فيدرالية أبو مرزوق .. مخاطرها وتداعياتها

في الوقت الذي كان فيه العالم يتابع الأحداث والتحولات الجارية على الساحة الدولية والمتعلقة بالقضية الفلسطينية بصدور قرار مجلس الأمن الدولي بإدانة سياسة إسرائيل الاستيطانية ومطالبتها بالتوقف عن ذلك والذي تزامن أيضا مع الموقف الأمريكي الذي عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وأعلن أن الاستيطان يشكل العقبة الرئيسية أمام حل الدولتين، وفي الوقت الذي كان شعبنا الفلسطيني يتهيأ فيه للاحتفال بانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة ويبتهج بالانجازات التي تحققت على الساحة الدولية كان على الجانب الآخر يقف موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس ويدلي بتصريحات شابها نوع من الغرابة وشكلت مفاجأة داخل الأوساط السياسية الفلسطينية.
في معرض حديثه حول الأوضاع السياسية والحراك السياسي الجاري داخل الساحة السياسية طرح أبو مرزوق رؤيته لمستقبل الدولة الفلسطينية طارحا حلولا غريبة بإقامة دولة اتحادية فيدرالية تجمع قطاع غزة والضفة الغربية. وبالرجوع إلى مفاهيم العلاقات الدولية فان الاتحاد الفيدرالي ينشأ عادة بين ولايات او دول ذات التنوع العرقي والمذهبي والتركيبة السياسية المتعددة الميول والاتجاهات المتعارضة. فإذا كانت أهداف حماس تلتقي مع المفاهيم والأهداف الوطنية الفلسطينية في رؤيتها لمعالجة الصراع وإنهاء الاحتلال فان هذا يشكل لقاء وطنيا ويدحض مفاهيم ابو مرزوق الجديدة هذه،كما أن مشروع أبو مرزوق يتعارض كليا مع مبادئ ومرتكزات النظام الفيدرالي حيث ان مثل هذا الاتحاد لا يقوم بين أبناء الشعب الواحد الذي تجمعه وحدة الأهداف.
وإذا كانت هموم حماس وأهدافها تتركز وتتجه نحو المشاركة في السلطة من خلال طرحها لمفهوم الدولة الفيدرالية فان الأبواب باتت مشرعة أمام حماس للمشاركة فيها من خلال إعادة ترتيب هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية التي دعيت حماس إليها من بوابة المشاركة في اجتماع اللجنة التحضيرية لانعقاد المجلس الوطني والمنوط به انتخاب قيادة سياسية جديدة تتوفر لحماس فرصة المشاركة فيها إضافة إلى أن حماس شريكة في حكومة الوحدة الوطنية بحكم موافقتها على تشكيلها.
لكن على ما يبدو فان حماس تبحث عن إدارة جديدة للخلافات مع حركة فتح تبقيها ضمن المشهد السياسي الفلسطيني وتبحث عن أوراق قوة جديدة تحاول من خلالها الضغط على القيادة الفلسطينية لفرض مواقف جديدة فيما يتعلق بإعادة هيكلة منظمة التحرير والتي لا تريد حماس إضاعة فرصتها بما يبقيها خارج التيار، حيث أدركت حماس جيدا ان هذه هي الفرصة الأخيرة التي تستطيع من خلالها الانخراط في النظام السياسي الفلسطيني ودخولها منظمة التحرير لكن بشروطها وليس من خلال البرنامج السياسي الحالي لمنظمة التحرير فلذلك لا زالت تناور من اجل الرضوخ لمواقفها او على الأقل جزء منها.
مشروع ابو مرزوق هو ضربة جديدة للمشروع الوطني الفلسطيني فمواقف حماس المتعارضة تتصاعد دائما مع كل انجاز فلسطيني يتحقق على الساحة الدولية. فبعد الانجازات السياسية التي حققتها القيادة الفلسطينية على الساحة الدولية والمحلية وتحديدا في قرار مجلس الأمن الذي أكد على العمق الاستراتيجي للقضية الفلسطينية وامتداد جذورها على مبادئ الحرية والاستقلال وعلى رفض الاستيطان بما يتضمن الحفاظ على الأراضي الفلسطينية ووحدتها وساهم في وضع القضية الفلسطينية في بؤرة الاهتمام الدولي من جديد، نجد ان ابو مرزوق يصر على تفتيت وحدة الوطن وإبقاء حالة الانقسام قائمة وهو ما يتساوق مع الموقف الإسرائيلي.
بعد كل هذه المعطيات فان حماس تبحث عن كيان جديد لها لان قرار مجلس الأمن يؤسس لمرحلة قادمة على أعتاب قيام الدولة الفلسطينية والتي بقيامها ستفقد حماس أوراقا كثيرة في ظل ابتعادها عن المشهد السياسي الفلسطيني الذي تحكمه اعتبارات وطنية قد تكون حماس بعيدة عنها.
ربما غاب عن أبو مرزوق بان مشروعه الجديد الذي يكمن في الاتحاد الفيدرالي سيكون له تداعيات أيضا غابت عن ذهنه حيث ان نظام هذا الاتحاد يقوم على وجود حكومة مركزية لها سلطاتها السياسية الخارجية منها والداخلية وقد لا تستطيع حماس فرض مواقفها على السلطة المركزية، كما ان قيام مثل هذا الاتحاد سيعيدنا إلى المربع الأول لان هذا الاتحاد بحاجة الى دستور فدرالي سيكون محل خلافات حادة حول البرامج السياسية المقترحة، ولذلك فان الحلول الواقعية اقرب الى الصواب منها إلى الاستحالة، فأمام حماس فرصة للعودة إلى المفاهيم الوطنية إذا توافرت لديها نوايا وطنية صادقة وذلك بالإعلان ان قطاع غزة هو جزء من الأراضي الفلسطينية والدولة الفلسطينية تحت سلطة القيادة الشرعية الفلسطينية.

بقلم: مركز الإعلام

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version