“المراهقة السياسية” في المنطقة العربية

بقلم: المحامي د. إيهاب عمرو

لا اعتقد ان لهذا المصطلح “المراهقة السياسية” وجود في علم السياسة او عالمها، لكنه ارتبط بمخيلتي اثناء مرحلة عشتها وعايشتها خلال السنوات الاخيرة ابان فترة ما يسمى “الربيع العربي”، حيث كنت اراقب من طرف خفي كيف تتهاوى انظمة كانت تهيئ نفسها الى البقاء السرمدي وتظن واهمة انها قادرة على ذلك. ورأيت كيف ساهمت حادثة فردية لمواطن تونسي في انتاج واظهار حالة غضب عمت الشارع التونسي، والعربي فيما بعد، نتيجة سياسات الرئيس الفار “زين العابدين”، والذي احسبه فوجئ بردة فعل الشارع ما اجبره على الخروج عبر شاشات التلفاز ومخاطبة الناس بلغة عامية استوقفت بعض وسائل الاعلام العالمية، خصوصا عبارته الشهيرة “انا فهمتكم”، وذلك في محاولة منه لامتصاص غضب الشارع لكن دون جدوى. ولعل اشد المتفائلين لم يكن يتوقع سقوط النظام التونسي بتلك السرعة، لكن التراكمات التي احدثتها السياسات الخاطئة التي انتهجها النظام خلال فترة حكمه ساهمت في ذلك السقوط السريع والمريع -خصوصا في السنوات الخمس الاخيرة من حكمه- بعد ان كان الرئيس السابق محبوبا من عامة الشعب، لدرجة ان استاذة جامعية يونانية زارت تونس خلال العام 2005 عادت مذهولة بسبب عدم وجود نص في قانون العقوبات التونسي يعاقب على الاعتداء على رئيس الدولة او اهانته، وابلغتني انذاك ان ذلك يعود الى كونه محبوبا من قبل طبقات الشعب كافة
وما حدث خلال فترة “الربيع العربي” في تونس اثبت الى اي مدى وصلت “المراهقة السياسية”، خصوصا قيام الرئيس المخلوع بالحديث بالعامية خلال خطاب عام موجه للشعب التونسي كما اسلفنا، ظنا منه ان ذلك سوف يوفر له طوق النجاة، متناسيا ان ما حدث لو تم وضعه في سياقه السياسي المحلي والاقليمي والدولي كان اكبر من ان يتم اسكاته ببضع كلمات بالعامية او “الدارجة” كما يطلق عليها في بلاد المغرب العربي.
ايضا: راقبت ما حدث في مصر خلال فترة ما يسمى “الربيع العربي” وكيف كان الاعلام المصري يقلل من شأن التظاهرات المنددة بسياسات الرئيس مبارك، في حين كانت التظاهرات تعم البلاد وتنذر بحدوث شيء مشابه لما حدث في تونس القريبة. وشاهدت كيف دفعت “المراهقة السياسية” الرئيس المصري المعزول الى الحديث بحدة عبر خطاب متلفز موجه الى عامة الشعب قائلا ان ما تقوم به الشرطة انما هو في نطاق القانون لمواجهة اعمال الشغب التي تعم البلاد على حد وصفه، دون ادنى ادراك لطبيعة تلك التظاهرات ومحركاتها ودوافعها والجهات الداعية او الداعمة لها.
اضافة الى هذا وذاك، شاهدنا ما حصل مع النظام الليبي السابق وكيف كان يحاول جاهدا النجاة بنفسه من تلك الاحداث التي عصفت بالمنطقة العربية، خصوصا في دول شمال افريقيا، لكن دون جدوى حتى انتهى الامر الى حدوث شيء مشابه لا بل واكثر سوءا مما حدث في كل من تونس ومصر. وينطبق الامر على كل من اليمن وسوريا حيث ادت النزاعات السياسية الى تمزيق الوحدة الجغرافية والسياسية والاجتماعية Failed States)) في كلتا الدولتين حتى اصبح يشار الى تلك الدول في الاعلام الغربي باسم الدول الفاشلة كون ان النظام السياسي والاقتصادي اصبح ضعيفا مع عدم سيطرة الحكومة المركزية على مقاليد الامور في كلتا الدولتين، ناهيك عن مشاكل اخرى ادت الى مغادرة مئات الالاف وحتى الملايين بيوتهم راضين او مضطرين الى دول مجاورة او بعيدة بسبب الاوضاع السياسية السائدة، وعجز الفرقاء المتنازعين عن ايجاد حلول سياسية تستند الى قواسم مشتركة تعالج الوضع القائم، حتى اضحت المشاكل الناشئة عن الصراعات فيهما مشاكل عالمية يعاني منها العالم باسره، اهمها مشكلة اللاجئين.
خلاصة القول: يتعين على اصحاب القرار في المنطقة العربية فهم اعمق للسياسة، خصوصا الدولية منها، وكذلك التواصل مع شعوبهم قبل فوات الاوان. في سبيل ذلك، ينبغي تعزيز النهج الديمقراطي في الدول العربية بشكل علمي وعملي مبني على المشاركة المجتمعية في الحياة السياسية بواسطة احزاب يكون هدفها تحقيق الصالح العام دون ان يكون لديها اجندات خارجية، خصوصا الاقليمية منها. وفي فلسطين التي هي جزء لا يتجزا من المنطقة العربية يتعين على جميع الفرقاء الابتعاد عن المراهقات السياسية التي ادت الى الانقسام البغيض، ويكون ذلك باعلاء شأن المصلحة العليا والمصالحة الوطنية واعتبارها اولوية قصوى للقوى والاحزاب السياسية كافة، والالتفاف حول المشروع الوطني حتى يتم تجسيد الدولة الفلسطينية على ارض الواقع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version