القدس…

بقلم: نبيل عمرو

… هي المفصل، وهي اختبار الارادات، وهي المقرر فيما إذا كان هنالك حرب أبدية أو سلام.
ومنذ بدأ الحديث عن صفقة تاريخية يعد لها الرئيس ترامب، دخلت اسرائيل في سباق مع الزمن ، ووضعت خططاً إضافية فوق الخطط القديمة لضم ما تبقى منها ، ولجعلها على الأرض كما هي في السياسة، العاصمة الموحدة للدولة العبرية .
أنفاق تصلح لاجتماعات مجلس الوزراء تصل الى “حائط المبكى” الذي سنظل نسميه حائط البراق، وإغداق مالي على المدارس التي تعلم المنهاج الاسرائيلي، وتحسين الخدمات في مناطق الأغلبية السكانية الفلسطينية، ذلك من قبيل استباق الصفقة التاريخية التي سيعمل اليمين الاسرائيلي الحاكم والمتحكم، كل ما يستطيع لاستثنائها من أي تسوية محتملة ولو تحت عنوان تأجيل البت فيها الى حين استكمال ضمها.
في الاحتفالات التي أُقيمت احتفاءً بتوحيدها، اعتبر مثقفو اسرائيل والناجون من “الجيتو” الفكري لليمين أن خمسين سنة على احتلالها والانفاق المغدق لجعلها عاصمة منسجمة متكاملة لاسرائيل، لم تنتج الا تعميقا لانقسام المدينة ما يقارب الاستحالة بترويض الفلسطينيين فيها، ليكونوا رعايا مطيعين مسالمين في العاصمة التي لا يعترف أحد بوحدتها كما لا يعترف أحد بكونها عاصمة ما دام شرقها محتلاً.
رغم كل ما حدث للقدس يظل الصمود الشعبي فيها هو كنز الكنوز الفلسطينية، والأرض الصلبة التي تقف عليها مطالبنا المحقة بأن تكون عاصمة لنا في الدولة التي ننشدها والتي لا معنى لها سياسيا واقتصاديا وجغرافيا وروحيا دونها.
فاذا كان الاسرائيليون ومنذ احتلالها في العام 1967 فعلوا ما فعلوا، وأنفقوا ما أنفقوا، وشردوا من شردوا، وضايقوا من ضايقوا ، وذهب كل ذلك هباءً ، الا أن السؤال الذي ينبغي ان نطرحه على أنفسنا صبح مساء، ومع كل ركعة صلاة وجرس كنيسة، ما الذي فعلناه نحن من أجل القدس؟ ما الذي كافأنا به أهل القدس الذين حفظوها للكل الفلسطيني والذين جعلونا قادرين على ان نطرحها بقوة على جدول أعمالنا ونحن نفاوض حين تنصب مائدة المفاوضات، ونحن نقاوم حين لا يكون من المقاومة بد؟!
هل سألنا انفسنا لماذا تجوع مستشفياتنا التي هي قلاع لوجودنا الوطني في مدينتنا؟ ولماذا تفتقر مدارسنا الى غرف كي تقترب الى الحد الأدنى من المدارس في اي مكان؟ ولماذا ذوت مؤسساتنا الوطنية التي كانت تعد بالعشرات، وتعلن عن وجودنا في قلب مدينتنا، وتدلل على جدارتنا بالعيش فيها والمرور منها بحرية؟!
إن الله اختار مدينة القدس كما اختار القلب فأي حياة ترتجى وأي تسوية تقبل إذا ما انفصل القلب عن الجسد؟!
ونواصل السؤال هل اعطينا القدس ما تستحق؟ وهل أعطيناها بعض ما تستحق؟ أم أنّ قصائد الغزل تكفي؟ هل أعطيناها ما تستحق أم ان العمل الخيري الذي يجود به بعض المحسنين يكفي لمعالجة أعقد قضية في التاريخ، وأهم مدينة لنا في حاضرنا ومستقبلنا؟
لن اصدق الذين يقولون كتبرير للتقصير بأن الاحتلال يمنع، فالاحتلال لا يمنع فقط وانما يحارب، وفي وضع كهذا يكون مروعاً لو انتظرنا إذن الاحتلال كي نلبي حاجات القدس،فهنالك الف وسيلة ووسيلة.
مصير القدس ربما تحدده خلاصات التفاوض حولها، ولكي نكون في الخلاصات فلا بد من ان نكون في البدايات وعلى طول الطريق، فما يصنع على الأرض يصنع الخلاصات .
لم تفت الفرصة ولن تفوت، عربتنا التي سندخل فيها السباق هي الناس، ولنسألهم قبل ان نسأل انفسنا هل انتم راضون عن الوقود الذي نزودكم به كي تواصلون السباق؟
هذا هو السؤال الذي تحدد الإجابة عنه مستقبل القدس او مستقبلنا في القدس.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version