بوضوح وصراحة

لا بد أن نقول منذ البداية إن خطأ اجرائيا جسيما قد ارتكب في موضوع الشهيد “الأعرج” وما تلا ذلك من تداعيات سلبية، الأمر الذي تصدى له الرئيس أبو مازن على وجه السرعة بتوجيهاته لرئيس الحكومة، تشكيل لجنة تحقيق، لا لتوضيح ملابسات هذه القضية فقط، وإنما لمحاسبة الذين ارتكبوا ذلك الخطأ الجسيم، وقد سارع رئيس الحكومة إلى تشكيل هذه اللجنة، بما يؤكد اصرار السلطة الوطنية بقيادتها على الشفافية والحكم الرشيد، وان الامر بحذافيره لا يتعلق بسياسة عامة لديها، وانما بسلوك ومواقف افراد في اجهزتها ينبغي ان يخضعوا للمساءلة كلما ارتكبوا خطأ فادحا كالذي حدث في هذا الموضوع.
والان هل يستحق هذا الخطأ ملاحقة من قبل المواطنين، نعم يستحق تماما، ولكن اي ملاحقة ينبغي ان تكون؟ وبأي لغة على هذه الملاحقة ان تعبر لا عن طبيعتها فحسب، بل وعن غضبها ايضا..؟؟ هل لغة الاتهام والشتيمة والتشكيك والتخوين هي اللغة القادرة على تحقيق غايتها المرجوة من الاحتجاج والاعتراض..؟؟ هذه لغة لا تريد حلا، ولا تسعى لمعالجة خلل، أو تصويب مسيرة، أو تصحيح خطأ، وبقدر ما هي رديئة ادبيا واخلاقيا، بقدر ما هي غير موضوعية وتوتيرية، وتاليا غير سليمة النوايا على اقل تقدير..!!
والحق، أليس أمرا يدعو للتساؤل انه كلما ارتكبت بعض اجهزة السلطة الوطنية خطأ ما في هذه المسألة او تلك، يضج بعض “الفيس بوك” لا بالنقد والاحتجاج المسؤول، الامر الذي لو كان كذلك فإنه يلزم القبول والاحترام، لكنه انما يضج بالهجوم السياسي المبرمج على جملة من التهم الجاهزة ضد السلطة الوطنية برمتها، حتى ليبدو كأنه ضد وجودها…؟! أو حتى ليبدو كأنه ما من معضلات في حياة الشعب الفلسطيني غير هذا الامر، فلا احتلال ولا استيطان هناك، ولا محاولات محمومة ما زالت تتواصل بتمويلات مشبوهة، وخطب موتورة، للنيل من الشرعية الفلسطينية، الوطنية والدستورية، كمقدمة لتدمير المشروع الوطني، مشروع الحرية والاستقلال، لا شيء من كل هذا ولا هم يحزنون..!!
واقع فلسطين القضية والدولة المحتلة ليس هو واقع اخطاء للسلطة الوطنية، مع ان الاخطاء تقع في كل مكان وفي كل وقت وحيثما كانت هناك سلطة، وانما هو واقع الاحتلال أولا الذي يحاول ان يروج ذلك ضد السلطة الوطنية، عبر وسائل شتى، ومنها بالتأكيد بعض “الفيس بوك” الذي دعانا للتساؤل، ونصر على كلمة (بعض) لأن ليس كل “الفيس بوك” يدار من تلك الغرف المظلمة، ونعني بالطبع غرف الكتائب الالكترونية، الحزبية ضيقة الافق والرؤية، والاخطر غرف المخابرات المعادية والاكثر تمويلا واقوى تقنيا والمنطلقة اساسا من برامج واهداف سياسية معادية تماما.
وغير ذلك ولأن الفضاء الالكتروني فضاء مشاع فإنه يسمح لهذه الغرف باستغلال كل قول مشاع في هذا الفضاء، فلا بد من الانتباه اذ لعلنا في المحصلة لا نخلط الحابل بالنابل، ولا نضع البريء في موضع المتهم، ولا نستبق نتائج قبل صدورها، ولا نصدر احكاما كيفما اتفق، ولا رأيا يتعارض مع الواقع والحقيقة..!! ونذكر ان اليوم السادس عشر من اذار هو اليوم العربي لحقوق الانسان، ومن ابرز هذه الحقوق حرية الرأي في سياقها البناء، الرأي الذي يجمع ولا يفرق، الذي يؤمن السلم الاجتماعي كلما كان مسؤولا، الرأي الذي لا يتهم بقدر ما يكشف ويدل على الطريق الصواب، وما احوجنا نحن في فلسطين الى هذه الحرية لنعززها ونكرسها سلوكا وموقفا وثقافة، لكي نمضي قدما نحو الخلاص من الاحتلال حتى نُطلع العالم اجمع على حرية القول الاجمل، حرية الابداع على كل صعيد، تحت راية الدولة المستقلة وبرعايتها الشاملة.

بقلم: رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version