المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

أضواء على الصحافة الاسرائيلية 5 كانون الثاني 2017

صحف

المحكمة ادانت الجندي القاتل اليؤور ازاريا، والسياسيين، وعلى رأسهم نتنياهو، سارعوا الى المطالبة بالعفو عنه!

قرار ادانة الجندي اليؤور ازاريا بقتل الجريح الفلسطيني عبد الفتاح الشريف، بعد اصابته وسقوطه على الأرض من دون ان يسبب أي تهديد، اثار عاصفة كبيرة في اسرائيل، سواء على مستوى الشارع الاسرائيلي المتطرف، او على المستوى السياسي، اليمين خاصة، ولكن اليساري ايضا، الذي سارع بعض اقطابه، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغف، ووزير التعليم نفتالي بينت، الى المطالبة بالعفو التام عن الجندي القاتل، حتى قبل صدور الحكم النهائي وتحديد العقوبة.

وكما كان متوقعا، فقد كرست كل وسائل الاعلام الإسرائيلية عناوينها الرئيسية وعشرات الصفحات الداخلية لتغطية هذا الحدث، سواء من داخل قاعة المحكمة العسكرية، حيث قرأت رئيسة الهيئة القضائية قرار الحكم، او في الخارج، حيث تظاهر المئات من انصار اليمين المتطرف وعصاباته ضد المحاكمة وقادة الجيش والحكومة، وفي الكنيست حيث لم يتردد بعض المسؤولين الكبار في الحكومة والائتلاف الحكومي بالتشكيك بإجراءات المحاكمة الى حد اعتبارها “صورية ذات نتائج معروفة مسبقا”.

ونستعرض فيما يلي اهم ما جاء في التقارير التي تناولتها الصحف حول هذه القضية، الى جانب بعض التحليلات التي انتقيناها من بين عشرات مقالات الرأي التي شنرتها الصحف تعقيبا على القرار.

التقرير الرئيسي في صحيفة “هآرتس” تناول قرار المحكمة العسكرية بالإجماع، امس، ادانة العريف اليؤور أزاريا بالقتل، وكتبت ان القرار جاء بعد تسعة أشهر من قتله للمخرب الجريح في الخليل. وقالت انه على مدار ثلاث ساعات تقريبا، علل القضاة رفضهم لادعاءات ازاريا ومحاميه، وحددوا بأنه لم يطلق النار من خلال الشعور بالخطر، وانما لأنه قرر بأن “المخرب يستحق الموت”. وانتقد القضاة ازاريا وقالوا انه عرض رواية “متطورة وملتوية”، وادانوه، ايضا، بالسلوك غير الملائم. واعلن محامو ازاريا انهم سيستأنفون على القرار.

وحدد القضاة انه “لا يوجد خلاف على ان المشبوه لم يشخص وجود عبوة على جسد المخرب، ولذلك فانه لا يوجد مبرر لإطلاق النار عليه”. كما رفض القضاة ادعاءات الدفاع وحددوا بأن المخرب توفي جراء العيار الذي اطلقه أزاريا على رأسه.

كما حدد القضاة ان الرواية التي تدعي تخوف ازاريا من وجود عبوة جاءت بعد مشاوراته مع محاميه فقط. وفي هذا الصدد قالت رئيسة الهيئة القضائية العقيد مايا هيلر ان “قاعدة الادلة تدل على انه بعد قيام أزاريا بالحديث مع محاميه قام بطرح الادعاء بشأن العبوة المتخيلة. هذه هي الرواية التي ادلى بها امام الشرطة العسكرية، لكنه قبل محادثته مع محاميه لم يذكر بتاتا تخوفه من عبوة”.

رفض كل ادعاءات ازاريا

قرار الحكم على ازاريا والذي امتد على 97 صفحة، لا يترك أي ادعاءات من ادعاءات المحامين الا ويرد عليه. وعلى مدار حوالي ثلاث ساعات، قرأت القاضية هيلر الرد على كل رواية من الروايات التي طرحها ازاريا، وكل ادعاء عرضه طاقم المحامين. وكان قرارها قاطعا في النهاية، وبموافقة كل القضاة، بأنه تم اثبات اسس ارتكاب مخالفة القتل بشكل يفوق أي شكل من الشك المعقول.

الادعاء الأساسي الذي حاول ازاريا من خلاله تبرير اطلاق النار، كان الخوف من وجود عبوة على جسد “المخرب” عبد الفتاح الشريف. لقد قال انه سمع صراخا وشاهد المخرب يرتدي معطفا اسودا ومنفوخا، فتخوف على حياته وحياة المتواجدين من حوله. لكن تحليل قرار الحكم يبين بأن القضاة اثبتوا عدم اتفاق ادعاءات ازاريا مع الحقائق والأدلة:

التخوف من عبوة: لقد ادعى ازاريا بأنه سمع صرخة “احذروا، توجد عليه عبوة” – فاطلق النار فورا. لكن القضاة حددوا بأن اطلاق النار جاء بعد دقيقتين من اطلاق الصرخة. وقد ادعى ازاريا خلال التحقيق معه في الشرطة العسكرية انه كان يجب عليه اتخاذ قرار “خلال اقل من ثانية” بسبب التخوف من العبوة، ولذلك تصرف على الفور، واطلق النار على رأس المخرب. لكن القضاة وبناء على الافلام التي وثقت للحادث، قالوا انه تم سماع الصرخة بعد دقيقتين من اطلاق النار. وانتقد القضاة تبريرات ازاريا لأنه هو الذي ربط بين الصرخة وتوقيت اطلاق النار.

ازاريا تصرف بهدوء: لقد ادعى الجندي في المحكمة، بأنه عمل بشكل عاجل بسبب خطر وجود عبوة، وقال: “في اللحظة التي شخصت فيها الخطر، تصرفت… في الميدان يمكن ان تكون هذه اللحظة حيا وبعد لحظة ميتا”. لكن القضاة حددوا بأن ازاريا تصرف خلال الحادث كله بشكل هادئ. فبين الصرخة التي حذرت من امكانية وجود عبوة على جسد المخرب، وبين اطلاق النار، احضر ازاريا خوذته من الجانب الثاني للشارع، في موقع “جيلبر” العسكري، وسلمها لاحد رفاقه، ثم سحب الزناد، وصرخ بمن احاطوا به، ومن بينهم قائد الفرقة الرائد توم نعمان: “تحركوا، تحركوا” واطلق النار على المخرب. ويحدد القضاة بأن المتهم عمل بشكل مدروس، وسلوكه “لا يتفق مع الشعور بالخطر الذي يحتم الرد الفوري والعاجل”. ويشير القضاة الى انه “ليس من الواضح لماذا قرر خلع الخوذة اذا اعتقد بأن المخرب يحمل عبوة”.

لم يحذر من العبوة: حسب ازاريا فقد اطلق النار “من اجل انقاذ حياة المتواجدين في المكان”، لكن القضاة يسألون، لماذا لم يحذر ازاريا القوة بشأن العبوة، بعد قيامه بإطلاق النار، اذا كان قد تخوف فعلا من وجود عبوة. وحدد القضاة ان سلوكه لا يتفق مع الشعور بالخطر من وجود عبوة. الاشرطة التي تم نشرها في “هآرتس” اظهرت ازاريا وهو يصافح باروخ مرزل ويبتسم في الوقت الذي عالج فيه الجنود جثة المخرب. ويحدد القضاة بأن ازاريا لم يحذر الجنود الذين نقلوا الجثة من الخطر الذي ادعى انه اطلق النار بسببه، وانه كان يجب تحذيرهم لأن النار التي اطلقها ازاريا على المخرب لم تُنه الخطر الذي وصفه. وكتب القضاة: “ساد لدينا الانطباع بأنه بعد اطلاق النار لم يصب المتهم باهتياج عصبي او صدمة كما ادعى، والدليل على ذلك هو توثيقه وهو يتحرك بهدوء بل يتحدث مع المحيطين به بشكل حر”.

آخرون ارتدوا معاطف: من الادعاءات الاخرى التي طرحها ازاريا – والكثير من الشهود الذين حضروا الحادث – هو ادعائه بأن المخرب ارتدى معطفا. وقال خلال الادلاء بإفادته: “تخوفت من المخرب بسبب ارتدائه للباس غير اعتيادي، معطف كبير من الفرو واسود وسميك”. وقد رفض القضاة كون المعطف من الفور اوانه كان سميكا، بناء على الصور التي تم التقاطها في معهد الطب الشرعي. كما اعتمد القضاة على وجهة نظر للأرصاد الجوية، والتي اشارت الى أن درجة الحرارة تراوحت ما بين 17.4 إلى 19.4، وأضافوا أنه حتى لو كان هذا اللباس، المعطف، يثير الشبهات، فقد كان جزء كبيرا من الحاضرين في المكان يرتدون الملابس الدافئة، بما في ذلك المعاطف”.

المسافة بين المخرب والسكين: لقد ادعى أزاريا انه اطلق النار على المخرب لأنه تحرك وكان على مسافة قصيرة جدا من السكين. وفي وقت لاحق تراجع ازاريا عن روايته الاولى امام الشرطة العسكرية والتي ادعى خلالها انه شاهد المخرب وهو يقرب يده من السكين، وادعى امام المحكمة فقط ان السكين كانت قريبة منه. وقال القضاة ان هناك تناقضات بين افادات ازاريا حول موقع السكين، وبين الأدلة الواضحة في الشريط، وافادات الآخرين. وحدد القضاة بأن السكين كانت بعيدة عن المخرب مسافة عدة امتار.

المخرب قتل بنيران ازاريا: لقد أشار القضاة الى انه خلافا لقول ازاريا بأنه شاهد المخرب وهو يتحرك فقد حاول الدفاع عنه الادعاء بأن المخرب مات قبل قيام ازاريا بإطلاق النار. ومن جملة ما ادعاه الدفاع ان المخرب توفي جراء النيران الاولى التي اطلقها الجنود عليه، وانه توفي قبل نيران ازاريا، جراء تسلل الهواء الى قلبه. ورفض القضاة في قرارهم ادعاء الدفاع بأن ازاريا لم يقتل المخرب، وانتقدوا الدفاع وحددوا بأن المخرب مات نتيجة نيران ازاريا.

في هذا الصدد، تبرز “يديعوت احرونوت” رفض القضاة لوجهة النظر التي قدمها البروفيسور يهودا هيس، المدير السابق لمعهد الطب الشرعي، الذي فصل من عمله في 2012 على خلفية “قضية الخلايا”. لقد ادعى هيس الذي حضر بطلب من الدفاع، ان “المخرب” كان ميتا عندما اطلق عليه ازاريا النار. وحدد في وجهة نظره بأن موت المخرب نجم عن “فشل حاد في الجهاز التنفسي، إلى جانب دخول الهواء الى القلب والدماغ بعد اصابته في الرئة اليمنى بعيارين. ولا يمكن نفي امكانية ان اصابة العيار لرأس الميت جاءت بعد وفاته”!

في المقابل استمعت المحكمة الى افادة د. هداس جيبس، من معهد الطب الشرعي، والتي قامت بتشريح جثة “المخرب” واستنتجت بأن العيار الذي اطلقه ازاريا هو الذي قتل المخرب. وقد اختار القضاة تبني رواية جيبس ورفض رواية هيس، بل وانتقاده، حيث جاء في القرار ان “وجهة نظر البروفيسور هيس لا تتفق بتاتا مع الاستنتاج الرئيسي للدكتور جيبس، والتي تقول ان النزيف الواسع في الطبقة الداخلية للجمجمة وفي عضلات الصدغ تدل على ان “المخرب” كان حيا عندما تم اطلاق النار على رأسه. في اطار وجهة نظره حرر هيس نفسه من مناقشة هذه المسألة.. هل يمكن التفكير بأن وجهة نظر الخبير من قبل الدفاع لا تتطرق الى الادعاء الرئيسي لمن اجرت التشريح حول سبب الموت؟ لقد رفض البروفيسور هيس التطرق، ولو بشكل نظري الى الادعاء الذي عرضته د. جيبس، والذي يقول ان وجود النزيف في الدماغ يدل بشكل واضح على ان “المخرب” كان على قيد الحياة عندما تم إطلاق النار على رأسه. لقد سئل البروفيسور هيس المرة تلو الأخرى: “اذا اجريت عملية تشريح لجثة ورأيت وجود الكثير من الدم تحت الطبقة الداخلية للجمجمة وفي عضلات الصدغ، هل تؤكد لي بأن هذا دليل جيد على ان الإنسان توفي نتيجة اطلاق النار”، لكنه تهرب من الرد. امتناع البروفيسور هيس عن تقديم رد على هذه التساؤلات التي تتطرق الى استنتاجات د. جيبس، يتحدث من تلقاء نفسه”.

لا يوجد مبرر لإطلاق النيران القاتلة: وتضيف “هآرتس” انه خلال افادته ادعى ازاريا انه عمل حسب اوامر اطلاق النار، التي قال بأنه يعرفها جيدا. وقال ازاريا امام المحكمة “اذا ساد لديك الاشتباه المعقول بأن المخرب يملك وسيلة وانت لا تراها، ولكنه يسود لديك الشك، فان هذا يكفي لكي تحبطه. لماذا؟ لأنهم يقولون انه اذا ساد الشك، فانه لا يوجد شك”. وحدد القضاة بأن ازاريا لجأ الى تفسير خاطئ، فمقولة “اذا ساد الشك، فانه لا يوجد شك” لم تهدف لتبرير كل اطلاق للنار. “الشك يبرر، ان لم نقل يلزم، اتخاذ كافة الاجراءات الممكنة من اجل فحص الاشتباه وعدم تركه غامضا.. سيما ان هذا الشك لا يبرر اطلاق النار من اجل انتزاع الحياة”. واكد القضاة: “قل منذ الان: تشريع النيران التي تهدف للقتل، فقط على اساس الاشتباه هو مسألة ممنوعة. مثل هذا العمل يمس بحصانة الجيش الاخلاقية وبحصانة جنوده، بل يمس بمهنية الجيش”.

قرار الحكم بعد اسبوعين والعائلة تدرس الاستئناف

لقد اوضح محامو ازاريا بعد سماع قرار الادانة بأنهم يستعدون لتقديم استئناف ضد ادانة ازاريا بالقتل. واعلن شارون غال، المقرب من العائلة ان المحامي يورام شفطل سينضم الى طاقم المحامين. والى ان يتم ذلك، يجب ان يصدر قرار الحكم على ازاريا والعقوبة التي ستفرض عليه، من قبل القضاة الثلاثة العقيد هيلر، العقيد وهبي، والمقدم سيطبون. ومن المنتظر ان يتم ذلك خلال الاسبوعين القريبين.

وتنشر “يسرائيل هيوم” انه قبل دخولهم الى قاعة المحكمة، امس، كان ابناء عائلة ازاريا متوترين، وانفجرت امه بالبكاء فيما تم استقبال اليؤور بالتصفيق والاحتضان مع دخوله الى القاعة، حيث جلس بين والدته وصديقته.

وخلال قراءة قرار المحكمة ساد شعور صعب بين افراد اسرته ورفاقه في القاعة. وقامت احدى المتواجدات في القاعة بالصراخ “يساريون مقرفون” وخرجت من القاعة. وتم اخراج اخرى بعد ان صرخت: “ابني في موديعين لن يذهب الى الجيش غدا”. وصرخت والدة ازاريا: “هذه لعبة مبيوعة”.

وبعد النطق بقرار الحكم، اختارت عائلة ازاريا الانغلاق داخل بيتها في الرملة، فيما وصل الى هناك الكثير من ابناء العائلة والاصدقاء والمؤيدين لها.

وفي بيان نشرته العائلة، قالت: “العائلة مجتمعة في البيت لكي تستوعب القرار وتقرر الخطوات القادمة على المستويين القضائي والشعبي. العائلة تشكر الجمهور الذي وقف الى يمينها في الساعات المصيرية وتستمد التشجيع والقوة من المحبة الكبيرة التي اغدقت عليها”.

وحسب اقرباء للعائلة فقد بدأ التشاور مع المحامين وشخصيات اخرى لفحص الخطوات الاخرى التي يجب اتخاذها. وحسب اقوالهم “يمكن بدء العمل على تفعيل الضغط الجماهيري للعفو عن ازاريا قبل صدور قرار العقوبة. لكن الاجراء القانوني يحدد انه يمكن تقديم طلب بالعفو فقط بعد صدور القرار واستنفاذ كل الخطوات القانونية، بما في ذلك الاستئناف.”

وقال المحامي ايلان كاتس، احد الذين يمثلون ازاريا، لصحيفة “هآرتس”: “اننا نحترم قرار المحكمة، وكما قلت سنقوم بدراسته جيدا. ومن الواضح اننا سنستأنف عليه. وقد طلبنا اصدار الحكم قريبا كي لا نخسر الوقت”. وحول انتقادات القضاة لطاقم الدفاع، قال كاتس: “هذه طريقة معينة لكتابة قرار عندما يريدون ضد الادعاءات ضد المحكمة والنيابة. نحن لا نتأثر من ذلك. لقد فعلنا كل شيء في هذا الملف. كون المحكمة تحدد بأنه تم ارتكاب اخطاء من قبل الدفاع لا يعني انها محقة”.

وقال المحامي ايال بسرجليك، زميل كاتس في الدفاع ان “الادلة تتحدث من تلقاء نفسها. نحن سندرس القرار بكامل تفاصيله”.

“تهديد بقتل رئيس الاركان”

في اطار تغطيتها لأحداث امس في تل ابيب، تبرز الصحف مظاهر التحريض التي رافقت المظاهرة التي جرت امام مقر وزارة الامن (الكرياه) في تل ابيب، خلال قراءة قرار الحكم على ازاريا، والتي تم خلالها ترديد هتافات وصلت حد تهديد رئيس الاركان غادي ايزنكوت بالقتل. فلقد رفع المتظاهرون لافتات ورددوا هتافات ضد القضاة ورئيس الحكومة ورئيس الأركان ورجال الاعلام البارزين. وصرخت مجموعة من المتظاهرين “غادي، غادي، احذر، رابين يبحث عن صديق”، (المقصود تهديد لرئيس الأركان غادي ايزنكوت بمصير مشابه لرئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين الذي قتله يميني متطرف بعد اوسلو).

وتكتب “هآرتس” انه خلال قراءة قرار المحكمة، وقبل اعلان ادانة ازاريا، اندفع المتظاهرون الى شارع كابلان وسدوه طوال عدة دقائق، ودخلوا في مواجهة مع الشرطة، وحاول بعضهم الاعتداء على افرادها. وكان بين المتظاهرين نشطاء من تنظيمات اليمين المتطرف “لهباه” و”لافاميليا”. وتم اعتقال اربعة متظاهرين واطلاق سراحهم لاحقا. وبعد عودة المتظاهرين الى الرصيف انضمت اليهم النائب نافا بوكير من الليكود.

ومن الشعارات التي رفعها المتظاهرون: “اليؤور ولد للحرية”، و”شعب اسرائيل يدعم وينحني للجندي البطل”. كما رفعوا اعلام اسرائيل. وقالت الشرطة انه على الرغم من كون التظاهرة غير مرخصة فقد تم السماح بها من خلال الرغبة بإتاحة حرية التعبير والاحتجاج، لكنها لن تسمح بخرق النظام العام وستعالج كل نشاط عنيف بيد قاسية”.

وقرر الجيش تعزيز الحماية حول طاقم القضاة في محاكمة ازاريا، مايا هيلر وكرمل وهبي ويارون سيطبون، وكذلك المدعي العسكري نداف فايسمان.

وحول هذه المظاهرة كتبت “يديعوت احرونوت” انه يوم امس، كان هناك الكثير من الجهات المستهدفة بالنسبة للمتظاهرين خارج قاعة المحكمة العسكرية في “الكرياه”. لقد تم توجيه هتافات التحريض ضد وسائل الاعلام (“المومس”)، وزير الامن السابق (“بوغي هذا اسم كلب”) والقضاة (“اهانة”) ولكن النار المباشرة والاكثر خطورة، تم توجيهها الى الجندي الاول، رئيس الاركان غادي ايزنكوت. لقد انشد عشرات ان لم يكن مئات المتظاهرين شعار “غادي، غادي احذر، رابين يبحث عن صديق”.

في ساعات الصباح الباكر، وقبل ساعات عديدة من بدء المحاكمة، بدأ انصار الجندي اليؤور ازاريا بالتجمع بالقرب من مفترق عزرئيل، وكلما مضى الوقت، وخف المطر، تزايد عدد المتظاهرين الذين رفعوا اعلام اسرائيل وشعارات تؤيد الجندي. وانتمى الكثير منهم الى تنظيمات لهباه ولا فاميليا – انصار بيتار تل ابيب.

وقد وقعت مواجهة بين المتظاهرين والشرطة عندما اجتاح المتظاهرون الشارع وحاولوا اغلاقه. ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل توجه قسم منهم الى بناء مجاور حيث يعمل العرب وبدأوا بالصراخ “محمد مات” وشتمهم. ومن ثم كان الصحفيون الذين وصلوا الى المكان، هم الضحايا القادمين. فقد تم دفع المراسلين والمصورين، وحاولت مجموعة من المتظاهرين الهجوم على مقدم النشرة الاخبارية في القناة الثانية دان كشميرو، لكن الشرطة وعدد اخر من المتظاهرين منعوا الاعتداء. وخشية وقوع اعتداءات احرى، طالبت الشرطة الصحفيين بالخروج من بين المتظاهرين.

لكن الهجوم الارعن استهدف رئيس الاركان ايزنكوت. وقد بدأ ذلك بترديد هتاف “ايزنكوت الى البيت”، ثم وصل الأمر حد التهديد حين تمت المقارنة بينه وبين رئيس الحكومة القتيل، يتسحاق رابين. ولم يتوقف الأمر على ذلك، فقد قال احد قادة المظاهرة، ران كرميلي بوزغلو، الناطق بلسان عائلة ازاريا للمتظاهرين: “النضال لن ينتهي طالما لم يتم اقصاء رئيس الاركان السمين هذا بشكل مخجل”.

تحريض على الشبكة الاجتماعية

وتكتب “يسرائيل هيوم” ان الشبكة الاجتماعية عصفت امس، بعد صدور الحكم على الجندي ازاريا. واعربت بعض المنشورات عن دعم الجندي واسرته، بينما كانت هناك منشورات حرضت على رفض الخدمة في الجيش.

ففي بعض المنشورات التي كتبت في الفيسبوك وردت تصريحات بالغة، وصلت حد الدعوة الى تمرد عسكري، ومن بينها: “اليؤور دخل السجن؟ كلنا سندخل السجن” و”لن نخدم في جيش كهذا”.

وتوافقت هذه المنشورات مع هتافات مشابهة سمعت خلال التظاهرة في منطقة “الكرياه” فور صدور قرار الادانة. في احدى الصور التي نشرت على الشبكة الاجتماعية، امس، ظهرت الدماء تسيل من ايدي الجنود، بينما كتب على بطاقة مرافقة: “الجهاز القضائي انت تقتلنا من الداخل”.

والى جانب هذه الصورة القاسية، كتبت احدى الجنديات في مجموعة “جنود يغردون”: “لو كان ازاريا ذكيا، لكن قد اغتصب المخرب بدل قتله. يفضل تخفيض الرتبة على الجلوس في السجن.”

ويستدل من بيانات اعدتها شركة vigo، الخبيرة في تحليل الحوار على الشبكة الاجتماعية ان قضية ازاريا كانت اكثر موضوع تم تداوله على الشبكة الاجتماعية في 2016، حيث بلغ عدد المنشورات 400 الف، والموضوع الرابع الاكثر متداولا في وسائل الاعلام، حيث وصل الى 20 الف تقرير وتذكير. ويوم امس، فقط، ظهر على الشبكة حوالي 30 الف تذكير بالقضية، شملت مجموعة من الآراء قبل صدور القرار وبعده. وحتى صدور القرار حظي ازاريا بتأييد 70% من رواد الشبكة، وارتفعت النسبة الى 77%، وتم ذكر كلمة “العفو” في اكثر من نصف المنشورات الاجتماعية.

وكان هناك من اطلقوا تصريحات متطرفة، شملت الشتائم والتهديد: 4000 شتيمة ودعوة الى ممارسة العنف ضد القاضية هيلر، 2500 شتيمة ودعوة لممارسة العنف ضد رئيس الأركان، 1000 شتيمة ضد المحكمة، وكذلك تصريحات ضد الرئيس ريفلين الذي لم يصرح حتى الان في موضوع العفو.

وتنشر “يديعوت احرونوت” ضمن تغطيتها للتحريض ان انصار ازاريا نشروا تحريضا على القاضية هيلر ادعوا فيه زورا انها شقيقة الناشطة السياسية طالي فحيمة، المعروفة من صداقتها لزكريا الزبيدي، ناشط فتح في جنين، والتي اعتقلت لفترة بسبب تلك العلاقة.

نتنياهو على رأس المطالبين بالعفو

كتبت “هآرتس” ان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، نشر مساء امس، بيانا يعلن فيه دعمه للعفو عن الجندي اليؤور ازاريا، وجاء في البيان المقتضب الذي نشره نتنياهو، ايضا، على صفحته في الفيسبوك، ان “هذا يوم صعب ومؤلم لنا جميعا – اولا للجندي اليؤور ازاريا وعائلته، ولعائلات جنودنا وانا من بينهم”. ودعا نتنياهو الى التصرف بمسؤولية ازاء الجيش وقادته ورئيس الاركان، وكتب: “لدينا جيش واحد، وهو قاعدة وجودنا. جنود الجيش هم ابناؤنا وبناتنا، ويجب ان يبقوا فوق كل خلاف”.

وقبل ذلك، قال وزير الامن السابق، موشيه يعلون، في شريط مصور نشره على صفحته في الفيسبوك ان “سبب استمرار المحكمة لفترة طويلة هو الاستغلال الساخر للحادث من قبل سياسيين اصحاب مصلحة، لمصلحتهم الشخصية. بدل قيامهم بالقيادة استغلوا اليؤور وعائلته من اجل تحقيق عدة مقاعد. لقد كذبوا عليكم. انا اخجل بهؤلاء السياسيين”.

وقال وزير الامن افيغدور ليبرمان ان “قرار الحكم صعب” وانه يطلب “ممن يحبونه اكثر، وكذلك ممن يحبونه اقل، مثلي، ان يحترموا قرار المحكمة ويحافظوا على الانضباط”. وقال ليبرمان: “سنعمل من اجل التخفيف عن ازاريا وعائلته”. ودعا رجال الجمهور الى التوقف عن مهاجمة رئيس الأركان، قائلا: “يجب الحفاظ على الجيش فوق وخارج كل نقاش سياسي”.

ودعا وزير التعليم نفتالي بينت الى العفو فورا عن ازاريا، وقال انه “تم تلويث الاجراءات منذ البداية. المقولات الخطيرة التي صدرت عن القيادة السياسية قبل بدء التحقيق، وغياب الجندي نفسه عن التحقيق التنفيذي، والمرافقة الاعلامية السلبية (بما في ذلك في اذاعة الجيش) سببت لاليؤور ضرارا لا يمكن تصحيحه”. وقال بينت: “لقد طالبت بالعفو عنه قبل صدور القرار كما حدث في قضية الباص 300. لكن هذا لم يحدث للأسف”. وقال انه يتوقع من ليبرمان ان “يكون مخلصا لوعوده الكثيرة وان يعمل على العفو فورا عن الجندي”.

كما قالت وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغف انها ستعمل من اجل العفو عن ازاريا، وقالت “ان المحكمة الأساسية في هذه القضية هي محكمة ميدانية، فرض فيها المحللون والسياسيون الحكم على ازاريا قبل انتهاء التحقيق العسكري للحادث”.

كما اعربت النائب شيلي يحيموفيتش (المعسكر الصهيوني) عن دعمها لمنح العفو لأزاريا، وقالت ان “المحكمة عملت بمهنية وبشجاعة وحسب القانون والأدلة، والتهجم عليها يثير القشعريرة. ومع ذلك، فان المحكمة هي منطقة محمية تتحدث فيها الادلة، ولذلك يجب بعد صدور قرار الحكم دراسة امكانية العفو بحذر، كما حدث لرجال الشاباك في قضية الحافلة 300”.

وقال رئيس حزبها، النائب يتسحاق هرتسوغ، انه “يجب احترام قرار المحكمة”، مضيفا انه “يجب عدم تجاهل كون ازاريا هو ضحية للحالة، لكن القرار يعزز الجيش، لأنه لا يمكن تجاهل ظروف الحادث الذي يعكس واقعا غير محتمل في منطقة معقدة تواجه الجنود يوميا”.

وقالت رئيسة حركة ميرتس، زهافا غلؤون: “لا يمكن عدم تقدير رئيس الاركان ووزير الامن السابق يعلون على وقوفهما لوحدهما، تقريبا، دفاعا عن قيم الجيش ودفعهما ثمن ذلك، لأنه بالنسبة لقسم من اليمين، من السهل القول “اكثر جيش اخلاقي في العالم” ولكن عندما يحين موعد الدفاع عن هذه القيم، فانهم يختفون من الميدان”.

وقال رئيس القائمة المشتركة، ايمن عودة، انه “من الواضح ان الجندي يتحمل المسؤولية عن اعماله، لكن المسؤولين الحقيقيين هم حكومات اسرائيل التي تختار منذ 50 عاما تحويل الشبان والشابات الى جنود مهمتهم صيانة الحكم العسكري المفروض على جمهور مدني مسلوب الحقوق”.

70% من الاسرائيليين يدعمون العفو

وتكتب “يسرائيل هيوم” ان قضية اليؤور ازاريا ستواصل العصف بالدولة حتى فرض العقوبة عليه. ومع ذلك، يبدو ان الغالبية الساحقة من الجمهور الاسرائيلي، تملك رأيا راسخا يؤيد العفو عن الجندي.

وحسب استطلاع للرأي اجرته الصحيفة، امس، بالتعاون مع شركة “هجال هحداش” قال 70% من المشاركين في الاستطلاع انهم يؤيدون العفو عن ازاريا. وقال 19% فقط انهم يعارضون ذلك، فيما قال 11% انهم لا يملكون جوابا.

يشار الى ان الاستطلاع شمل 500 يهودي في جيل 18 عاما وما فوق. وتصل نسبة الخطأ الى 4.4%.

عائلة القتيل تهدد بالتوجه الى لاهاي

تكتب “يسرائيل هيوم” ان عائلة المخرب الذي قتله ازاريا تخشى ان يقود الضغط في اسرائيل الى العفو عن الجندي رغم ادانته. وقالت العائلة خلال مؤتمر صحفي عقدته في الخليل انها ستدرس التوجه الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي للمطالبة بمحاكمة ازاريا، بدعم من السلطة الفلسطينية. وقال فتحي الشريف، والد المخرب عبد الفتاح الشريف، لصحيفة “يسرائيل هيوم” انه عرف عن ادانة ازاريا حين كان يشاهد البث المباشر على القنوات الاسرائيلية، مضيفا: “نتخوف من ان يؤدي الضغط الى العفو عن الجندي او فرض حكم مخفف عليه. ليس نحن فقط يجب ان نطالب بالعدالة وانما الجمهور الاسرائيلي يجب ان يفعل ذلك ايضا”. واضاف: “نحن لا نحتفل وبالتأكيد لسنا سعداء. هذا لن يعيد لي ابني”.

“الجيش يحترم قرار المحكمة وسيدرس ابعاده”

في السياق نفسه، تكتب “يسرائيل هيوم” انه يصعب القول بان الكثير من القياديين الكبار في الجيش فوجئوا او صدمهم قرار المحكمة العسكرية بإدانة ازاريا. وهذا صحيح بشكل خاص، بالنسبة للقادة الذين قرأوا التحقيق العسكري، الذي تم توزيعه في الجيش، ويحدد بشكل قاطع بأن اطلاق النار على المخرب كان خاطئا، ولا يتلاءم مع نظم فتح النيران، بل تم وصفه ببالغ الخطورة.

ويوم امس، نشر الناطق العسكري بيانا رسميا جاء فيه ان “الجيش يحترم قرار المحكمة وسيدرسه مع ابعاده بشكل اساسي. لقد حرص الجيش طوال الاجراء القضائي على الفصل المطلق بين المسارين القيادي والقضائي. جهاز القضاء العسكري سيواصل العمل من اجل كشف الحقيقة بشكل مستقل، وحسب معايير مهنية في كل حالة يسود فيها الاشتباه بسلوك الجيش وجنوده. قادة اليؤور ازاريا سيقدمون كل الدعم والمرافقة المطلوبة للجندي وعائلته لاحقا”. وقال الناطق ان “الجيش سيواصل تفعيل كل قوة مطلوبة، من خلال الحفاظ على قيم الجيش ودعم الجنود من اجل امن مواطني اسرائيل”.

مقالات

ليس بطلا

يكتب عاموس هرئيل في “هآرتس” ان رئيسة هيئة المحكمة العسكرية، العقيد مايا هيلر، قامت صباح امس (الاربعاء) بتفكيك ادعاءات الدفاع في محاكمة العريف اليؤور ازاريا، الواحدة بعد الأخرى، وبشكل اساسي ومنطقي. المحكمة العسكرية لم توافق على الروايات التي عرضها محامو الجندي الذي اطلق النار في الخليل – لا ادعاء الدفاع عن النفس، ولا ادعاء التخوف المتأخر الذي عبر عنه ازاريا (فقط بعد فترة من اطلاق النار) من سكين او عبوة ناسفة على جسد المخرب، ولا الادعاء بشأن اللباس الثقيل والاستثنائي، ظاهرا، الذي ارتداه المخرب، ولا افادات المستوطنين من الخليل الذين سارعوا الى الدفاع عنه، ولا حتى محاولة التشكيك، بواسطة جراح شرعي، بالعلاقة بين العيار الذي اطلقه ازاريا وبين موت منفذ عملية الطعن.

النتيجة النهائية، ادانة أزاريا بالقتل، ابعد ما تكون مفاجئة. وهذا ليس لأن اللعبة كانت مبيوعة مسبقا، كما يدعي انصار الجندي، وانما لأن سير الامور كان واضحا جدا لكل من شاهد الشريط المصور الذي التقطته منظمة بتسيلم، وتم نشره في يوم الحادث، ولكل من راكم خبرة ما، كجندي بل حتى كصحفي، في المناطق.

ما تم توثيقه في الشريط كان اعداما في بث حي. لقد ضبطت عين الكاميرا ازاريا متلبسا بالجرم وهو يطلق النار على المخرب الجريح الممدد على الأرض. كان من الصعب على الجندي النجاة من ذلك، في التحقيق العسكري اولا، ومن ثم في الاجراءات القضائية. كانت لديه بالطبع، ظروف سهلت الأمر: محارب شاب، يفتقد الى تجربة عسكرية سابقة، وصل الى حادث صعب نسبيا، وكانت مشاعره عاصفة بعد ان شاهد رفيقه في الكتيبة جريحا ونازفا.

اصرار الدفاع على اختيار خط دفاعي يقول ان ازاريا في الواقع هو بطل، جندي نموذجي – الوحيد الذي قام بالمهمة، في الوقت الذي لم تشخص فيه كل سلسلة القيادة الخطر، وبعد ذلك غطت على اخفاقاتها بالأكاذيب وباتهام الجندي الحارس – لم ينجح في اختبار المنطق. وهذا ايضا كان واضحا منذ البداية وكتبنا عنه مرارا خلال المحاكمة. النتيجة الوحيدة لهذا الادعاء، باستثناء ضمان ادانته، هي ترسيخ مكانة ازاريا في اليمين كضحية لمؤامرة شريرة (وطبعا، اثمر هذا الادعاء، بالتأكيد دون أي نية مسبقة، الكثير من الشهرة الذاتية للمحامين).

كما هو متبع، سيتم فرض العقوبة على الجندي في وقت لاحق، بعد اجراءات طرح الادعاءات بشأن العقوبة. يمكن الافتراض بأن العقاب سيكون سهلا. فالجهاز القضائي الاسرائيلي متسامح ازاء الجنود الذين اخطؤوا خلال العمل العسكري واصابوا الفلسطينيين، حتى ان خرقوا بشكل واضح توجيهات فتح النيران، كما حدث هنا. وبين هذا وذاك، ستجري حملة من الضغط لكي يتم العفو عن الجندي.

ليس مفاجئا ان العديد من الوزراء ونواب اليمين العميق ردوا بشكل وحشي على قرار القضاة. فعلى الكفة تطرح فرصة لمراكمة الشعبية في الرأي العام. أي نائب يعرف روح العصر وسيفرض على نفسه الانضباط؟ وزير الامن افيغدور ليبرمان، الذي وقف في آذار من العام الماضي، كنائب من المعارضة على رأس جبهة الهجوم على الجيش، اضطر هذه المرة الى الحذر اكثر، ولكنه ايضا رقص في عرسين متقابلين: من جهة ينتقد الادانة، ومن جهة اخرى يدعو الى الوقوف وراء الجيش وعدم مهاجمة قادته.

من يتلقى النيران في هذه الأثناء بسبب تدخله في الاجراء القضائي، ظاهرا، هو رئيس الاركان ايزنكوت، الذي تجرأ على التذكير امس الاول، خلال محاضرة في المركز بين المجالي، بحقيقتين اساسيتين يفترض عمليا ان تكونا واضحتين للجميع: ان اوامر فتح النيران في المناطق، والتي لم تتغير منذ عقد زمني، توفر للجنود ادوات ملائمة لواجهة تهديدات الارهاب، وان المحارب ابن الـ18 عاما ليس “ابننا جميعا”، وانما رجل مدرب ومسلح جيدا، تتوقع منه الدولة اظهار الوعي واذا الح الأمر، المخاطرة بحياته دفاعا عنها. حتى هذه الحقائق البسيطة – التي شملت انتقادا موجها بشكل جيد الى قضية اختطاف الجندي غلعاد شليط – سببت لايزنكوت الهجوم من قبل من يتهمونه منذ زمن بالتحالف مع العدو.

كما ذكر رئيس الاركان، فقد طرأ في الاشهر الاخيرة انخفاض حاد في قوة العمليات في المناطق. هذا لم يحدث كما حاول يعض الصحفيين الادعاء بعد حادثة الخليل، نتيجة للردع الذي اظهره اصرار الجندي ازاريا. لقد هدأت المنطقة، بشكل جزئي ومؤقت بالتأكيد، لأن الجيش عالج الخطر جيدا (ولم يستمع لحالة الذعر التي بثها بعض السياسيين)، بواسطة الاستعداد العسكري اليقظ والمتأهب، والرد الحازم حين يلح الأمر، وجمع المعلومات، والتنسيق الامني مع السلطة الفلسطينية، والجهد الذي تم بذله للحفاظ على نظم فتح النيران (لم ينجح جيدا) والامتناع عن قتل الابرياء.

في نهاية المحاكمة، لا يزال يطلب من الجيش الانشغال في الابعاد الكثيرة للقضية: في الفجوة المقلقة التي ظهرت بين فهم القادة وفهم الكثير من المحاربين واولياء امورهم للمخاطر وشكل معالجتها الصحيح، في التغلغل المقلق للتأثير الخارجي، من الشبكات الاجتماعية وحتى نواب الكنيست، الى جهاز اتخاذ القرارات والاوامر العسكرية، والضرر الكامن في اختلاط الجنود المحاربين في الخليل، بقادة المستوطنين المستفزين.

يمكن الافتراض بأن الجمهور سينتقل في نهاية الأمر، الى الانشغال في امور اخرى. التأكل اليومي المرتبط بأعمال الدوريات في المناطق، التحدي غير المتوقف لقيم الجيش المعروفة، لا يعني احد طالما لم يتم ضبط جندي امام الكاميرا. التنظيمات التي تسعى لكشف هذا الواقع، من يكسرون الصمت وحتى بتسيلم، ستواصل السلطات مهاجمتها واسكاتها.

تصريحات القضاة ومثلها تصريحات رئيس الأركان، لن تقنع النواة الصلبة بين أنصار ازاريا، الذين تظاهر المئات منهم امس بين كانيون “عزرائيلي” ومنطقة المحكمة في معسكر القيادة العامة. في رسالة الكترونية وزعتها احدى تنظيمات اليمين في بداية الأسبوع، تم الادعاء بأن القاضية هيلر معروفة كيسارية متطرفة، تمت ترقيتها من اجل ضمان الادانة، وان المدعي العسكري، رجل الاحتياط، حصل على مليون شيكل من الجيش لكي يلاحق ازاريا البطل. من يصدق هذه الاختراعات لا يصغي الى منطق القاضية. المشكلة هي ان بعض السياسيين الساخرين يسكبون الزيت على هذه النار الان. القضية لم تنته. تأجيج النار من شأنه ان يواصل المس بمكانة الجيش، حتى اذا كان رئيس الاركان يفاخر بنتائج الاستطلاع الاخير لمعهد الديموقراطية الذي اشار الى ان 90% يثقون بالجيش.

ازاريا ليس بطلا. انه جندي تم ارساله لمهمة معقدة وعمل بشكل خاطئ، ذكر الاسرائيليين لعدة لحظات بما يواجه اولادهم الذين يصلون للخدمة في المناطق. الجهاز العسكري، ومن دون أي مفر، اضطر الى استنفاذ القانون بحقه، وعلى كل حال سيفعل ذلك كما يبدو، بشكل مكبوح حين تصل مرحلة فرض العقاب. يوم امس توفي بطل حقيقي: الرائد حجاي بن أري، القائد الموعود لدورية المظليين الذي اصيب بجراح بالغة خلال الحرب في غزة، في صيف 2014، وتوفي متأثرا بجراحه بعد فترة طويلة من العلاج. بطولة بن اري هي التي يجب تمجيدها وليس عمل الجندي الذي ادين في محكمة القيادة الوسطى.

حكومة لا فاميليا

يكتب يوسي فورتر، في “هآرتس” انه مرت ساعات طويلة حتى اعلن رئيس الحكومة، المغرد الممتاز والمعقب السريع، عن دعمه لمنح العفو العام للجندي المدان اليؤور ازاريا. خلال هذا الوقت ارتبك نتنياهو وتخبط، وتشاور، وربما طلب استطلاعا سريعا للرأي، وبشكل خاص مط رقبته، نظر الى اليمين واليسار، واصغى الى نواح المصوتين، الى تصريحات نفتالي بينت، والى مشاعر الشعب. والشعب، بلا شك مع ازاريا، واين يتواجد الشعب، يتواجد رئيس الحكومة، المذعور والمقاد – وليس القائد، وبالتأكيد ليس من يوجه طريق الاخلاق والقيم.

الأصوات الشعبوية التي دعت الى منح العفو لأزاريا قبل هدوء اصداء قراءة قرار الحكم، وقبل فرض العقوبة، تشبه توجيه صفعة الى وجه الجهاز القضائي العسكري. هذه مقولات فاحشة، دجالة، تبصق في وجه القضاة الثلاثة أثناء قيامهم بعملهم. يجب ان لا يفاجئنا قرار نتنياهو ضم صوته الى هذا التنافر من السياسيين من اليمين واليسار. ولن نسقط عن الكرسي اذا شاهدناه قريبا يدعو عائلة أزاريا باحترام الى ديوانه ومعانقتها.

في البيان الذي نشره قبل دقائق من نشرة الأخبار الرئيسية في قنوات التلفزيون، لم يكلف نتنياهو نفسه عناء دعم قرار المحكمة او المحكمة نفسها. لقد اوضح ان قلبه يخرج “اولا” نحو الجندي وعائلته، وبذلك المح لرئيس الاركان ولقيادة الجيش ما هو رأيه بهم وبما يسمى “قيم الجيش”.

الفضيحة التي لا يمكن استيعابها هي التوقيت الذي يطلب فيه، على الملأ، العفو عن الجندي. نتنياهو لا ينتظر صدور قرار الحكم، ليطلب بعده العفو عن الجندي، من اجل تخفيف عقوبته (ربما لا يتم فرض عقوبة عليه ولن تكون حاجة الى العفو). انه يطلب العفو عن الجندي الان، أي شطب الادانة كما لو انها لم تكن، واخراج ازاريا نقيا كالثلج من هذه القضية. هذا تحريض فظ وغرس سكين في ظهر الجهاز القضائي من قبل رئيس السلطة التنفيذية. لكن يجب ان لا يفاجئنا هذا ايضا.

مقابل نتنياهو، ظهر وزير الامن افيغدور ليبرمان، امس، رسميا، موزونا وعاقلا، رغم انه في صورته السابقة كنائب في المعارضة وقف على رأس انصار ازاريا. هذا يدل على ما يصنعه المنصب للشخص. خلال لقاء مع القناة الثانية، رفض ليبرمان الانضمام الى قطيع الداعين الى العفو عن الجندي. لقد اقترح الانتظار وتمكين الجهات ذات الصلة من القيام بعملها. كما اعرب، كالمطلوب، عن دعمه غير المتحفظ للمحكمة التي يتولى المسؤولية عنها، بفعل منصبه الوزاري.

بيان نتنياهو يلمح لمئات مثيري الشغب والأشرار الذين شاغبوا امام منطقة المحكمة امس في تل ابيب، رجال التنظيمات العنصرية، لهباه ولا فاميليا، المتماثلة مع بيتار القدس، لكي يواصلوا عملهم. لقد اعتدوا على الصحفيين وسدوا الشوارع وشتموا القضاة والجيش، وغنوا لرئيس الأركان “غادي، غادي احذر، رابين يبحث عن صديق”.

لقد تم كبح هؤلاء البلطجيين ووقفهم من قبل الشرطة. يمكن احتواءهم. لكن الهيجان الاكثر خطورة – والذي يشكل خطرا اكبر على الديموقراطية الاسرائيلية – حدث في الكنيست، في اروقة الحكومة وعلى تويتر. حزب السلطة الذي تخلى منذ زمن عن كل مظاهر الرسمية، ظهر في اجزاء كبيرة منه كأنه الذراع السياسية لحركتي لهباه ولافاميليا. المتظاهرون ضربوا وبصقوا، والسياسيين بالبدلات والقمصان حرضوا وسكبوا الوقود على النار. قانون امتشاق السلاح.

حين كانت قاضية المحكمة العسكرية تقرأ قرار الحكم، بدأت المنافسة الجامحة على قلوب اعضاء الليكود. وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغف، كانت اول من وقف امام الكاميرات وصرخت كالكركي، بعيون مرعبة، بأنه تم “التخلي” عن اليؤور ازاريا، واجريت له “محاكمة ميدانية”. وحسب اقوالها فان رئيس الاركان ايزنكوت، الذي قال امس الاول، ان الجندي هو جندي، وليس ولدا “خيب امال الكثيرين”.

ليس هناك مثل الوزيرة ريغف من يمكنه التعبير عن مكامن قلوب الحشود واولئك الرعاع. انها ممثلتهم، انها محبوبتهم، انها تجسدهم. لقد وعدت بقيادة خطوة لمنح العفو للجندي. هذا امر واه، لأنه كما اوضح ديوان الرئاسة، امس، يمكن للمتهم او محاميه او عائلته فقط تقديم طلب بالعفو.

من اعلنت، ايضا، بكامل صلاحياتها الاخلاقية، انه يجب “التفكير بحذر بمنح العفو” للمتهم الذي ادين لتوه، والذي اعدم مخربا جريحا ببرود اعصاب، ومن ثم كذب ولم يعرب عن ذرة من الندم او الاسف على فعلته، كانت النائب شيلي يحيموفيتش من المعسكر الصهيوني.

يحيموفيتش التي حاربت كاللبؤة ضد منح العفو للرئيس المغتصب موشيه كتساف، الذي امضى اكثر من خمس سنوات في السجن، بادعاء انه لم يعترف ولم يعرب عن الندم، هي سياسية تدرس الامور. اما انها اصيبت بالذهول، او انها امتشقت الكلام بسرعة، او ان تصريحها هذا يندمج مع مخططات سياسية معينة. الا تفهم ان على ازاريا قضاء فترة ما في السجن كي لا تظهر اسرائيل كالسلطة الفلسطينية التي “تدين” المخربين وتطلق سراحهم بما نسميه نحن “الباب المستدير”؟

يوم امس ساد التكهن بأن يحيموفيتش نسقت امورها مع صديقها المقرب، رئيس الدولة رؤوبين ريفلين. ليس هناك ما يدعو للخوف. ريفلين لا يقف وراء ولا امام ولا الى جانب هذه المبادرة المرفوضة. اضف الى ذلك انه اذا تم تقديم طلب له بالعفو عن الجندي، فسيطلب رأي رئيس الاركان والنائب العسكري الرئيسي، ولا توجد أي فرصة بأن يأمر بالعفو من فوق رأسيهما وخلافا لرأيهما.

نعود الى حزب السلطة: نائبة وزير الخارجية، النائب تسيبي حوطوفيلي، القانونية في ثقافتها، والتي ظهرت حتى الان كمعتدلة في مسائل القانون والقضاء، كتبت بأن محكمة ازاريا “جرت كمحاكمة صورية مع نهاية معروفة مسبقا”. حوطوفيلي امرأة مثقفة، وتعرف ما الذي يعنيه مصطلح “محاكمة صورية”، وفي أي انظمة مظلمة يتم اتباعه. لكن الانتخابات الداخلية في الليكود، ربما تكون اقرب مما اعتقدنا. في المرة الاخيرة وصلت حوطوفيلي الى المرتبة العشرين، وهي تصر على عدم السقوط مرة اخرى. ولهذا، فان من تشغل منصب نائبة وزير الخارجية نتنياهو وتكثر من التجوال في العالم والاجتماع مع وزراء الخارجية لا تتردد بإطلاق تصريح يعرض اسرائيل كدولة فاسدة تجري محاكمات صورية. لا تقلقوا، نتنياهو لن يفصلها.

من دون ان تدري، كانت حوطوفيلي محقة. فمحاكمة ازاريا عرضت، كما في شباك الواجهة، الوجه القبيح لأجزاء واسعة في المجتمع والسياسة الاسرائيلية الذي تعكسه. احزاب وشخصيات توجه نحو المشترك المتدني جدا في الرسمية الاسرائيلية. سياسيون وسياسيات يعتبرون ان مصير المخرب هو الموت حتى لو كان محبطا. يجب اطلاق النار عليه كما يتم قتل الكلب الشارد والمنازع – ولكن ليس بدافع الشفقة، وانا الانتقام، كما فعل ازاريا.

احد هؤلاء هو النائب لبيد، الواعظ المُتجمل، الذي قام في بداية موجة عمليات الطعن بتوجيه الجنود وقوات الشرطة، عبر صفحته في الفيسبوك، بأن “من يستل سكينا او مفكا او أي شيء، يجب إطلاق النار عليه وقتله”. يوم امس دعا لبيد الى تهدئة النفوس: “العنف لن يوجهنا” قال.

وكلمة اخيرة عن عائلة ازاريا: لقد خرج الصحفيون في التلفزيون عن اطوارهم من اجل التعبير عن تعاطفهم واسفهم لعائلة الجندي التي انقلبت حياتها بشكل غير معروف. من المناسب التذكير بأن ازاريا لم ينشأ في بيت متسامح “قيمي واخلاقي” كما شهد على نفسه. في ايام الجرف الصامد كتب والده تشارلي في الفيسبوك: “كهانا الصديق كان محقا”. وواصلت امه، اوشرا، الاسلوب نفسه، وكتبت: “يكفي اظهار الانسانية، اذا تطلب الأمر يجب قتل الاطفال والنساء ايضا”. هذه هي الأرضية، وهذه هي الثمرة الفجة التي ربتها.

بعد القرار: اختبار سلطة القانون

يكتب يوسي بيلين في “يسرائيل هيوم”: نظرت الى المظاهرة خارج قاعة المحكمة، خلال تلاوة القرار في محاكمة اليؤور ازاريا. لقد وصلت مجموعات اليمين واغلقت الشارع الرئيسي ودخلت في مواجهات مع الشرطة بهدف واحد: تقويض العامل المشترك البالغ الاهمية، الذي يسمح لنا بالعيش معا في هذه البلاد – سلطة القانون. ليست مظاهرة من اجل إطلاق سراح الجندي القاتل، وليست محاولة لإثبات عدالته – الهدف كله كان المس بشرعية المحكمة العسكرية. لقد تعاملت الشرطة بـ”تفهم” وتجاهلت – حسب اقوال الضباط الكبار – حقيقة كون التظاهرة غير مرخصة، وواجهت المتظاهرين عندما حاولوا اغلاق الشارع.

نظرت الى الوزراء والشخصيات الرسمية التي طالبت بمنح العفو لأزاريا قبل فرض العقوبة عليه. سألت نفسي عما اذا كان هؤلاء قد اصغوا الى قرار الحكم المفصل والطويل جدا. لقد تم تفنيد كل ادعاءات الدفاع، الواحد تلو الآخر، فهل لم يقتنع هؤلاء بأي شيء؟ بأي تفنيد؟ هل ينقسم العالم كله فقط بين يمين ويسار، واذا كان المقصود جنديا قتل مخربا بعد احباطه من قبل، سيقول اليمين انه يجب عدم محاكمته، واذا حوكم فلكي يتم تبرئته، واذا تمت ادانته، يجب العفو عنه؟ مهما قال وزير الامن، ومهما قال رئيس الاركان، ومهما قال القضاة – ألن يساعد هذا في شيء؟

لدينا ديموقراطية لا يوجد فيها عامل ايديولوجي مشترك. ولكن يوجد فيها عامل مشترك ينبع من طريقة حياتنا: الاستعداد لتقبل شروط اللعب. لسنا جميعا صهاينة، لسنا جيعا متدنين متزمتين، لسنا جميعا متدينين قوميين، لسنا جميعا عربا، لسنا جميعا يمينين ولسنا جميعا يساريين. ولكن عندما يصل الأمر الى القانون، كلنا نلتزم باحترامه، وعندما يصل الى المحكمة، يجب علينا تقبل قرارها. من دون ذلك لا يمكن ادارة الجهاز.

محاولة التشكيك بالمحكمة العسكرية او المطالبة بمنح العفو قبل بدء الجندي بتنفيذ العقوبة، يطرح علامات استفهام حول العامل المشترك “التقني” الذي يسمح لنا بالحياة المشتركة. لحظات كهذه هي لحظات اختبار للمجتمع الاسرائيلي. هل سنواصل التعامل مع كل ظاهرة اجتماعية بمنظار اليمين واليسار المحدد مسبقا، بما في ذلك في موضوع القانون والقضاء، ام سنثبت لأنفسنا بأننا ننجح بالفصل التام بين مواقفنا الأيديولوجية والتزامنا بشروط اللعب.

لقد سقط القرار. ازاريا لم يتصرف بدافع الدفاع عن النفس، ولذلك تم التحديد بأنه قتل المخرب النائم على الأرض. هناك من سيقنعون من التوضيحات المفصلة في قرار الحكم، وهناك من سيرفضون بعضها او غالبيتها. ولكن يمكن التأثير على الجهاز القضائي فقط خلال اجراءات المحاكمة، وليس في مظاهرة عنيفة خارجها. الاصوات التي تدعو الى العفو قد تأتي في وقت لاحق. من يدعو الى ذلك اليوم، يطلب عمليا الغاء قرار المحكمة.

لا يوجد ولن يكون لدينا جيش آخر

يكتب العقيد (احتياط) تسفيكا فوجل في “يسرائيل هيوم”: “لم احب قرار الحكم في محاكمة اليؤور ازاريا. الاعتماد الزائد على مقولة اليؤور “كيف يمكن ان المخرب لا يزال على قيد الحياة” والتي قيلت بين رفاق محاربين، هي مسألة مبالغ فيها. انا اعرف عددا كبيرا من الجنود والقادة الذين خاطروا بأرواحهم من اجل احباط محاولات تنفيذ عمليات، ويعتقدون ان الحكم على الارهابي الذي يأتي لقتلنا هو حكم واحد – الموت. لو تم تقديم كل القادة والجنود الذين يعتقدون ذلك، بل احيانا يعبرون عن ذلك، الى المحاكمة بتهمة اظهار نوايا خبيثة بعد عملهم العسكري الذي انقذ الكثيرين منا، لكنا قد بقينا في الميدان مع عدد اقل بكثير من الابطال.

لم احب قرار الحكم، لأنه اخرج القادة من دائرة المسؤولية العسكرية، التي تلزمهم على تحديد معايير سلوك عسكري الى جانب الحفاظ على قيم الجيش. القضاة الذين تم تعيينهم لهذه المحاكمة، انتعلوا احذية القادة ونظروا الى الادلة فقط. ولكن من الواضح لكل من يعرف قليلا الحادث وهذا الوضع القتالي، ان هناك عوامل مؤثرة كثيرة ليست في مجال الادلة، المطروحة على اكتاف الجنود في لحظات الضغط واجواء القتال. هذه المحاكمة كانت زائدة وسببت ضررا اكبر من الفائدة. هذه المحاكمة هي العقاب الحقيقي لاليؤور المحارب ولنا كمجتمع.

لقد صدر القرار في المحكمة. رئيس الاركان والقادة الكبار سيضطرون الى استثمار الوقت والجهود، والعودة لتأكيد واجب القادة الميدانين بتحمل المسؤولية حتى عندما تتواجد كاميرا غير ودية في الميدان، وعدم دحرجة المسؤولية الى المحكمة. القضاة لا يقودون المحاربين في ساحات القتال. من يعرف كيف يزور الجرحى، ومعاذ الله تعزية العائلات، يجب ان يعرف كيف يميز بين النوايا الخبيثة والخطأ في تحكيم الرأي، بين الشر والشغب، وعدم فهم الواقع العسكري، ومن اجل ذلك، الاشادة وتحديد اجراءات لتحسين وتطبيق الدروس، واذا تطلب الأمر، الاعتقال او اخراج الجنود الذين لا ينفذون الاوامر من مهنة القتال.

لقد صدر القرار، وحتى ان كان لا يعجب قسما منا، علينا ان نتذكر بأن القضاة هم ليسوا العدو، والقادة الذين يخطئون احيانا، يطالبون في هذه اللحظات تماما، مواصلة التمسك بمهمة الدفاع عنا على حدود الدولة. في الدولة الديموقراطية يسمح بل يجب احيانا التظاهر والاعراب عن التذمر، ولكن ليس بثمن المس بالجيش الذي يعتبر اغلى ما نملك، لأنه لا يوجد ولن يكون لدينا جيش آخر!

الجيش اجتاز الأمر

يكتب اليكس فيشمان، في “يديعوت احرونوت” ان رئيس الاركان غادي ايزنكوت، سمع قرار الحكم في قضية اليؤور ازاريا، حين كان في طريقه الى مستوطنة نوف في هضبة الجولان، لتقديم التعازي لعائلة الرائد حجاي بن أري، الذي توفي، امس الاول، متأثرا بجراح اصيب بها في الجرف الصامد. بالنسبة لأيزنكوت انهى ازاريا خدمته كمحارب منذ تسعة أشهر، في اللحظة التي اطلع فيها على تقرير التحقيق العسكري.

لقد حددت المحكمة بأن “ابننا جميعا” انحرف وكذب. في القيادة العسكرية والنيابة العسكرية كانوا يعرفون ذلك منذ الساعات الاولى بعد حادث الخليل، كانوا يعرفون ولكنهم تخوفوا. لقد تقوض شيء ما في الثقة بالنفس لدى قيادة الجيش. حتى في الأيام الاخيرة، التي سبقت قرار الحكم، قام الجيش بإجراء فحص هادئ، شخصي، امام القادة الكبار في لواء كفير، حول المزاج السائد بين الجنود: كيف تؤثر عليهم القضية، وهل يتوقع حدوث احتجاج من قبل الجنود بعد صدور قرار الحكم، او ربما تمرد. بالنسبة لقادة اللواء تحولت هذه الاسئلة الى امر مقلق. احدهم قال لضابط رفيع في القيادة العامة: “كفى.. هذه القضية اصبحت من خلفنا”.

لقد تحسس الجيش النبض طوال الوقت. خلال الاشهر التسع الاخيرة تعقب بشكل دقيق سلوك الجنود خلال المواجهات مع الفلسطينيين، وفي العمليات الارهابية. لم يتم العثور على جندي واحد تردد بإطلاق النار. بل على العكس. في عدة حالات تبين بان استخدام إطلاق النار لم يخرج عن المعايير، لكنه كان يمكن لهم الانضباط بشكل اكبر. كما لم يكن هناك أي جندي رفض الخروج لعملية ما خشية غياب الدعم من قبل القادة او بسبب تأثير ما لقضية ازاريا. لا تمرد، ولا رفض، لا شيء.

اليوم يجيدون في الجيش القول بأن غالبية التهديد برفض الاوامر او التهرب من الخدمة التي صدرت عن جنود في وسائل الاعلام، قيلت نتيجة لتأثير خارجي، مثلا، من قبل رجال العلاقات العامة. لقد تحدث جنود عن جهات مدنية اقترحت عليهم، بل ضغطت لكي يظهروا في وسائل الاعلام والتهديد بالتمرد.

لقد طرحت قضية ازاريا للنقاش خلال جلستين للقيادة العامة على الاقل. وفي كل لقاء كان رئيس الأركان يقول للضباط الكبار “تجاهلوا الضجيج الخلفي”. وقال ذلك، أيضا، حتى خلال اللقاء الذي عقده مع قادة كل قاعدة للتدريب في الجيش. “ارفعوا المنظار، انظروا بعيدا. هذه القضية ستعزز المعايير فقط”.

Exit mobile version