وثيقة حماس: استدارة ماكرة في منعرج خطر

بقلم: عدنان نعيم

إن التحليل الملموس للظرف الملموس، وكذلك القرار الملموس للواقع الملموس، هكذا قال أحد الفلاسفة؛ وقالت العرب أيضاً؛ إن لكل مقام مقال ولكل حادثة حديث، فما هو القول الذي تريد حماس أن تقوله من خلال وثيقتها التي صدرت مؤخرا (وثيقة المبادئ والسياسات)، في هذا الظرف الملموس الذي نعيشه وطنياً وسياسياً ودولياً.
وحين تجيئ هذه الوثيقة الآن وبعد الاعلان عن تشكيل ما سمي بـ (اللجنة الادارية لقطاع غزة)، وبعد دعوة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، للقاء الرئيس أبو مازن، والحديث عن صفقة سياسية، كذلك بعد قرار القيادة السياسية وضع حماس في خيارات اما ان يتم حل “اللجنة الادارية” وتعاد الامور القيادية في القطاع الى حكومة التوافق الوطني، واما ان تتحمل حماس مسؤولية الادارة المالية لقطاع غزة، كذلك جاءت الوثيقة في وقت نحن احوج ما نكون فيه الى تكاتف الجهود وتعزيزها لدعم ونصرة ابطالنا الاسرى في اضرابهم الملحمي.
في هذه الظروف جاءت وثيقة حماس التي ادعى “خالد مشعل” و(الذي جدد له استثنائيا للمرة الثالثة ليقود حركة حماس!!)؛ ادعى ان فكرة الوثيقة قديمة، وانه تم اعدادها وتقرر صدورها مؤخراً.
ومهما كانت التبريرات فإن حماس اضطرت لأن تعرض بضاعتها لأكثر من طرف؛ الطرف الاول الاسرائيلي والثاني الاميركي والدولي والثالث العربي، ولم تقدم هذه البضاعة لا للقيادة السياسية الفلسطينية ولا للشعب الفلسطيني، فعلى الصعيد الفلسطيني هذه الوثيقة جيدة دون “اللجنة الادارية لقطاع غزة” لان “اللجنة الادارية” تنسف تماماً المرامي الوطنية الموجودة بالوثيقة وتعزز الانقلاب باتجاه الانفصال التام، وهذا ما قد تستغله حماس لتقول (اجت منك يا جامع) أي سوف تستغل حماس قطع مخصصات الحكومة عن غزة لتقلب الحقائق وتقول ان هذا ما تريده السلطة الوطنية وان السلطة تعمل على تجويع الشعب، هذا قد ينجح في حال صَمَتَ الشارع الفلسطيني في غزة ولم يخرج بتظاهرات تدين استمرار الانقلاب وتطالب حماس بحل اللجنة الادارية.
اما دوليا وبعد الانفتاح الدبلوماسي والعلاقات الدولية الجيدة التي تم بناؤها مؤخرا من قبل القيادة الفلسطينية وما نتج عنها من دعوة الرئيس ترامب للرئيس ابو مازن، فان حماس سوف تكون معزولة سياسياً ودولياً وبذلك تجيئ وثيقتها لتقول (يا عالم يا ناس نحن هنا نعرض بضاعتنا!!!)، ونحن مستعدون لنكون بديلا عن قيادة منظمة التحرير الحالية و قد نقبل “بإمارة” غزة حالياً.
اسرائيلياً وعربياً… اسرائيلياً ما تريده اسرائيل، هو تعميق الانقسام وصولا الى الانفصال التام وتحقيق حلم تقسيم الوطن لإنهاء فكرة المشروع السياسي الفلسطيني القائم على دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران، وهذا يلتقي مع مصلحة حماس الحالية بإقامة إمارة غزة، اما عربيا، فبالرغم من لقاءات دبلوماسية قادها الرئيس في بعض الدول العربية، غير ان هناك للآسف بعض الدول العربية التي قد تتفق مع فكرة امارة غزة مع توسعات طفيفة في سيناء، واذا لاقى هذا الطرح موافقة دول عظمى، قد تجد اكثر من دولة عربية ممكن ان تدعم حركة حماس مالياً لتتمكن من ادارة “امارة غزة”.
فاذا كانت حماس جادة في وثيقتها عليها اولا، ان تحل اللجنة الادارية لقطاع غزة، وان تنهي الانقسام وتعاد اللحمة السياسية والادارية لقيادة الوطن تحت مظلة حكومة وفاق وطني يصار بعدها الى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وحينها قد يكون معقولاً ومقبولاً ان تعرض حماس بضاعتها (كبديل منافس) تحت راية منظمة التحرير وتحت انظمتها واعرافها التي احتكم لها الشعب الفلسطيني منذ تأسيس منظمة التحرير حتى اليوم؛ وغير ذلك تكون وثيقة حماس ما هي الا استدارة ماكرة وخطرة تهدد النسيج الوطني وتزيد تسطح الشقوق والتصدعات والخلافات الوطنية وتعزز من دوافع المغرضين المتربصين بقضيتنا الوطنية وعلى راسهم الاحتلال.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version