أبو جهاد الغائب الحاضر في ذكري استشهاده ال 29

بقلم: د. جمال عبد الناصر أبو نحل

تمضي بنا قافلة الأيام سريعاً لتطوي الشهور والسنين، وتأخذنا للحنين لذكري الغائب عنا بجسده الحاضرة ذكراه بيننا ما بقي الليل والنهار، وكيف لا وهم من بدلوا أرواحهم رخيصة ً في سبيل أن تحيا فلسطين حرة أبية عربية. حيثُ يُوافق يوم غد الأحد، السادس عشر من نيسان ذكرى استشهاد خليل الوزير “أبو جهاد”‘، الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في بيته بتونس بتاريخ 16/4/1988م، فمن هو أبو جهاد لتجهز فرق كوماندوس صهيونية كاملة لتغتاله في دولة عربية ؟ هو الشهيد القائد البطل خليل إبراهيم محمود الوزير من مواليد مدينة الرملة المُحتلة بفلسطين ولد عام – 1935م – واستشهد بتاريخ: 16 أبريل1988م، ومعروف باسم أبو جهاد .
هجرت عائلته بفعل حرب نكبة فلسطين الكبرى عام 1948 بسبب المجازر والحصار العسكري في هذه المدينة الفلسطينية آنذاك حيث حاصرتها قوات الهاغانا وهي المنظمات الإرهابية اليهودية المدعومة من بريطانيا وأمريكا في ذلك الوقت؛ درس خليل الوزير في جامعة الإسكندرية المصرية ثم انتقل إلى السعودية فأقام فيها أقل من عام، وبعدها توجه إلى الكويت وظل بها حتى عام 1963، وتزوج وله خمسة من الأبناء، وتعرف على الشهيد القائد البطل ياسر عرفات وشارك معه في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) وكان الرجل الثاني في حركة فتح والساعد العسكري الأيمن لياسر عرفات القائد العام للثورة الفلسطينية، وفي عام 1963 غادر الكويت إلى الجزائر حيث سمحت السلطات الجزائرية بافتتاح أول مكتب لحركة فتح وتولى مسؤولية مدير المكتب الفلسطيني هناك . كما حصل خلال هذه المدة على إذن من السلطات الجزائرية بالسماح لكوادر حركة فتح بالاشتراك في دورات عسكرية وإقامة معسكر تدريب لبناء الجالية الفلسطينية المتواجدة في الجزائر، وفي عام 1965 غادر الجزائر إلى دمشق وكان من القيادة التاريخية المؤسسة لحركة فتح ، حيث أقام مقر القيادة العسكرية وكلف بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين، كما شارك أبو جهاد في حرب 1967 وقام بتوجيه عمليات عسكرية ضد جيش الاحتلال الصهيوني في منطقة الجليل الأعلى، وتولى بعد ذلك المسؤولية عن القطاع الغربي في حركة فتح و( مكتب تنظيم الوطن المحتل ) ، وهو القطاع الذي كان يدير العمليات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخلال توليه قيادة هذا القطاع في الفترة من 1976 – 1982 عكف على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة الفلسطينية كما كان له دور بارز في قيادة معركة الصمود الأسطورية ضد قوات الاحتلال الصهيوني في لبنان عامة وبيروت خاصةً في الرابع من حزيران عام 1982 والتي استمرت 88 يوماً خلال الاجتياح الصهيوني للبنان؛ وقد أشرف مباشرة على تشكيل منظمات الشبيبة التابعة لحركة فتح منذ خروج الثورة الفلسطينية من بيروت عام 1982 ، فكان حركات الشبيبة الطلابية في الجامعات والمعاهد العليا والمدارس الثانوية، والاتحاد العام للجان الشبيبة للعمل الاجتماعي في الأرض المحتلة ، واتحاد لجان المرأة للعمل الاجتماعي، والشبيبة العمالية، والشبيبة المهنية؛ وقد تقلد العديد من المناصب خلال حياته، فقد كان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وهي القيادة العليا للحركة، وأحد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني ، وعضو المجلس العسكري الأعلى للثورة، وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ونائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية، كما إنه يعتبر أحد مهندسي الانتفاضة الأولي انتفاضة الحجارة، وواحداً من أشد القادة المتحمسين لها، وقد خطط وقاد علميات فدائية عسكرية كثيرة في فلسطين المحتلة، أبرزها عملية الانزال البحري بشواطئ فلسطين المحتلة بقيادة الشهيدة دلال المغربي والتي كانت تستهدف مفاعل ديمونا النووي في النقب المحتل مما جعل الموساد يقرر اغتياله لخطورة عقليته العسكرية ومكانته العسكرية الكبيرة، وكونه من القادة القلائل الكبار؛ فقامت فرقة “كوماندوز” إسرائيلي بقيادة المجرم (ايهود باراك) رئيس وزراء حكومة الاحتلال سابقاً؛ وصلت فجر السادس عشر من نيسان، بالزوارق مطاطية إلى شاطئ تونس، وتم إنزال 20 عنصرا مدربين من قوات وحدة “سيريث ما تكال” من أربع سفن وغواصتين وزوارق مطاطية وطائرتين عموديتين للمساندة، لتنفيذ مهمة اغتيال “أبو جهاد” على شاطئ الرواد قرب ميناء قرطاجة، وبعد عودة “أبو جهاد” إلى منزله من اجتماعاته مع القيادات الفلسطينية، بدأ التنفيذ وإنزال الوحدة من كل مكان بسيارات أجرة، وبعد نزول أفرادها إلى الشاطئ بساعة تم توجيههم بثلاث سيارات أجرة تابعة “للـموساد” إلى منزل الشهيد الذي يبعد خمسة كيلو مترات عن نقطة النزول، بمساعدة عملاء وخونة للموساد،، وعند وصول “الكوماندز” إلى المنزل الكائن في شارع (سيدي بو سعيد) انفصلت الوحدة إلى أربع خلايا، وقدر عدد المجندين لتنفيذ العملية بمئات جنود الاحتلال، وقد زودت هذه الخلايا بأحدث الأجهزة والوسائل للاغتيال، اقتحمت إحدى الخلايا البيت فجرا، وقتلت الحارس الثاني ‘نبيه سليمان قريشان’ وتقدمت أخرى مسرعة لغرفة الشهيد ‘أبو جهاد’، فسمع الأخير ضجة بالمنزل بعد أن كان يكتب كلماته الأخيرة على ورق كعادته ويوجهها لقادة الانتفاضة للتنفيذ، وكانت آخر كلمة خطتها يده هي (لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة)، ورفع مسدسه وذهب ليرى ما يجري، كما روت زوجته، انتصار الوزير، وإذا بـ70 رصاصة تخترق جسده ويصبح في لحظات في عداد الشهداء ليتوج أميرا لشهداء فلسطين، ودفن “أبو جهاد” في العشرين من نيسان 1988 في دمشق، في مسيرة حاشدة غصت بها شوارع المدينة، بينما لم يمنع حظر التجول الذي فرضه الاحتلال جماهير الأرض الفلسطينية المحتلة من تنظيم المسيرات الرمزية وفاء للشهيد الذي اغتيل وهو يتابع ملف الانتفاضة حتى الرمق الأخير، ويوم استشهاد اذكر في الانتفاضة الاولي عم الغضب العارم الأرض المحتلة وارتقي في ذلك اليوم أكثر من عشرين شهيداً إلي العلياء لأن أبو جهاد رحمه الله كان الرجل القائد الثاني بعد القائد الشهيد ابو عمار فاشتهبت فلسطين حزناً وغضباً علي اغتياله من الاحتلال الصهيوني المجرم، وحسب تقرير صحفي نقلا عن صحيفة يديعوت احرونوت، للكاتب (غنين يرغمان) تحت عنوان “الجهاد لأبو جهاد، اغتيال خليل الوزير بعد أطول مطاردة في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية”، الذي نشر بتاريخ 24 -3-2012، أكد انه برغم تأخر التعرف على عرفات وأبو جهاد باعتبارهما قوة “إرهابية” صاعدة، أُثيرت في آب 1964م، فكرة اغتيالهما، فقد توجه رافي ايتان، الذي كان آنذاك رئيس بعثة الموساد في باريس إلى رئيس الموساد (مئري عميت) وطلب موافقته على خطة اغتيال أثناء مؤتمر طلاب جامعات فلسطينيين في ألمانيا الغربية، ولم يفلحوا في ذلك الوقت باغتيالهِ. ومن العمليات العسكرية التي خطط لها أبو جهاد، عملية نسف خزان زوهر عام 1955، وعملية نسف خط أنابيب المياه (نفق عيلبون) عام 1965، وعملية فندق (سافوي) في تل أبيب و قتل 10 إسرائيليين عام 1975، وعملية انفجار الشاحنة المفخخة في القدس عام 1975، عملية قتل ‘البرت ليفي’ كبير خبراء المتفجرات ومساعده في نابلس عام 1976، إضافة إلى عملية دلال المغربي التي قتل فيها أكثر من 37 إسرائيليا عام 1978، وعملية قصف ميناء ايلات عام 1979، وقصف المستوطنات الشمالية بالكاتيوشا عام 1981، وأسر 8 جنود إسرائيليين في لبنان ومبادلتهم بـ 5000 معتقل لبناني وفلسطيني و 100 من معتقلي الأرض المحتلة عام 1982، وخطط لاقتحام وتفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور، الأمر الذي أدى إلى مصرع 76 ضابطا و جنديا بينهم 12 ضابط يحملون رتبا رفيعة عام 1982، إدارة حرب الاستنزاف من 1982 إلى 1984 في جنوب لبنان، وعملية مفاعل ديمونة عام 1988 والتي كانت السبب الرئيسي لاغتياله. لقد اغتال الصهاينة الارهابيون الشهيد أبو جهاد وسمموا الشهيد القائد أبو عمار، واغتالوا الشهيد الياسين والشاقي وابو علي مصطفي، وقافلة الشهداء لا عد لها ولا حصر، لكنهم لم ولن يستطيعوا أن يغتالوا فلسطين، لأننا باقون هنا ما بقي الزعتر والزيتون وما بقي الليل والنهار وحركة فتح رائدة الكفاح المسلح وصاحبة المشروع الوطني الفلسطيني والدولة الفلسطينية المستقلة لم ولن تسقط خيار الكفاح المسلح وستبقي عيوننا وقلوبنا ترنو نحو تحرير فلسطين من برحها لنهرها طال الزمان أم قصر، بالرغم من الربيع الدموي والوضع العربي الهزيل المترهل في ظل خروج التكفيرين، ووصل ترامب المتهور لسدة الحكم في أمريكا، وانحراف البوصلة الدولية والعربية عن القدس الشريف، وعن فلسطين، ومع استمرار الانقسام الفلسطيني، برغم كل ذلك سيبقي الامل يحدونا نحو تحرير فلسطين، فلقد علمتنا تجارب التاريخ أن الدولة الظالمة بني صهيون حينما صولت الأن ( ولتعلون علواً كبيراً) كلما اقتربت جداً مرحلة السقوط والهبوط واندثار هذا الكيان الدخيل علي الوطن العربي وفلسطين، وإن أشد ساعات الليل حلكةً تلك الساعات التي تسبق بزوغ الفجر، رحم الله الشهيد القائد البطل أبو جهاد الذي خط أخر كلماته في الدنيا لتبقي نوراً تضيء لنا الطريق نحو النصر والتحرير وكانت باقية فينا تلك الكلمات:” لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة”، الرحمة للشهداء الأبرار، والحرية للأسري.

الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المفكر الإسلامي
مدير المركز القومي للبحوث العلمية
الأستاذ والمحاضر الجامعي غير المتفرغ
المفوض السياسي والوطني

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version