المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

نظرات في الوضع الذي نعيش فيه

MIDEAST-ISRAEL-PALESTINIAN-RELIGION-SABBAH

بقلم: البطريرك ميشيل صباح

في الوضع الذي نعيش فيه اليوم شرور كثيرة. وأهل الشرّ هم أسياد الحرب، يرون حياة شعب في موت شعب آخر. هذا تحديدًا ما يحصل في فلسطين وإسرائيل. وكذلك في البلدان العربيّة، هناك أقوياء من الخارج ومن الداخل يرون قوَّتهم في دمار المنطقة.

والقضيّة هي أن الشرّ الذي نعاني منه، هو من صنع أيدينا، وفي الوقت نفسه، غيرنا يصنعونه لنا. يقرّرون الموت لنا، وننفّذ نحن حكم الموت في أنفسنا، ونحن واعون أو غير واعين.

النتيجة، نحن في حالة موت، ويجب الخروج منها. نحن بحاجة إلى زمن جديد، إلى رؤيا جديدة وحياة جديدة. ونستطيع ذلك، إن أردنا، وإن أصبحنا أنقياء من الأنانيّة ومن شهوة الموت.

نحن في حاجة إلى حياة جديدة. علاقة الاحتلال يين الشعبين في فلسطين وإسرائيل ليست طبيعيّة. لا يمكن أن تبقى احتلالًا عسكريًّا. الصراع كلّه ليس حالة طبيعية. حرب بدأت منذ أكثر من مئة سنة يجب أن تنتهي. وكذلك الوضع في المنطقة كلّها يجب أن يستقرّ.

هذا يعني أنّه يجب أن يكون هناك أناس يريدون تبديل الوضع بما هو أفضل منه. يجب أن يكون هناك أناس يرون أنّ حياتهم لا تقتضي موت غيرهم. هذا التبديل في الرؤى السياسيّة في إسرائيل يجب أن يتمّ. إذا تمَّ، استقرّت المنطقة كلّها، مهما تأصّل فيها الدمار. أصل الحرب والسلام، هنا في فلسطين، وفي القدس. إن وجَدْنا الحياة هنا، وُجِدَت في كلّ المنطقة باب الموت والحياة هو هنا في فلسطين وإسرائيل. نحن في الموت، بقيت المنطقة كلّها في الموت.

أرض «قاتلين» و«كارهين». أرضنا مقدَّسة، أرض لله وللناس. ولكنّنا صيّرناها، أو صيّروها، أرض “موت”، أرض “قاتلين” و”كارهين”. القدس موضوع صراع لأنّها مقدّسة. والإنسانُ مَقدِسُ الله قد هُدِم. بهدم منازله هدم الإنسان في القدس. بقي في القدس حجارة مقدّسة وذكريات ماضية. وبقي فيها، هذا أيضًا صحيح، بعض نفوس صادقة تذَكِّر بقداستها، وتقول لأهل السياسة ولكلّ معلّمي الموت والكراهية: اتركوا القدس وشأنها. القدس وحدها تتعرّف على أبنائها. من غير أسلحتكم، سيستقرّ أبناؤها فيها.

أرض مقدَّسة، ومدينة مقدّسة وحكّامها فيها ليسوا صنّاع حياة فيها. تعوَّد الإنسان قتل الإنسان. هذه حالنا. أنبقى فيها إلى ما لا نهاية؟ الظاهر، في رؤى السلطات الإسرائيلية اليوم، نعم، هذه هي الرؤية. ما نحن فيه سنبقى عليه. مَن يجد “إنسانًا” في هذا الوضع؟ إنسانًا قادرًا على تبديل الموت بالحياة؟ إنّ الله يصغي إلى صوت الفقير والمظلوم. وإنْ ضعف الضعيف واستقوى القويّ، فإنَّ زمن الله آتٍ.

اليوم الإسرائيليّون يحكمون والفلسطينيّون يجب أن يتلقَّوا ويطيعوا. الوضع غير طبيعيّ. الوضع هو هذا: ظالم ومظلوم. والمظلوم يرُدّ، فيزداد ظلم الظالم. والظالم يفسّر ردّ المظلوم بالإرهاب، ولا يسأل نفسه: لِمَ يردُّ المظلوم على الظالم؟ لا يأتي على بال الحاكم الظالم أنّ المظلوم يريد حرّيّته، ويريد الحياة تمامًا مثل ظالمه.

الأرض لله. وهي لجميع أهلها. لا احد له الحقّ بأن يجرِّد أهلها منها. ولا بأيّة حجّة. ولا بقوّة السلاح. الأرض لكلّ أهلها. وأهلها قادرون على العيش معًا. ولكنّ قدرتهم متوقّفة على كيف يربّيهم “الحاكم” ويقول لهم. إن قالت السلطات الإسرائيلية لشعبها: الفلسطينيون أعداء وإرهابيّون ولا يمكن الحياة معهم، لن يربِّيَ على الحياة بل على الموت. أمّا إن قال هؤلاء بشر، وقادرون على الحياة والمحبّة، إذّاك تبدأ لحظة الحياة. وإلّا، سنبقى جميعًا في الموت. مع أنّنا قادرون على الحياة.

الرؤية اليوم هي استحالة السلام بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين. شعبان غير قادرين على العيش معًا بسلام. أو بعبارة أدقّ: لا يُسمَح للشعب الفلسطينيّ أن يعيش بكرامته، ومن ثم أن يعيش بسلام. تقول إسرائيل: نبقى في الحرب، لأنّنا في الحرب أقوى. ويبقى الفلسطينيّون تحت الاحتلال.

وتقول إسرائيل أيضًا: يجب ألّا يكون أحد حولنا أقوى منّا. ولهذا المنطقة كلُّها في دمار. والنيّة هي خلق شرق أوسط جديد، لا يكون فيه قويّ. في هذه الرؤية، إسرائيل ترى حياتها وبقاءها ببقاء الموت حولها، وببقاء الأعداء حولها. ونحن نقول إنَّ موت الشعوب لا يدوم، وأمّا العداوة فتدوم. ستقوم الشعوب يومًا. وستقوم عداوّة.

ونحن نقول لإسرائيل: أن تكوني محاطة بالموت وبالأعداء، هذه ليست حالة طبيعية، وهذا لا يضمن لك البقاء. ما يضمن لك البقاء أن تكوني محاطة بالأصدقاء، ولا حاجة لك إلى كلّ آلة الموت العاملة اليوم في المنطقة. ومدخل هذا الوضع الجديد، والأقلّ كلفةً ودمارًا وموتًا والأكثر إنسانيّة، هو بكلّ بساطة سلام مع الفلسطينيّين. يكفي لذلك تربية جديدة، فيُرَىَّى بها كلّ واحد على أنّه قادر على الحياة والمودّة. باب السلام هنا وفي المنطقة هم الفلسطينيون. متى قال الفلسطينيّون نحن والإسرائيليون أصدقاء، وقد تمَّ لنا ما يحقّ لنا، واسترجعنا كامل حقوقنا وكرامتنا، قال العالم العربي والإسلامي: نحن كلّنا أصدقاء. واستطعنا إذّاك أن نخرج من الموت إلى الحياة. وإلَّا، فإنّنا ننتظر زمن الله، ليعيد الله الحياة إلى أرضه، وليزيل الموت عنها.

Exit mobile version