاءها في عملية التسوية وصب هذا الانسحاب في صالح اسرائيل التي لا تريد السلام. هذه التطورات في المواقف الامريكية دفعت بصائب عريقات امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بالتهديد بسحب الاعتراف باسرائيل في حال اقدمت الادارة الامريكية الجديدة بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس المحتلة موضحا في الوقت ذاته ان الاعتراف بإسرائيل لم يكن مجانيا ولسان حاله يقول ان ثمن التسوية السياسية كان يدور حول تأكيدات الولايات المتحدة في حصول الفلسطينيين على دولة مستقلة.
هذا الانسحاب يعتبرا فشلا للإستراتيجية الامريكية التي عجزت في احداث اختراق عملية التسوية التي وعدت بتحقيقها وفشلت في احداث اختراق في المواقف الاسرائيلية المتصلبة وترتب على ذلك تنصل اسرائيل من كافة استحقاقات عملية السلام وارتفاع وتيرة الاستيطان مما وضع السياسة الامريكية في مأزق تحت تأثير الانحياز الامريكي لإسرائيل.
فاذا كانت الولايات المتحدة قد اختصرت المسافة سابقا وساهمت في تقريب مواقف اطراف الصراع بضرورة التوصل الى تسوية ودخول اسرائيل المفاوضات فانها اليوم اعادت الصراع الى عناصره الاساسية ومراحله التي سبقت الاعتراف المتبادل بين هذه الاطراف وانحسر الدور الأمريكي في المنطقة ولم تعد الولايات المتحدة تدعي دور الوسيط النزيه في الصراع بل حسمت موقفها لصالح غلاة اليمين المتطرف ولصالح المستوطنين وسياسة الاستيطان الإسرائيلية فقد سقط القناع عن وجه الإدارة الأمريكية التي حاولت خلال العقدين الماضيين لعب دور الراعي النزيه في إيجاد تسوية سلمية عادلة في ظل عدم قدرتها او عدم ارادتها في حفظ التوازنات في عملية الصراع مع ان الولايات المتحدة الامريكية كانت دائما تحاول ان تستحوذ بشكل كامل على كل الجهود السياسية المرتبطة بالعملية التفاوضية بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي وأنها لم تكن يوما تسمح لأية جهة أن تدخل على خطها ومشاركتها المسئولية في انهاء الصراع.

Exit mobile version