انتصار دبلوماسي للفلسطينيين

بقلم: محمد عايش

يعلم الفلسطينيون أكثر من غيرهم أن إسرائيل لن تلتزم بقرار مجلس الأمن الجديد الذي يحمل الرقم (2334) الذي يدين الاستيطان ويُطالب بوقفه، لأن القرار الجديد ليس أكثر أهمية ولا أكثر إلزامية من القرارات السابقة، التي تجاهلتها قوات الاحتلال، لكن القرار الجديد مع ذلك يُمثل انجازاً كبيراً بكل المقاييس والمعايير، ويمثل تطوراً مهماً ومحوريا في مسار القضية الفلسطينية عموماً، وفي قضية الاستيطان على وجه الخصوص.
القرار الجديد الصادر عن مجلس الأمن، أول إدانة من نوعها للاستيطان الإسرائيلي منذ 36 عاماً، كما أنه وثيقة جديدة لإثبات الحق الفلسطيني على مر السنين المقبلة، ودليل على أن مئات آلاف المستوطنين يقيمون بشكل غير شرعي في الضفة الغربية، ويلتهمون أراضٍ سرقوها من الفلسطينيين، ولا يمكن أن يتم التعامل مع هذه المستوطنات على أنها جزء طبيعي من الدولة الإسرائيلية.
يوجد في الضفة الغربية حالياً 246 تجمعا استيطانيا يلتهم أكثر من 42% من أراضي الضفة الغربية المحتلة بالكامل، وهي الضفة التي تضيق أصلاً بأهلها، بسبب أن الجدار الفاصل التهم جزءاً آخر منها، وبسبب أن اسرائيل وسعت مدينة القدس المحتلة على حساب الأراضي المحيطة بها وعزلتها عن الضفة، واعتبرت أنها قضية منفصلة. الانتصار الدبلوماسي الفلسطيني لا يتوقف فقط عند كون الفلسطينيين حصلوا على اعتراف أممي عالمي بعدم شرعية المستوطنات ووجوب إخلائها، واعتبار الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية غير شرعي بالكامل؛ وإنما يمتد هذا الانتصار وهذا الإنجاز الى عدة مستويات استراتيجية مهمة أبرزها، أن القضية الفلسطينية لا تزال حاضرة على الساحة العالمية، ولا تزال مركزاً لاهتمام عالمي، رغم السنوات العجاف السابقة التي شهدها الملف الفلسطيني، وحالة الجمود في العملية السياسية، والانشغال العربي شبه الكامل عن القضية المركزية للأمة، وهي قضية فلسطين.
لقد أثبت التحرك الجديد أنَّ القضية الفلسطينية لا تزال حاضرة أممياً، بل إنَّ القرار الأممي الجديد الذي تراجعت عن تبنيه مصر وتبنته أربع دول غير عربية بكل شجاعة، في مواجهة الغول الاسرائيلي، يؤكد أن القضية الفلسطينية انتقلت من المستوى العربي إلى العالمي، كما أنها لا تزال قضية كل الأحرار في العالم ،على امتداد الأزمنة والأمكنة، وتبني كل من نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال لهذا القرار، وكل دولة من هذه الدول الأربع تنتمي إلى قارة مختلفة، خير دليل على ذلك.
النتيجة الأخرى الأهم التي يدل عليها نجاح القوى الحرة في العالم بتمرير القرار (2334)، أن مواجهة إسرائيل دبلوماسياً وفي المحافل الدولية أمر ممكن وليس مستحيلا، كما كان يريد البعض لنا أن نفهم، كما أن هزيمة جماعات الضغط التي تعمل لصالح اسرائيل، وشركات العلاقات العامة الممولة إسرائيلياً أمر ممكن أيضاً، وأن مواقف الدول الكبرى ليست ثابتة لا تتزحزح، بل يمكن تغييرها ويمكن التأثير بها، كما أن الرواية الاسرائيلية للصراع لم تعد مقدسة، والعالم بدأ يكتشف زيفها وكذبها شيئاً فشيئاً.
قرار مجلس الأمن الجديد قد لا يغير شيئاً من واقع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية على المدى القريب، لكن يكفي أنه يشكل انتكاسة للدبلوماسية الاسرائيلية، ويكفي أنه دليل على تحول في المواقف الدولية، بما في ذلك الرسالة التي أراد أن يبعث بها الرئيس باراك أوباما إلى تل أبيب في آخر أيامه بالبيت الأبيض، وهي رسالة غضب واضحة تُحمل الاسرائيليين فشل العملية السياسية طوال السنوات الثماني الماضية التي كان فيها أوباما يسعى إلى التوصل لحل سلمي.
المطلوب الآن من القيادة الفلسطينية أن تعمل بنشاط مع الدول غير العربية الداعمة للحق الفلسطيني، من أجل مواصلة العمل على الساحة الدولية على المنوال نفسه، وعلى الفلسطينيين أن يقتنعوا بأن قضيتهم ليست رهينة في أيدي العرب، وأن يتذكروا أن مصر سحبت مشروع القرار وحاولت تأجيل التصويت عليه، بينما تقدمت دول أخرى غير عربية به وتبنته؛ ما يعني دوماً أن علينا عدم انتظار العرب للتحرك، خاصة أن أغلبهم بات منشغلاً بهمه الداخلي، ولديه من الحسابات ما يمكن أن يُعطل العمل من أجل إنجاز ما يريده الشعب الفلسطيني.

عن القدس العربي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version