المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

مقالات الصحف العربية حول وثيقة حماس – الثلاثاء 9-5-2017

في هــــــذا الملف:
انقلاب حماس الآخر
بقلم: عمرو حمزاوي عن القدس العربي
وثيقة حماس: ضبابية التوقيت والأسباب
بقلم: محمد عايش عن القدس العربي
ما الذي لم تقله وثيقة «حماس»؟
بقلم: ماجد كيالي عن الحياة اللندنية
«حماس»: خطأ تقديم الآيديولوجيا على القضية
بقلم: غسان الإمام عن الشرق الأوسط
حماس إلى أين؟
بقلم: عبد الله السناوي عن الشروق المصرية
كنفانى.. والانقلاب الثانى لحماس
بقلم: طارق حسن عن المصري اليوم
وثيقة «حماس» ووهم دولة 67
بقلم: فايز رشيد عن الخليج الإماراتية
وثيقة حماس.. صاروخ طائش في الهواء الطلق
بقلم: المحامي سفيان الشوا عن رأي اليوم

انقلاب حماس الآخر

بقلم: عمرو حمزاوي عن القدس العربي
اليوم، أصبحت حركة حماس العنصر الأهم في تحديد سياسات الحكومة المصرية تجاه فلسطين وقضايا شعبها.
في 1 أيار / مايو 2017، أعلنت حركة حماس وثيقتها التأسيسية المعدلة ـ وثيقة المبادئ والسياسات العامة، وبها قبلت حل الدولتين وتراجعت عن رفضها لتسوية سياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل في إطار حدود 1967. وعلى الرغم من أن ذلك مثل انقلابا جذريا في مواقف حماس التي صبغت دورها في الحياة السياسية الفلسطينية منذ ثمانينيات القرن العشرين، إلا أن حكومة الجنرالات في مصر راجعت الوثيقة المعدلة بحثا عن انقلاب آخر وتعديلات أخرى ذات صلة بالشأن الداخلي المصري. وفقا لبيانها الأول تأسست حماس في 1987 كحركة مقاومة فلسطينية ذات مرجعية إسلامية وكامتداد لجماعة الإخوان المسلمين، ودأبت قيادات حماس في الداخل الفلسطيني وفي الخارج على تأكيد الانتماء الفكري والسياسي للإخوان طوال العقود الماضية. في الوثيقة المعدلة، أسقطت حماس الإشارة إلى هويتها كامتداد لجماعة الإخوان واكتفت بتعريف نفسها كحركة «تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها.» ولأن فك الارتباط مع الإخوان تلاقى مع هوى حكومة الجنرالات في مصر، احتفى الإعلام المدار أمنيا بانقلاب حماس الآخر واعتبره دليل واقعية سياسية وابتعاد عن إغضاب الشقيقة العربية الكبرى.
غير أن حكام الشقيقة الكبرى كانوا قد اختزلوا سياسة مصر تجاه فلسطين إلى «مسألة حماس»، وتراجعوا عن العديد من مرتكزات الدور المصري كما تبلور منذ ثمانينيات القرن العشرين (بعد اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية) كمفاوض ووسيط بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عينه على حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني وهدفه التمكين لتسوية سلمية في إطار حل الدولتين. فقد تدهورت العلاقات بين الحكومة المصرية وحماس في أعقاب انقلاب الجيش على الرئيس المنتخب محمد مرسي وإزاحته جماعة الإخوان المسلمين بعيدا عن مراكز صنع القرار في 3 تموز/يوليو 2013.
لم يثق حكام ما بعد الانقلاب في حماس التي اعتبروها حليفا طبيعيا للإخوان، وروجت وسائل الإعلام المدارة أمنيا دون دلائل لاتهامات تتعلق بتورط عناصر حماس في تهريب السلاح إلى الداخل المصري دعما للإخوان وبمشاركة الحركة في الإعداد لعمليات إرهابية في سيناء وفي أماكن أخرى لزعزعة الاستقرار وتهديد الأمن القومي. وفيما خص قطاعات واسعة من الرأي العام المصري، لم تكن نتيجة «الحملة على حماس» سوى صعود المشاعر المعادية لها من جهة، ومن جهة أخطر النزوع الشعبي لتجاهل القضية الفلسطينية وتراجع التعاطف مع الحق الفلسطيني في تقرير المصير والدولة المستقلة وفي وقف الإجرام الاستيطاني في الضفة الغربية ورفع الحصار عن قطاع غزة.
عوضا عن توظيفها لضرب الحصار الظالم على غزة، تحولت الحدود بين مصر والقطاع إلى أمر صراعي بامتياز وصار إغلاق الأنفاق التي دوما ما استخدمت لتمكين أهل غزة المحاصرين من الحصول على مستلزمات الحياة والبناء والمواد الطبية والبضائع الأساسية قضية أمن قومي. على خلاف سياسة حكومات الرئيس الأسبق مبارك وحكومة الرئيس محمد مرسي التي أغمضت العين عن الأنفاق، اتخذت حكومة الجنرالات خطوات عسكرية وأمنية متسارعة لإغلاق الأنفاق هدما وإغراقا وللتمكين للسيطرة الكاملة على الحدود وصولا إلى الإغلاق شبه الدائم للمعابر بين مصر والقطاع دون اعتبار للمأساة الإنسانية للفلسطينيين. ولأن الحكومة المصرية روجت لتصعيدها ضد حماس كضرورة يقتضيها دحر الإرهاب في سيناء، فإن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية هناك والفشل في الحد من جرائم عصابات الإرهاب التي تمددت من شمال سيناء إلى مناطق الوسط والجنوب رتبا المزيد من التصعيد ضد حماس التي باتت دون دليل محل اتهام بالتورط في الإرهاب. في 2013 و2014، توقف الحوار بين حماس وبين السلطات المصرية بما في ذلك جهاز المخابرات العامة الذي تولى تقليديا إدارة ملفات حماس وغزة.
عندما بدأت حكومة اليمين الإسرائيلية حربها على غزة في تموز / يوليو 2014، امتنعت الحكومة المصرية عن التحرك الدبلوماسي إقليميا وعالميا لوقف العدوان وتحقيق وقف لإطلاق النار. وكسر هنا مرتكز آخر لسياسة الرئيس الأسبق مبارك وسياسة الرئيس مرسي تجاه فلسطين، كان جوهره التدخل السريع في لحظات التصعيد العسكري. بدت حكومة الجنرالات مرحبة بأهداف الحرب الإسرائيلية، معاقبة حماس والقضاء على قدراتها العسكرية. وبدت قطاعات واسعة من الرأي العام المصري متوافقة مع مكيافيلية الموقف الحكومي الذي روج لكون حماس تمثل تهديدا للأمن القومي ولكون معاقبتها إسرائيليا تتلاقى مع المصالح المصرية. خلال أيام الحرب، لم تشهد المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية مظاهرات أو مسيرات للتضامن مع فلسطينيي القطاع، وعوقت السلطات المصرية وصول قوافل المساعدات الشعبية إلى القطاع، وحمل الإعلام على حماس باتهامات الإرهاب والعمالة لجماعة الإخوان الإرهابية.
شكلت حرب إسرائيل على غزة 2014 النقطة الأكثر هبوطا في منحنى تدهور العلاقات بين حماس وبين حكومة الجنرالات في مصر.
وفي أعقابها وبعد أن اتضحت قسوة العقاب الإسرائيلي، تغيرت السياسة المصرية لتعاود الانفتاح التدريجي على حماس بمكيافيلية رامت الإفادة من الضعف المرحلي للحركة. طلب من قيادات الحركة إعلان الابتعاد التام عن جماعة الإخوان المسلمين والتعاون الأمني مع السلطات المصرية لضبط الحدود، وفي المقابل تبلور وعد مصري بتطبيق نظام مرن بشأن المعابر مع قطاع غزة والابتعاد عن إغلاقها الكامل والمستمر. وبالنظر إلى الأوضاع المعيشية الكارثية لأهل غزة والدمار الذي أحدثته حرب 2014، فضلا عن حملة إغلاق وإغراق الأنفاق المتواصلة مصريا، لم يكن أمام حماس سوى قبول شروط حكومة الجنرالات. لذا، لم تحمل وثيقة المبادئ والسياسات العامة انقلابا وحيدا على مواقف حماس الماضية بشأن رفض التسوية السلمية، بل جاءت بالانقلاب الآخر على جذورها الفكرية والسياسية بفك الارتباط مع الإخوان.

وثيقة حماس: ضبابية التوقيت والأسباب

بقلم: محمد عايش عن القدس العربي
في 31 كانون الثاني/يناير 2009 قال المبعوث الدولي للجنة الرباعية طوني بلير (رئيس الوزراء البريطاني السابق) في مقابلة مع جريدة «التايمز» إن أي عملية سلام في الشرق الأوسط يجب أن تشارك فيها حركة حماس ويجب أن تكون جزءاً منها. بعد تلك المقابلة بست سنوات، وتحديداً في منتصف العام 2015 اجتمع بلير مع رئيس المكتب السياسي للحركة وقتها خالد مشعل في لقاءين أو ثلاثة سراً، وبعدها بعامين بالضبط، أي في أول أيار/مايو 2017 أعلنت حركة حماس وثيقتها السياسية البديلة للميثاق والتي لا تتضمن أي جديد سوى القبول بدولة على الأراضي المحتلة عام 1967!
في المؤتمر الصحافي الذي عقده مشعل للاعلان عن الوثيقة السياسية الجديدة كشف بشكل واضح وصريح أن كتابة هذه الوثيقة بدأ قبل عامين، وأن الوثيقة لم تكن وليدة لحظتها ولم يتم إنجازها في الأيام الأخيرة للقيادة السابقة، وهو ما يعني أن لقاءات مشعل السرية مع بلير كانت بكل تأكيد متزامنة مع بدء كتابة الوثيقة، وهو ما يفتح الباب أمام العديد من الأسئلة عما إذا كانت ثمة علاقة بين اللقاءات وما جرى فيها وبين هذه الوثيقة؟!
الإطار الزمني للأحداث يبدو أمامنا بالصورة التالية:
– 31 كانون الثاني/يناير 2009: بلير يؤكد أن لا اتفاق سلام بدون حركة حماس.
– 19 آب/أغسطس 2015: جريدة التايمز البريطانية تؤكد أن بلير التقى مشعل مرتين سراً في إطار وساطة بين الحركة واسرائيل.
– بعدها بأيام قالت صحيفة «هآرتس» العبرية أن بلير التقى نتنياهو قبل أن يلتقي مع مشعل لأول مرة.
– 1 أيار/مايو 2017: حركة حماس تبنت وثيقة ملزمة وافقت بموجبها على دولة فلسطينية على أراضي الـ67.
هذه المعطيات ليست دليلاً كافياً على أن ثمة ارتباطاً بين اللقاءات مع بلير وبين الوثيقة التي تقبل بدولة على حدود الرابع من حزيران/يونيو، لكن المشكلة الأساس هنا هو أن حركة حماس لم تجب على أهم سؤالين حول الوثيقة: الأول هو ما سر توقيت صدورها أو توقيت البدء بكتابتها أو توقيت البدء بنقاشها أو توقيت طرح فكرتها؟
أما السؤال الثاني فهو لماذا تريد حركة حماس تدوين ما تقول إنه ليس جديداً، وما تقول إنه ممارسة سياسية تقوم بها منذ 15 عاماً؟ إذ ما دامت الوثيقة لا تتضمن جديداً فلماذا صدرت؟ ولماذا استنزفت الحركة كل هذا الوقت في كتاب «لزوم ما لا يلزم»؟!
واقع الحال هو أنَّ الوثيقة تتضمن جديداً وإلا لما صدرت أصلاً، وواقع الحيال أن للوثيقة سبباً لأن كل شيء في العالم يحدث بسبب ولتوقيته مغزى ومعنى ومضمون، ونظرية الصدفة إن كان من الممكن أن تنطبق على بعض مناحي الحياة فانها بكل تأكيد لا يمكن أن تنطبق على السياسة.
بالنسبة لكثير من الفلسطينيين فإن القبول بدولة على أراضي الـ67 لا مشكلة بذلك، بل إن اسرائيل هي التي ترفض هذه الصيغة وليس الفلسطينيون، وكذلك فان الموافقة على أي «صيغة توافقية وطنية» – كما جاء في المادة 20 من وثيقة حماس – يمثل رسالة إيجابية يجب أن تُرفع لها القبعات، حيث أنها رسالة واضحة للداخل والخارج بأن الحركة تمد يدها للمصالحة والوحدة الوطنية والوفاق الداخلي، ولا غبار على ذلك.. لكن ما يخشاه الكثير في المقابل أن تكون الوثيقة السياسية استجابة لمطلب دولي أو إقليمي من أجل التفاوض – بشكل مباشر أو غير مباشر- مع اسرائيل، وبالتالي المضي قدماً في حل منفرد على غرار الحل الذي توصلت له المنظمة سراً مع اسرائيل في العام 1993 (اتفاقية أوسلو).
ليس عيباً ولا مشكلة أن تكون وثيقة المبادئ والسياسات حصيلة مراجعة شاملة أجرتها الحركة، وليس عيباً تصويب المسار ولا الاستجابة لمستجدات الواقع والمعطيات الدولية، فالثوابت غير واردة في السياسة، والمبادئ مكانها المساجد وليس ميادين السياسة، والسياسة في أبسط تعريفاتها هي «فن الممكن».. كل ذلك ليس عيباً لكن العيب والمشكلة هو أن نستجيب لاملاءات خارجية بأغلفة وطنية، أو أن نسير بمسارات منفردة تُذكرنا بحديث النبي الكريم (عليك بالجماعة فإنما يأكلُ الذئبُ من الغنم القاصية)، كما أن العيب كل العيب أن نجرب اليوم ما جربه الآخرون قبل ربع قرن وفشلوا به، وأن نقبل بنصف الحق بينما يرفض الاحتلال أن يعطينا ولو ربعه.
التوقيت والأسباب هما جانب يسير من الغموض الذي يكتنف وثيقة حماس المفاجئة، لكن ثمة الكثير من الملاحظات على مضمونها ربما يتسع لها المقام في مقالات أخرى ومناسبات أخرى، أما الرسالة الأهم التي يتوجب على حماس أن تفهمها وتقرأها فهي أن عليها التحلي بمزيد من الشفافية والافصاح، وعليها إطلاع الشعب الفلسطيني على ما تقوم به، ابتداءً من اللقاءات مع توني بلير وليس انتهاءً بالوثيقة السياسية والانتخابات الداخلية، ذلك أن الحركة لم تعد فصيلاً عابراً ولا رقماً هامشياً في الحياة السياسية الفلسطينية، إنها الحركة التي حصدت أصوات أغلب الفلسطينيين في آخر انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، وهو ما يعني أنها تحمل أمانة أصوات الملايين من أبناء هذا الشعب في الداخل والخارج.
على حركة حماس أن تُفصح علناً عن أسباب إصدار الوثيقة، وما الجديد فيها، ولماذا تم إعلانها على عجل قبل أيام معدودة من انتهاء ولاية المكتب السياسي وانتقال قيادة الحركة الى غزة، وعليها أن تفتح حواراً وطنياً شاملاً يُشارك فيه الجميع إن كانت تريد التفاوض مع اسرائيل، أو تريد تفويض أحد بالتفاوض، أو تسعى لاتفاق على أراضي الـ67.

ما الذي لم تقله وثيقة «حماس»؟

بقلم: ماجد كيالي عن الحياة اللندنية
تقتضي الموضوعية الاعتراف بأن وثيقة حركة «حماس» الجديدة، التي أعلنها رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، بحضور عدد من قياديي الحركة في العاصمة القطرية (الدوحة، 1/5)، تشكّل تطوراً مهماً في الفكر السياسي لهذه الحركة، بيد أن الجديد فيها يخصّ الحركة ذاتها، فقط، إذ إنه قديم بالنسبة للحركة الوطنية الفلسطينية عموماً، كأن «حماس» في ذلك مجرّد تتماهى مع السائد، التي ظلت تميّز نفسها عنه، منذ انطلاقتها قبل نحو ثلاثة عقود، في واقع حركة وطنية فلسطينية باتت متكلّسة ومتقادمة، من مختلف النواحي، في الأفكار والبنى وطرق العمل.
ويمكن تعيين التطورات «الجديدة» في الفكر السياسي الحمساوي في حسمه عدة قضايا، لعل أهمها يكمن في الآتي: أولاً، الاقتراب من برنامج الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، وإن بمصطلحات «حماس» واشتراطاتها؛ علماً أن الأمر ذاته حصل لدى إعلان برنامج «النقاط العشر»، في المجلس الوطني الفلسطيني (الدورة 12، 1974)، الذي تضمن إقامة «سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة» على أي بقعة أرض يجري تحريرها، ثم وصلنا إلى البرنامج المرحلي (دولة فلسطينية في الضفة والقطاع)، ومنه إلى اتفاق أوسلو (1993). طبعاً لا نقصد الإيحاء بأن التاريخ يعيد ذاته، وإنما نتحدث عن برامج برغماتية، تخرج من المبدئية أو الطهرية المدّعاة، لمسايرة الوضع الدولي والإقليمي، وأيضاً للتكيّف مع واقع العجز وضعف موازين القوى.
مع أهمية هذا التطور فإننا نلاحظ أن الوثيقة قيّدت تلك المقاربة باشتراطها عدم الاعتراف بإسرائيل، وتأكيد تحرير فلسطين من النهر إلى البحر (البند 20)، ما يبين أن المقاربة الحاصلة لم تأت نتيجة قناعة ذاتية، وإن الأمر ينطوي على برغماتية وتورية لإرضاء أطراف خارجية، أو يدل على اضطراب أو خلافات داخلية، وفي الحالين فإن هذه المقاربة غير ناجحة، ومن غير المتوقع أن تصل إلى الوظيفة المطلوبة.
ليس الجدال هنا عن مشروعية تمسّك «حماس» بحق الفلسطينيين في أرضهم التاريخية، وإنما عن مسؤوليتها عن توضيح كيفية إقامتها الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، إن لم يكن بالمفاوضات، أي بالتفاهم مع إسرائيل، ومن خلفها المجتمع الدولي، وبتقديم التنازلات. وقد كان يمكن لهذه الحركة بدلاً من مقاربة كهذه لم تثبت صحتها، على مدار أكثر من أربعة عقود، ومع إخفاق اتفاق أوسلو منذ قرابة ربع قرن، الذهاب نحو خيار الدولة الديموقراطية الواحدة، في فلسطين/إسرائيل، أي دولة مواطنين، أحرار ومتساوين، من دون أي تمييز، ما يفيد بنقل الكفاح من مجرد دولة في الضفة والقطاع إلى كامل فلسطين، على نحو أقرب لفهم «حماس». والمعنى أن خياراً كهذا، على رغم صعوبته، يعيد الاعتبار للتطابق بين أرض فلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين، كخيار نضالي ومستقبلي، لا سيما أن «حماس» قاربت برنامج الدولة في الضفة والقطاع، في شكل خجول، بعد أفوله؛ أي أنه كانت ثمة خيارات بديلة لا تضع حماس في هذا الموقف المتناقض والحرج.
ثانياً، قطعت «حماس» في وثيقتها الجديدة، مع فكرة الصراع الديني، باعتبار أن الصراع من طبيعة سياسية، وعلى قضية وطنية، مع الصهيونية، وكيانها إسرائيل، وليس مع اليهود كطائفة، أو اليهودية كدين (البند 16)؛ وهذا أمر على غاية الأهمية، علماً أن الحركة الوطنية الفلسطينية قالت بذلك منذ انطلاقتها، في منتصف الستينات. والمعنى أن هذه الحركة تكون بذلك تخلفت بمقدار أكثر من نصف قرن، عن الحركة الوطنية الفلسطينية، وأن الفلسطينيين دفعوا ثمناً باهظاً جراء ذلك، وضمنه جراء التناقض بين طابع «حماس» كحركة وطنية وطابعها كحركة دينية، مع كل التداعيات التي نجمت عن ذلك على الحركة ذاتها أيضاً.
ثالثاً، باتت «حماس» في وثيقتها تعتبر أن مقاومة إسرائيل لا تقتصر على الكفاح المسلح وإنما تشمل مختلف أشكال النضال (البند 25)، وهذه أيضاً مسألة كانت الحركة الوطنية الفلسطينية وصلت إليها قبل أكثر من ثلاثة عقود، مع معرفتنا أن قادة «حماس» صرحوا عن ذلك مراراً، إلا أن المقاربة على هذا الصعيد لم تتحول إلى ثقافة سياسية لدى معظم قادة ومنتسبي تلك الحركة، إذ ما زلنا نسمع يومياً عن عبارات هزيمة إسرائيل، وزلزلة الأرض تحت أقدامها، مع استعراضات عسكرية، وحديث عن إنتاج صواريخ وطائرات وكل ذلك في قطاع غزة المحاصر والذي يفتقد إمكانيات العيش! في هذا الإطار، أيضاً، فإن «حماس» لم تراجع البتة تجربتها العسكرية، لا سيما العمليات التفجيرية، والحرب بالصواريخ، التي أضرت بالفلسطينيين، ولم تحم قطاع غزة من التدمير والحصار، ولم تغير شيئاً أساسياً في معادلات الصراع مع إسرائيل، إذا فكرنا بالأمر بعيداً من الشعارات والعواطف والرغبات. وكلنا شهد كيف أن تصريحات بعض قادة حماس العسكريين تتحدث بعد الحرب العدوانية الأخيرة على غزة (2014)، عن «اشتراط» وقف الحرب، ببناء مطار وميناء ورفع الحصار، كأن «حماس»، مع كل التقدير للتضحيات والبطولات المبذولة، هي التي كانت تشنّ الحرب وتدمر في إسرائيل!
رابعاً، المقاربة الرابعة تتعلق بتأكيد «حماس» اعتبار منظمة التحرير كإطار وطني للشعب الفلسطيني (البند 29)، ومع أنها مقاربة خجولة، وقديمة، إلا أن تضمينها في الوثيقة يكتسب أهميته من ضرورة حســم هذا الأمر في الثقافة العامة للحمساويين الذيـــن عاشوا على أساس النأي بحركتهم عن الإطار الوطنـــي الفلسطيني عموماً، في الأفكار والسياسات وطـــرق العمل والتجربة التاريخية. ومعلوم إذ ثمة كثر في «حماس» يعتقدون بأن الكفاح الفلسطيني بدأ مع انطلاقة حركتهم، علماً أنها انطلقت، أصلاً، بعد أكثر مــن عقدين على ولادة الحركة الوطنية الفلسطينية المعـاصرة، ومن دون أن تختبر نفسها في التجارب الغنيــة والمختلفة التي شهدتها، بما لها وما عليها. مع ذلك فإن هذه المقاربة أتت متأخرة كثيراً، إذ ما زالت «حماس» خارج المنظمة، وهي لم تقدم في العقود الثلاثة الماضية أية مقاربة عملية تسهّل الانخراط فيها، على رغم معرفتنا بتعقيدات هذا الأمر، وأن ثمة بعض مسؤولية يقع على عاتق القيادة الفلسطينية، أي قيادة المنظمة والسلطة وفتح، بل إن «حماس» اليوم تقف كسلطة في غزة في مواجهة السلطة في الضفة، في واقع الانقسام السياسي الحاصل.
عدا هذه المقاربات، فقد غابت عن الوثيقة الجديدة مسائل كثيرة على غاية في الأهمية، كما تضمنت عديداً من التناقضات، ومثلاً، فإن هذه الوثيقة لم تقطع بين طابع «حماس» كحركة سياسية وطنية وبين طابعها كحركة دينية، وكجزء من تيار الإسلام السياسي، أو يتبع منظومته الفكرية؛ وهذا واضح من مضامين عديد من بنود الوثيقة (البنود 1 و8 و9). ثانياً، افتقدت الوثيقة أي نوع من النقد الذاتي، لشعارات «حماس» وتجربتها وطرق عملها، في المقاومة والسلطة، في السياسة والتنظيم، وكان الأولى بقادتها المعنيين لو تركوا فسحة لمراجعة نقدية في وثيقتهم، لأن النقد هو دليل عافية وصدقية، أما المكابرة والإنكار فيؤديان إلى المهالك، كما أنهما دليل لا مبالاة للتضحيات وهدر البطولات وتبديد المنجزات. ثالثاً، لم تراجع تلك الحركة تجربتها السياسية، لا في المقاومة ولا في السلطة (في غزة)، ولعل هذا أهم ما يؤخذ على تلك الوثيقة، ولا أدري كيف فات أولي الأمر هذا الموضوع، إلا إذا تعمدوا ذلك. وفي الواقع فإن حركة «حماس» كانت معنية بالتوضيح للفلسطينيين ماذا تعمل في غزة منذ عشر سنوات؟ هل نجحت أم أخفقت في إدارتها للقطاع؟ وهـــل بات وضع الفلسطينيين في غزة أفضل معها أم مـــن دونها؟ أيضاً كان عليها التوضيح ماذا ستفعل في القطاع؟ فهل تريده قاعدة للتحرير؟ أم تريده نموذجاً للدولــة الفلسطينية المقبلة؟ رابعاً، تحدثت الوثيقة عن انحـــياز «حماس» إلى الخيار الديموقراطي (البند 28) فــــي العمل الوطني، لكنها حصرت ذلك في مؤسسات منظمـــة التحرير، في حين الأولى بها أن تقدم نموذجها للديموقراطية في طريقة إدارتها للسلطة في غزة، أي في إشراك القوى الحليفة لها على الأقل، وعدم إدارة غزة بطريقة أحادية وإقصائية وتسلطية، على المجتمع وعلى الفصائل الأخرى، فهذا اختبار «حماس» للديموقراطية قبل أي شيء آخر.
في الإجمال فقد فاجأتنا «حماس» كثيراً، في وثيقتها، أولاً، بهذه المبالغة الاحتفائية بها وبـما اعتبرته تجديداً في فكرها السياسي. وثانياً، في قولها إن إعداد الوثيقة استغرق أربعة أعوام! وثالثاً، في غياب أي مراجعة نقدية وعقلانية لتجربتها، المثيرة للجدل، طوال ثلاثة عقود. ورابعاً، بعدم طرحها للنقاش العام قبل إقرارها، ما كان من شأنه إغنائها وتشكيل إجماع مناسب من حولها. وخامساً، في إعلانها من الدوحة وليس من غزة والضفة.
نعم ثمة «تطور» في الفكر السياسي لـ «حماس»، كما ظهر في الوثيقة، بيد أن ذلك لا يعني تطوراً حقاً، إذ أنه مجرد مقاربة لمفاهيم سياسية سائدة منذ ثلاثة عقود، بل منذ ما قبل ولادة هذه الحركة. وباختصار فإن الواقع يسبق الحركة الوطنية الفلسطينية، التي تعاني من العجز والتكلس والفوات، سواء كان اسمها «فتح» أو «حماس» أو بقية «الجبهات».

«حماس»: خطأ تقديم الآيديولوجيا على القضية

بقلم: غسان الإمام عن الشرق الأوسط
في أزماتها المتواصلة، تعيش الحركات الإسلامية السياسية والمسلحة مأساة التناقض بين «فن الممكن» و«فن المستحيل». ولا أدل على ذلك سوى المقارنة بين ميثاق حركة «حماس» الصادر قبل 29 سنة. ووثيقتها الجديدة التي صدرت في أول مايو (أيار) الحالي.
أزمة «حماس» لا تنفصل عن أزمة «الإخوان». وأحزاب «العدالة والتنمية» التركية والعربية. وحركة «النهضة» التونسية. و«حزب التحرير» الإسلامي، وصولاً إلى تنظيمات العنف الديني المتزمتة كـ«داعش». و«طالبان». و«بوكو حرام». و«القاعدة». و«جبهة النصرة» التي تحولت إلى «فتح الشام». وتمتد الأزمة لتشمل الدولة الدينية الشيعية في إيران. وذراعها اللبنانية «حزب الله» الذي يشارك في ذبح السوريين، بترخيص من بشار.
هذه التنظيمات تسيَّست مستلهمة مراجعها الدينية. ثم يحاول بعضها، كما في تركيا. وتونس. وغزة، «تعقيل» مظهره الخارجي، لاجتذاب الأجيال الشابة. وإغرائها بمنطق ديني إيماني ينافس مبدأ الديمقراطية الغربية، في المساواة بين مواطنيها في الحقوق والواجبات.
تجربة الدولة الدينية الطالبانية. و«الداعشية». والإيرانية، لا توحي بالتفاؤل بإمكانية تطوير التنظيم أو النظام الديني المتزمت. واكتفت التجربة الشيعية الفارسية، باستلهام «ديمقراطية» الطليعة في التجربة الماركسية. فمنحت النخبة الدينية الحاكمة حرية الكلام. وعقدت حواراً تلفزيونياً لمرشحيها الستة للرئاسة. وحرمت المئات من الترشيح، بمن فيهم الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد.
في الحديث عن تطوير التنظيمات الدينية (السنيّة)، يمكن القول إن «تعقيل حماس» تم شكلياً في «المظهر». كما قال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي المتقاعد أو المستقيل، وهو يقدم الوثيقة الجديدة، ملزماً خلفه إسماعيل هنية بهذا الشكل المجرد من العمق والمضمون.
الأمر الإيجابي في تجربة «حماس» هو عدم تقليد النظام الشيعي الإيراني و«حزب الله» في التورط بممارسة العنف الإرهابي على مستوى عالمي. واقتصرت العمليات الانتحارية الحماسية على اجتياح الشارع الإسرائيلي، رداً على الاغتيال الإسرائيلي لزعمائها: أحمد ياسين. عبد العزيز الرنتيسي. صلاح شحادة. محمود المبحوح… ومحاولة تسميم خالد مشعل.
لكن الخطأ المروِّع في المشروع الديني الحماسي، كان في تقديم آيديولوجيا العقيدة، على القضية القومية الفلسطينية. وعلى الوحدة الوطنية. كان بالإمكان علاج الفساد والترهل بالصدمات السياسية. أدى انتزاع غزة من سلطة الحكومة الشرعية، إلى عدم نجاح كل محاولات النظام العربي، وبالذات الخليجي، لمصالحة «حماس» وفتح، بسبب تأجيل «حماس» للوحدة الوطنية.
كان احتكار غزة بمثابة كارثة. فقد أضعفت ثقافة الحصار والتزمت في تطبيق الشريعة معنويات الإنسان الغزي ووعي المرأة. سارعت «حماس» إلى تطبيق ميثاقها الصادر في عام 1988. متحالفة مع إيران في اعتماد صاروخ القصدير غير الدقيق في إصابة الهدف. وفي التضحية بالإنسان المدني الفلسطيني في الحرب مع إسرائيل (2500 قتيل في حرب عام 2014)، متجاهلة حاجتها إلى عمق استراتيجي، في قطاع محاصر وصغير (310 كيلومترات مربعة) وخالٍ من الجبال. ولا يصلح لتطبيق شعار التحرير من النهر إلى البحر، في غمرة الكثافة السكانية الهائلة (مليونا إنسان) غير المحمية من القصف المدفعي والجوي. والهجوم البري المتعمد لإنزال الخسائر بالمدنيين.
لا يمكن مقارنة «تعقيل» الحركات الدينية الإسلامية، بالتطور السياسي للحركات المسيحية في أوروبا. فقد اعتنقت الأحزاب المسيحية التي حكمت إيطاليا. وما تزال تحكم ألمانيا، الديمقراطية الليبرالية. وغادرت الكنيسة إلى الشارع السياسي والشعبي. ووصل بها التسامح الديني إلى حد توطين ألمانيا لنحو مليون لاجئ سوري مسلم.
تحررت المرجعية الدينية الفاتيكانية من الكبت الكاثوليكي الذي مارسته في القرون الوسطى. اعترف البابا جون بول بالأديان السماوية. واعتذر البابا الحالي فرانسيس لشيخ الأزهر عن تخلف البابا الألماني بنديكت السادس عشر في فهم روح الإسلام.
وثيقة «حماس» الجديدة تتضمن 42 بنداً للتعريف بالقضية الفلسطينية من وجهة نظر دينية. ومعظمها بنود إنشائية لا تحتوي على تجديد. وأهم ما فيها بالمقارنة مع الميثاق القديم، هو «الطلاق» بين «حماس» وجماعة «الإخوان». وهو غير مقنع للعقل والمنطق.
لكن الانفكاك يسمح لـ«حماس» بتحويل الصراع الديني والمذهبي مع يهود إسرائيل، إلى مجرد مواجهة مع المشروع الصهيوني، كما هو في رؤية الأحزاب والتيارات الفلسطينية غير الدينية.
هناك أيضاً «تنازلات» لإرضاء إسرائيل، وقبولها بدولة «حماس» الدينية بجانبها على حدود عام 1967. الأرجح أن تصر إسرائيل على تحييد هذه الدولة عسكرياً وسلاحياً. غير أن الهدنة التي تقترحها «حماس» لا تعادل معاهدة سلام تلزم إسرائيل بعدم الاعتداء على دولة دينية محايدة.
أود أن أشير هنا إلى أن خالد مشعل سبق له أن تحدث منذ سنين، عن دولة فلسطينية تقوم على حدود عام 1967، بجوار إسرائيل. بل أستطيع أن أقول إن محادثات سرية جرت معه لعقد هدنة. وفتح مطار وميناء غزة. ووقف استيطان الضفة. في مقابل إنهاء علاقة «حماس» مع إيران و«حزب الله». وقام بهذه الاتصالات توني بلير (ممثل لجنة الطريق الرباعية) ووسطاء أوروبيون آخرون.
استقالت «حماس» من إيران. طلقت «الإخوان». لكن أقامت علاقات وثيقة مع قطر التي تحتفظ بعلاقة وطيدة مع «الإخوان». ويرتبط مشعل بعلاقات وثيقة مع كبار المسؤولين القطريين. وتبرعت قطر بنحو 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة الذي يكلف ستة مليارات دولار.
واضح أن قطر توافق على الوثيقة الحماسية الجديدة. وتعتبرها إنجازاً كبيراً لها. فهل يوافق عليها النظام العربي؟ تعب العرب. والفلسطينيون. واليهود من المواجهة المستمرة منذ أكثر من مائة سنة. واستعصت القضية على الحل، مع نشوء الحركات الدينية الإسلامية. وعناد إسرائيل. وتحولها إلى اليمين الديني والصهيوني. لكن أميركا أوباما لم تعرف انتهاز الفرصة لفرض حل. فهل تفعل ذلك أميركا ترمب التي تظهر ودها إزاء النظام المصري والدولة الخليجية. ورغبتها في ردع إيران عن مواصلة التدخل في العالم العربي؟
ما الحل، إذن، في الضفة وغزة؟ لقد تغيرت الظروف لفرض حل بالقوة على أي من الجانبين. الحل المتاح يعتمد ثقافة التنمية. فهي أيضاً مقاومة وطنية كالحق المشروع بمقاومة مسلحة، في مواجهة دولة محتلة تملك القوة العسكرية لدولة عظمى. تحويل الضفة إلى سلة زراعية وصناعية. وغزة إلى لؤلؤة اقتصادية/ سياحية مزدهرة. ومحاكية للدولة/ المدينة في سنغافورة. وهونغ كونغ. ودبي. ومجتمع فلسطيني مزدهر اقتصادياً ومستريح اجتماعياً. كل ذلك سوف يفرض على إسرائيل إنهاء الاحتلال. والانسحاب. ووقف الاستيطان (الذي بني بأيدي العمال الفلسطينيين البائسين). وقد عبر مسؤولون إسرائيليون كبار علناً عن استعدادهم لفك الحصار عن غزة. والاعتراف بدولة فلسطينية في الضفة وغزة مزدهرة ومتقدمة اقتصادياً، ولا تعتمد المواجهة الدينية العصبية. ثم تتسوَّل المنح المالية من أوروبا وأميركا، لمواصلة حفر الأنفاق. وقمع الناس. والتباهي بإطلاق صاروخ التنك.

حماس إلى أين؟

بقلم: عبد الله السناوي عن الشروق المصرية
لم تكن «وثيقة حماس» مفاجئة فى صياغاتها وتوجهاتها وما حاولت أن تعدله من هويتها.
على مدى زمنى طويل نسبيا تبدت إشارات وتسريبات عن قرب إعلانها تقبل إعلان دولة عند حدود الرابع من يونيو عام (١٩٦٧) وفك ارتباطها التنظيمى بجماعة «الإخوان المسلمين».
دون التباس الوثيقة رسالة واضحة بـ«أننا جاهزون» أن نكون طرفا رئيسيا مباشرا فى أية مفاوضات محتملة يتبناها الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب».
الصياغات الملتبسة لا تنفى الحقائق الماثلة وتوقيت إعلانها قبل زيارة رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» إلى البيت الأبيض بثمانى وأربعين ساعة ليس محض مصادفة.
هكذا الأمور على حقيقتها إعادة تأهيل لدخول مضمار «عملية التسوية»! على الرغم من أنها وصلت إلى طريق مسدود وإخفاقاتها دأبت الحركة على انتقادها على مدى عقود، كأنها تضرب فى شرعيتها دون أن تتضح معالمها الجديدة.
اللعبة بدأت ولا أحد بوسعه أن يجزم إلى أين تمضى أقوى حركة مقاومة مسلحة فلسطينية.
هناك لاعبان إقليميان وراء ذلك التطور ــ تركيا وقطر، الأولى أعلن وزير خارجيتها قبل فترة قصيرة عن تأهب حماس لتقبل دولة فلسطينية عند حدود الرابع من يونيو (١٩٦٧)، والثانية استضافت المؤتمر الصحفى فى الدوحة، كما أن هناك لاعبين آخرين فى الإقليم والعالم تابعوا المشهد ويترقبون ما بعده.
لمثل تلك التحولات الدراماتيكية فواتير واستحقاقات.
كألعاب الدومينو سوف تتساقط أحجار كثيرة والعبرة بالممارسات قبل الوثائق.
بصورة ما حاولت «حماس» بصياغات ملتبسة أن تزاوج بين إرثها السياسى وواقعيتها الجديدة حتى تتجنب الاتهام بأنها انقلبت على نفسها ونفت هويتها كحركة مقاومة.
لقد أكدت على أغلب الأدبيات التقليدية، التى ارتبطت بها على مدى ثلاثين سنة، فلا اعتراف بإسرائيل واتفاقات أوسلو ولا تخلّ عن السلاح، وأن كل ما طرأ على أرض فلسطين من احتلال أو استيطان أو تهويد أو تغيير للمعالم أو تزوير للحقائق باطل، لكنها افتقدت روحها وبدت عبارات معلقة لا سياسات متبعة.
كان ذلك خطابا تبريريا أمام قواعدها وأنصارها لم يعره أحد فى العالم اكتراثا كبيرا، فتجربة التاريخ تثبت أن هناك مسارا إجباريا يأخذه هذا النوع من الواقعيات السياسية التى تطلب شرعية ما من الآخرين، فبعد كل تنازل ضغط جديد وتطويع إضافى.
من المواقف الجديدة الدالة دعم المبادرة العربية للسلام، التى تعنى بالضبط التطبيع الكامل بين الدول العربية وإسرائيل مقابل الانسحاب الشامل من الأراضى العربية المحتلة منذ عام (١٩٦٧).
لا أحد عاقل ــ فى الموازين الحالية والحقائق التى تتحكم فيها ــ يتوقع مثل هذا الانسحاب، وما هو معروض الآن تطبيع بلا ثمن.
لماذا تقدم حماس على هذه الخطوة شبه المجانية؟
إنها محاولة لتخفيف الضغوط الدولية والإقليمية عليها وسعى للاعتراف بها كلاعب فلسطينى معتمد فى أية تحركات سياسية مقبلة.
إعلان القبول بدولة على أراضى ما قبل (٥) يونيو (١٩٦٧) مجرد خطوة أولى، وأى كلام آخر خداع للنفس.
لا شىء مستبعد، هكذا قواعد اللعبة التى خبرها العالم العربى منذ أول اتصال سرى بإسرائيل.
فى عام (١٩٨٨) انزلقت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية باسم الواقعية السياسية من إعلان الاستقلال من طرف واحد فى الجزائر إلى تفريغ قضية الاستقلال من أى معنى تحررى والانخراط فى مفاوضات واتصالات ــ علنية فى مدريد وسرية فى أوسلو ــ أفضت إلى «سلام بلا أرض» بتعبير المفكر الفلسطينى الراحل «إدوارد سعيد».
وقد كانت مفارقة كبرى أن «سعيد» شارك بأدوار جوهرية فى التمهيد لإعلان «وثيقة الاستقلال» قبل أن يصاب بخيبة أمل فى الحصاد الأخير.
عندما صاغ «محمود درويش» بإلهام الشعر ورفعة اللغة وثيقة الاستقلال كانت منظمة التحرير الفلسطينية مازالت تحتفظ بقوة تمثيلها للشعب الفلسطينى، وجاءت الصياغة تعبيرا عن توافقات وتفاهمات بين فصائلها، وذلك لا وجود له الآن.
الأخطر أن المنظمة نفسها أطلال ماضٍ انقضى، فلا هى بيت فلسطينى جامع لوحدة الشعب والقضية، وكان آخر دور لعبته التوقيع باسمها على أوسلو.
لإحياء المنظمة ضرورته لكن ليس بالطريقة التى تحدثت بها حماس فى وثيقتها عن الحفاظ عليها والعمل على تطويرها.
لا معنى لمثل هذا الكلام الفضفاض إذا لم يتوقف الانقسام الفلسطينى وتدمج تحت أفق سياسى واحد القضية وشعبها فى غزة والضفة الغربية وعرب (١٩٤٨) واللاجئون فى المنافى والمخيمات.
أسوأ استنتاج ممكن من ذكر منظمة التحرير الفلسطينية فى سياق الظروف الحالية أن تكون قيادتها موضوع نزاع جديد بين «حماس» و«فتح» ـ أيهما أكثر استعدادا للوفاء بمهمة استلام الدولة دون أن تكون هناك دولة لها ملامح وحدود وعندها جيش وسيادة.
لا يوجد مؤشر واحد على ما يسمى «الشريك الإسرائيلى» فى التسوية بينما التنازع على الوهم مطروح داخل الفلسطينيين.
كما أن «حل الدولتين» يكاد أن يكون وهما آخر، بافتراض التوصل إليه، فالجزء الأكبر من الضفة الغربية تآكل بالاتساع الاستيطانى وأعداد المستوطنين وصلت إلى نحو (٨٠٠) ألف إسرائيلى.
أقصى ما يمكن أن يفعله «الراعى الأمريكى المفترض» طلب التمهل فى التوسع الاستيطانى، ولا شىء أكثر.
هل هى «دولة غزة» مع بعض أجزاء من الضفة الغربية مع اقتطاع جزء من سيناء المصرية وفق صيغة تبادل أراضٍ؟
مصر ترفض، وليس بمقدور أحد فيها أن يتساهل أو يقايض على أراضيها.. و«حماس» على لسان رئيس مكتبها السياسى «خالد مشعل» تعلن رفض أى مشروع لوطن بديل.
لا شىء واحدا ممسوكا فى كل الحديث الملتبس والغامض عن «صفقة القرن» والتسوية المنتظرة.
ما معنى إعادة التأهيل إذا لم يكن انزلاقا إلى تنازلات أفدح باسم الواقعية السياسية تتجاوز كل الخطوط الحمراء وكل العبارات الملتبسة فى وثيقة «حماس»؟
كما أن نأى الحركة عن جماعة «الإخوان المسلمين» لا يعبر عن مراجعة فكرية وسياسية بقدر ما هو استجابة لضرورات الانفتاح على مراكز إقليمية ودولية عديدة، بينها مصر.
كان لافتا والحركة تعلن نأيها عن الجماعة أن بعض وجوهها المعروفة متواجدة فى المكان.. و«خالد مشعل» يؤكد فى السياق نفسه أن الحركة تنتسب إلى المدرسة الفكرية للجماعة الأم ولا تتنكر لها والسهام تنهال عليها.
لأسباب عملية، قبل أن تكون فكرية، أعلنت الحركة هذا النأى، وكل احتمال على المحك.
فى تعريف هويتها قالت الوثيقة: «إن حماس حركة وطنية فلسطينية بمرجعية إسلامية هدفها تحرير فلسطين بكل أشكال المقاومة وأدواتها بما فيها الكفاح المسلح».
التعريف فضفاض، وهو بدوره على محك التطورات المقبلة.
ما هو حاسم فى النظر إلى الوثيقة الجديدة مدى التحولات فى سياسات حماس وإلى أى مدى سوف تنزلق؟
إذا تبارت الفصائل الفلسطينية فى إياها أكثر مرونة واستعدادا لتقديم التنازلات كى تكون الشريك المعتمد فى أية صفقة منتظرة فإن كل شىء سوف ينهار وتضيع أعدل القضايا إلى الأبد.

كنفانى.. والانقلاب الثانى لحماس

بقلم: طارق حسن عن المصري اليوم
وثيقة حماس الجديدة لا تعدو سوى إشارة انطلاق الانقلاب الثانى لحماس.
عام ٢٠٠٦ شاركت حماس لأول مرة بالانتخابات التشريعية الفلسطينية.
وفِى عام ٢٠٠٧ جاء انقلاب حماس الأول الذى سلخت فيه قطاع غزة عن بقية الأراضى الفلسطينية المحتلة فى الضفة الغربية.
الآن تقول وثيقة حماس الجديدة إن القضية مع إسرائيل لم تعد دينية، بل سياسية وطنية، وإنها تعترف بدولة فلسطينية على الأراضى المحتلة عام ٦٧، لكنها لن تعترف بإسرائيل، ولن تتنازل عن كامل فلسطين. ودعك من حديثها عن كامل فلسطين، فهى لم تفعل سوى تطبيق
مشروع شارون فى فصل غزة أحاديا وتدمير أساسات أول سلطة وطنية فلسطينية فى التاريخ.
والحقيقة أنه ليس مطلوبا من حماس، كفصيل، الاعتراف أو عدم الاعتراف مع إسرائيل، إنما المطلوب منها أن تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطينى. ولذا تبدو الترجمة الواقعية لوثيقة حماس الجديدة هى أن حماس تريد أن تكون بديلا لمنظمة التحرير أو على الأقل استبدال حماس بفتح فى رئاسة منظمة التحرير. وهذا هو جوهر الانقلاب الثانى أو المقبل لحماس.
مع كل قرار نوعى لحماس تجد الأمريكيين دائما على الخط. تعمدت حماس إعلان وثيقتها الجديدة قبل ساعات قليلة من زيارة الرئيس الفلسطينى الأخيرة لواشنطن للقاء ترامب. ولا تغفل عن دلالة قولها لترامب وغيره: أبومازن لا يمثل إلا نفسه. أما فى عام ٢٠٠٦، فقد أصر، بل ضغط الأمريكيون من أجل عقد الانتحابات الفلسطينية بمشاركة حماس، ورفضت فتح وأغلب القيادات الوطنية، كما نصحت مصر بعدم عقد مثل هذه الانتخابات دون إلزام حماس بمقتضيات اتفاقية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية والتزامات منظمة التحرير، لكن أبومازن استمع إلى الصوت الأمريكى وحده، فدخلت حماس انتخابات تنظمها اتفاقية أوسلو وبرعاية منظمة التحرير، وهى تسب وتلعن أوسلو وفتح ومنظمة التحرير. وأنت تعرف حاليا كيف جاءت النتيجة أو الكارثة الوطنية الفلسطينية.
ولا مرة أثبتت حماس أن قضيتها الأولى هى إسرائيل أو تحرير فلسطين، إنما هى القيادة فى فلسطين، أو الهيمنة على القضية الفلسطينية. فى مارس 2005، جاء خالد مشعل للقاهرة للانضمام إلى حوار المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، لكنه ترك قاعة حوار المصالحة فى مدينــــة أكتوبر إلى جريدة الأهرام، ليقول فى ندوة نظمت له بناء على طلبه: فى الستينيات دفعت مصر بحركة فتح إلى قيادة منظمة التحرير والعمل الوطنى الفلسطينى، وقد جاء الآن دورها لإعطاء حركته هذه القيادة.
لا يكفى أبدا أن تصدر حماس وثيقة جديدة من النوع المطاطى الذى أعلنته أخيرا، لكى نقول إننا صرنا إزاء حماس مختلفة ومتطورة عما سبق. الاختلاف والتطور فى حالة حماس إنما يكون بفك أسس وقواعد تقاطع المصالح بين حماس وإسرائيل. هذا التقاطع الذى لم تقتصر نتائجه الكارثية على الداخل الفلسطينى فقط، بل امتد تجاه مصر أيضا.
فى كتابه الجديد «عن الفلسطينيين فقط.. جدلية النجاح والفشل» الذى صدر بالقاهرة أخيرا يكشف مروان كنفانى، مستشار الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، أنه «فى بداية صيف عام ١٩٩٤، وبعد توقيع اتفاق غزة- أريحا أخبرنى الرئيس عرفات أنه متحسس من دخوله فى القفص، على حد تعبيره. وأن هذا القفص ليس سوى تقاطع المصالح بين حماس وإسرائيل.
يقول كنفانى نصا: تحدث الرئيس عرفات يومها عن احتمالات وقوعه بين نارين ومن جهتين مختلفتين ومتعاديتين، تجمعهما لأسباب مختلفة مصلحــــة واحدة فى التخلص من منظمة التحرير والسلطة الوطنية ومنه، أى الرئيس عرفات شخصيا. هذا التخوف، الذى تحقق فعلا بعد عشر سنوات على عودته لأرض الوطن.
بنباهة الباحث أيضا يرصد كنفانى أنه منذ أنشئت حركة حماس عام ١٩٨٧ وحتى وقتنا الحاضر لم تتحالف حماس أو تتعاون أو تقود أى تجمع لأى تنظيم سياسى أو إدارى فلسطينى مشترك، كما لم تقدم أى صيغة لهذا الغرض حتى مع حركة الجهاد التى تتماثل معها فى بعض الأهداف والوسائل.
يصيف كنفانى: قد يبدو موقف حماس هذا طبيعيا باعتباره تقليدا ثابتا لجماعة الإخوان، التى ولدت حماس، ونمت وترعرعت
ضمن مفاهيمها وقناعاتها.
تزامنا مع زيارته الأخيرة لأمريكا، هدد الرئيس الفلسطينى أبومازن باستراتيجية جديدة أكثر حسما لإخضاع حماس لإرادة السلطة الفلسطينية. ربما يكون الوقت قد تأخر بعد ١١ عاما من انفصال حماس بقطاع غزة. إنما الأكيد أن أى استراتيجية لن تكون مجدية ما لم تضع حدا لتقاطع المصالح الذى يشكل أساس التحالف الموضوعى بين حماس وإسرائيل. يقول مروان كنفانى: عندما أعد ميدان
المواجهة الكبرى فى انتفاضة عام ٢٠٠٠، كانت حماس وإسرائيل نظريا، ولأسباب مختلفة تسعيان لإنهاء السلطة الوطنية واتفاق أوسلو، والرئيس عرفات نفسه. وقد تم لهما ذلك كما نعرف جميعا.

وثيقة «حماس» ووهم دولة 67

بقلم: فايز رشيد عن الخليج الإماراتية
بداية، إن الدولة الفلسطينية على كامل حدود عام 1967 ليست معروضة على شعبنا، و لن تُعرض مطلقاً من قبل هذا العدو الصهيوني الذي ما زال يحلم بمشروع دولته الكبرى. ثانياً، لماذا إذن أخرجت حماس وثيقتها الجديدة إن لم تتضمن تغييراً في استراتيجيتها؟ كما يحاول بعض قيادييها ومؤيديها الترويج، فمبجرد القول إن الوثيقة عدّلت من أطروحات حماس الأولى، فمعنى ذلك: «افهم أيها العالم، أننا أصبحنا نوافق على تسوية سياسية، ما دامت الهدنة (التهدئة) قائمة بين العدو وسلطتنا في القطاع».
في تحليل مضامين أية خطوة، علينا أخذها في السياق الزمني والظروف التي جاءت فيها. المقصود القول، إننا نعيش تنكراً صهيونياً لإقامة دولة فلسطينية حتى على 60% من أراضي الضفة الغربية، وهي أيضاً قابلة للتآكل بفعل الاستيطان الصهيوني الذي تضاعف عشرات المرات بعد توقيع اتفاقيات أوسلو الكارثية.
كذلك، فإن الطرف الرسمي الفلسطيني أعلن استعداده لتعديل حدود عام 1967. وإن الأحزاب الصهيونية مجتمعة اتفقت على اللاءات الخمس التي أصبحت ستاً (وهي قابلة للزيادة): لا انسحاب من القدس، لا لعودة اللاجئين، لا للانسحاب من كامل حدود 67، لا دولة فلسطينية كاملة السيادة، ومن حق قوات الاحتلال التواجد على أراضي هذه الدولة حمايةً للأمن «الإسرائيلي»، لا انسحاب من التجمعات الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية.أما الشرط الجديد فهو ضرورة اعتراف الفلسطينيين ب «يهودية «إسرائيل»».
إن القبول بدولة فلسطينية على حدود 1967هو الجزء من بيان حماس الموجه للمجتمع الدولي والكيان، أما الجزء الموجه للمواطن الفلسطيني والعربي فيقول: لا تنازل عن أي جزء من أرض فلسطين مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط. ليس غريباً أن تقبل حماس بدولة فلسطينية على حدود 1967، فقد قبلت بدولة على حدود قطاع غزة، وعقدت مع الكيان هدنة مفتوحة سمتها تهدئة. ترى ماذا تقول حماس إذا أعلنت فتح قبولها بدولة فلسطينية في الضفة الغربية فقط، وهل يصبح هذا هو المقصود بحل الدولتين، الدولة في الضفة الغربية والأخرى في قطاع غزة؟. وبرغم تشديدها على فك ارتباطها ب «الإخوان المسلمين» فإن خطوة عملية أو سياسية واحدة لم تقم بها حماس لتأكيد هذا الادّعاء.
نعم، لقد بات خطر تصفية القضية الفلسطينية ماثلاً أمام الجميع، ليس فقط بوصول ترامب إلى البيت الأبيض وإعلانه الاستعداد لعقد «صفقة القرن» بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» على قاعدة «إسرائيل دولة يهودية» وأن زمن معاقبتها والتنكيل بها وتهديدها سياسياً ودبلوماسياً قد ولّى، وإنما أيضاً في اعتبار أن الفلسطينيين يخوضون ضدها «إرهاباً منظمّاً» يجب أن يتوقف إذا ما أرادوا أن يجِدوا لأنفسهم مقعداً على طاولة المفاوضات.
أما ما جاء في الوثيقة حول «رفض حماس لجميع الاتفاقيات والمبادرات ومشاريع التسوية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية» فهي مجرد عبارات إنشائية، إذا ما أدركنا أن قيام الدولة الفلسطينية (غير الوارد حالياً) على خطوط العام 1967 هو جزء من اتفاقيات أوسلو التي ترفضها حماس.
إن تصفية المواثيق السابقة ستقود حتماً إلى التنازلات المجانية من دون ثمن مقابل! وإن التعامل مع شعار «إنقاذ ما يُمكن إنقاذه» لم يحم الأرض الفلسطينية من الاستيطان! فلا شيء عملياً من الأرض الفلسطينية بقي لنا سواء لإقامة دولة عليه أو لمنع سنّ مشروع قرار جديد سيحسمه الكنيست الصهيوني إيجاباً بحكم تركيبته، بضم ما تبقّى من أراض فلسطينية معزولة، سواء في مناطق ( A) و(B) وتلك المصنفة (C) وهي تشكل 60% من أراضي الضفة الغربية.
لقد ذكرت حماس في ميثاقها القديم أن معركتنا مع اليهود كبيرة وخطيرة، وتحتاج إلى جميع الجهود المخلصة، وأيضا «أن قضية فلسطين هي قضية دينية»، وأكدت على «حتمية هزيمة اليهود، تماماً كما كانت هزيمة الصليبيين». أما الوثيقة الجديدة فتؤكد على العداء للصهيونية وليس اليهود! ومع أني لست ضد هذا التجديد في الفهم تحديداً، لكن كم من اليهود في الكيان ضد إقامة دولتهم؟ إنهم أفراد قلائل! كذلك فإن كافة التجمعات التقدمية اليهودية ضد إلغاء دولة الكيان، وهي مع حل الدولتين غير القابل للتطبيق وهو ما يخالف استراتيجية حماس السابقة.
نعم، هل تغيّرت العناوين والمضامين فعلياً؟ أم أن الظروف الراهنة تستدعي التلاعب المتواصل بالمُفردات والمُصطلحات والأوصاف من قبل إخوتنا في الحركة؟. المطلوب فلسطينياً، إعادة الصراع إلى المنطلقات الأولى للفصائل في تحرير كامل التراب الفلسطيني.

وثيقة حماس.. صاروخ طائش في الهواء الطلق

بقلم: المحامي سفيان الشوا عن رأي اليوم
عندما ظهرت حركة المقومة الاسلامية (حماس) سنة 1987 قلنا طلع البدر علينا وبدون مبالغه نعتقد ان الشعب الفلسطيني كان سعيدا بظهورها العلني خاصة وانها لم تخذله فقدمت الشهداء الابرار تباعا وعشنا مع قوله تعالى:- ( من المؤنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ).صدق الله الغظيم الا ان الازمات ابت ان تترك حماس بل رافقتها لدرجة ان الكثيرين اعتقدوا ان هذه الحركة لن تستطيع البقاء في الساحة الفلسطينية .بل ذهب البعض الي ان حماس سوف ترفع الراية البيضاء وتستسلم . اوتسير في الخط الذي سارت فيه اكبر الفصائل الفلسطينية وهي حركة فتح .
الا ان هذا كان حلما من احلام اليقظه.. فقد فاجاتنا حماس بانها اعدت قوات مسلحة ومدربة تدريبا عسكريا ممتازا وصنعت الصواريخ بالرغم من الحصار الاسرائيلي برا وبحر وجوا.. بل شارك في الحصار ذوي القربي فتم اغلاق المعبر الحدودي بين مصر وفلسطين وهو معبر (رفح )وكان يفتح على فترات متباعدة لمدد قصيرة جدا.. ثم اشترك في الحصاراخوان الدم..وكانوا يتباهون بذلك.
صمدت حماس 11 سنة وهي تقاوم بامكانيات متواضعة وتصدت لاعتدائات اسرائلية متكررة كان اخرها عدوان سنة2014 حيث دمرت الطائرات الاسرائلية اجزاءاء كبيرة من غزة .وتركت غزة وحيدة في المعركة . وهناك من وصفها بحركة ارهابية ..والصقوا بها التهم جزافا كان اخرها انتماؤها الي حركة الاخوان المسلمين المحظورة في بعض البلاد العربية.
كان واضحا بالعين المجرده العداء الذي تكنه السلطة الوطنية الفلسطينيه الي حماس . كانت السلطة تعترف باسرائيل وتجرى المفاوضات معها وجها لوجه بل بالاحضان كانت السلطة تهاجم حماس وتعتبرها عدوا لها بل قامت السلطة بحملة غير مسبوقة في تعليم الكراهية لابناء الضفة الغربية ضد حركة حماس بل والي جميع سكان قطاع غزة ..وكانهم ليسوا فلسطينيين.ولا نبالغ اذا قلنا ان السلطة الفلسطينية كانت تشن حربا على حماس بلا هوادة في المحافل الدولية .
ولعل اخر حروب السلطة ضد حماس هو اقتطاع 30% من رواتب الموظفين في قطاع غزة فقط دون باقي الموظفين في الضفة الغربية ولكن احدث هذه الهجمات هو طلب السلطة من اسرائيل رسميا عدم امداد غزة بالكهرباء . وذلك امعانا في الضغط على حماس التي تحكم غزة منذ سنة 2007.
ويبدو ان حركة (حماس) اصابهتا السهام من كل جانب .مقرونا بتعب جميع المواطنين الفلسطينيين في (غزة ) فرأت (حماس) الخروج من هذا المازق اوتثبت للعالم انها حركة سلام ..وهي ليست من رحم الاخوان المسلمين .
فقد اعلنت حماس عن تعديل في موقفها من جميع المشاكل التي كانت امامها ولكن في الحقيقة يوجد تغيير طفيف في موقف حماس ولعل اهم المتغيرات الجددة هي:-
• موافقة حماس على اقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران سنة 1967 وعاصمتها القدس الشريف.بدون الاعتراف بدولة اسرائيل.
• ترفض حماس اضطهاد اي انسان او الانتقاص من حقوقه على اساس دديني او قومي او طائفي .
• ترى حماس ان المشكلة اليهودية والعداء للسامية واضطهاد اليهود ظواهر مرتبطة بالتاريخ الاوروبي في معاملتهم لليهود وليس بتاريخ العرب والمسلمين .
• تنظر حماس الي موافقتها على الدولة الفلسطينية على جزء من فلسطين باعتبار ذلك صيغة توافقية فلسطينية فقط .كما تؤمن حماس بادارة العلاقات الفلسطينية على قاعدة التعددية والانتخابات الديمقراطية.
• تؤكد حماس انها حركة وطنية اسلامية فلسطينية مرجعيتها الدين الاسلامي وهي لا تتبع ايا من الحركات الاسلامية خارج حدود الوطن الفلسطيني.
• تؤكد حماس ان حربها مع اسرائل ليست حربا دينية ..فهي لا تكره اليهود بسبب ديانتهم ولا تحاربهم .وانما تحارب الاحتلال بغض النظر عن ديانته.
هذه اهم النقاط التي تعتبر حماس انها غيرت مواقفها الواردة في ميثاقها الوطني .الا ان حماس لم تغير شيئا من مواقفها المتعلقة بالثوابت الوطنية الفلسطينية فهي لم تتنازل عن تحرير كامل التراب الفلسطيني ولم تعترف باسرائيل ولم تعترف باتفاقيات اوسلو ولم تتنازل عن حق عودة جميع اللاجئين .ولعلها تمسكت باهم شرط في القضية الفلسطينية بحسب تفكير (حماس) وهو الكفاح المسلح لتحرير كل فلسطين ولم تتنازل عن سلاحها .
من هذا يظهر التباين المطلق بين موقف (حماس) وبين ما تطلبه اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية لذلك سارعت اسرائيل برفض هذه الوثيقة وهي تصر على موقفها.ولرافضون كثيرون.
قد نختلف مع الاخ العزيز الاستاذ (عبد الباري عطوان) في تحليله كما ورد في صحيفة راي اليوم الغراء حيث قال:-
هناك نقاط اساسية نجد لزاما علينا التاكيد عليها وهي:-
اولا- لا يمكن قبول اسرائيل والغرب بقيام دولة فلسطينية مرحلية على حدود الرابع من حزيران 1967 دون الاعتراف الكامل بدولة اسرائيل ونبذ الكفاح المسلح والتنازل عمليا عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين .
ثانيا:- لا يمكن اسقاط تهمة الارهاب وفتح قنوات الحوار الا بعد التخلي عن الكفاح المسلح ..وتسليم السلاح.
ثالثا :-القبول بمبدأ التفاوض المباشر مع اسرائيل والاعترف بها وكل القرارات الدولية والاتفاقات الموقعه معهم بما فيها اتفاق اوسلو.
المؤلم ان جميع التنازلات الاسرائلية التي ذكرها الاستاذ عبد الباري نفذتها السلطة الوطنية الفلسطينية بل اكثر فقامت بالغاء الميثاق الوطني الفلسطيني وجمدت جميع مؤسسات منظمة التحرير وسلمت سلاحها. ولم يبق سوى (ورقة التوت) التي تستر ما تبقى ولكن اسرائيل رفضت كل هذا.
لذلك نرى ان وثيقة حماس يجب ان توضع في موضعها الصحيح ولا تكون مقدمة لسلسة من التنازلات لها اول وليس لها نهاية..مثل السلطة .
نحن نرى وضع الاسئلة الثلاثة التالية فاذا كان الجوا بالايجاب كان خيرا والا فليس هناك الا جواب واحد تعرفه اسرائيل جيدا وتخاف منه.والاسئلة هي:-
اولا:- هل تريد اسرائيل السلام حقا ..؟
ثانيا هل تملك اسرائيل مفاتيح السلام ..؟
ثالثا :- هل تستطيع اسرائيل استعمال مفاتيح السلام المتوفرة..؟
فاذا كانت اسرائيل تريد السلام وتملك مفاتيحه وتستطيع استعمال هذه المفاتيح فاهلا وسهلا بالسلام العادل والشامل بين الفلسطينيين واسرائيل.
اما اذا كان العكس صحيحا فان وثيقة (حماس) والف وثيقة اخرى ليست الا مجرد مضيعة للوقت ..مثل المفاوضات العبثية التي تجريها السلطة منذ ثلاثة عقود وبدون جدوى.بل باستمرار اغتصاب الاراضي وزيادة العنجهية الاسرائلية. لعلنا نتذكر (اسحق شامير) رئيس وزراء اسرائيل زمن مؤتمر مدريد سنة 1991 عندما قال سوف اجعل المفاوضات مع الفلسطينيين (عشر سنوات)..! اي بدون جدوى مجرد اضاعة للوقت .
ونتذكر (شمعون بيريز) رئيس اسرائيل عندما قال المفاوضات مثل لعبة الركض على الحواجز فمن يتوقف عن القفز يخسر السباق ..وكانه اراد الفلسطينيين ان يستمروا في القفز على الحواجز مدى الحياة.
واخيرا نتنياهو عندما رفض مجرد المفاوضات مع الفلسطينيين بحجة عدم وجود شريك فلسطيني مؤهل.
قرانا اتفاق اوسلو وسمعنا عن حل الدولتين واجرينا المفاوضات مع اسرائيل في انحاء الكرة الارضية وفي كل يوم يضعون حاجزا جديدا .
رفض الجنرال (شارون )اتفاق اوسلو ثم رفض( نتنياهو) حل الدولتين وفشلت كل المفاوضات التي تمت برعاية الرؤساء الامريكيين بوش الاب وكلينتون وبوش الابن واوباما ونعتقد ان (ترمب) لن يكون احسن حظا ممن سبقوه.
اذن هل وثيقة حماس الجديدة صاروخ طائش في الفضاء الطلق..؟
ام اننا بحاجة الي صواريخ حقيقية لتحرير فلسطين فعلا وليس قولا ..؟
فما اخذ بالقوة لا يسترجع الا بالقوة..فالصراع مع اسرائيل ليس صراع حدود بل انه بكل تاكيد صراع وجود..يجب الا نخدع انفسنا فانظروا الي تصرفات اسرايل على الارض انها تؤكد من النيل الي الفرات ارضك يا اسرائيل..!!

Exit mobile version