المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

عندما تقدم الدوحة حماس قربانا على مذبح ترامب

لم تتعامل قطر يوما مع حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من بوابة الدفاع عن القضية الفلسطينية ومن سياق الصراع العربي الصهيوني، ذلك أنّ التعاطي والتقارب كانا محكومين دائما بمقولة الإسناد السياسي واللوجيستي والإعلامي لتيارات الإسلام السياسي.

بهذا المبدأ، تتفاعل اليوم الدوحة مع المطلبية الإسرائيلية والأميركية بطرد القيادات العسكرية الحمساوية من قطر والإبقاء على القيادات السياسية إلى حد اللحظة على الأقل، ذلك أنّها تبرق للفاعلين الإقليميين والدوليين بأنّ هامش تنازلاتها مضبوط بالرغبة الأميركية والإسرائيلية وبالأمن الإسرائيلي الرافض لأيّ احتضان رسمي للقادة العسكريين من حماس وغيرها.

اختارت قطر إرخاء حبل الضغوط الخليجية والدولية المتصاعدة ضدّها، فمنذ خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، ومنذ المكالمة الهاتفية بين أمير قطر تميم بن خليفة والرئيس الإيراني حسن روحاني والدوحة تعيش عاصفة حزم سياسية واستراتيجية خليجية قل نظيرها.

اجتبت الدوحة التضحية بالهامش الوظيفي في سياساتها الخارجية وأن تقدّم الجسم العسكري في حماس قربانا سياسيا لاستدرار هدنة من واشنطن ومن تل أبيب، ولتحييدهما في ظلّ المكاسرة الإعلامية والاستراتيجية ضدّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعوديّة.

المفارقة أن الخطوة القطرية تتنزل في سياق إرضاء الطرف الأميركي الذي سبق وأن أقحم رئيسه في قمة الرياض حركة حماس وحزب الله ضمن الحركات الإرهابية، وتندرج في إطار تصفية العلاقات الثنائية من كل شائبة لها علاقة عضوية بإسرائيل، ولكن عندما يتعلّق الأمر بالتحفّظات والاستفسارات والاحترازات الخليجية حيال السياسة القطرية، فلا يكاد يدرك المتابع أي خطوة لامتصاص حالة الاحتقان المستعصية والمستبدة اليوم بمشهد مجلس التعاون الخليجي.

لم تلتفت الدوحة كثيرا للجهود الكويتية للمصالحة والوساطة والتي انصبت، وفق مصادر خليجية متابعة ومطلعة، على ضرورة إقدام الدوحة على مجموعة من الخطوات للتقارب مع الرياض وأبوظبي.

فبالنسبة إلى الرياض يمثّل الغزل القطري الإيراني خروجا عن التوافق الخليجي حيال تمثّل الدور الإيراني في المنطقة، بل نكوصا عن مقررات ومخرجات اجتماعات وزراء الداخلية والخارجية العرب في 2016 و2017 والذي وصف طهران بالدولة الراعية للإرهاب.

أمّا بالنسبة إلى الإمارات فلا يزال الاحتضان القطري لجماعات الإخوان المسلمين ولتيارات الإسلام السياسي منغصا حقيقيا وحائلا قويا دون التلاحم الخليجيّ المرجو والمطلوب.

فيما مثّل التموقع الحمساوي في الدوحة ولا سيما القيادات العسكرية البند الأوّل ضمن المطلبية الأميركية الإسرائيلية حيال الدوحة.

إزاء هذه المشهديّة، فضلت الدوحة إبداء حسن النية مع واشنطن واستجابت ولو جزئيا للشرط الأميركي الملح، فيما اختارت انتهاج سياسة التغاضي والتجاهل والتصعيد الناعم مع المطالب السعودية والإماراتية.

ولعلنا لا نجانب الصواب إن اعتبرنا أنّ الدوحة ستبقى تناور سياسيا ضمن هوامش التضحية الشكليّة والقرابين السياسية، إلى أن يصبح النأي الكلي عن إيران شرطا أميركيا واضحا، وقطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين مطلبا أميركيا خالصا.

وطالما أن صراع الأجنحة في واشنطن لا يزال يقارب الصراع مع طهران ضمن مقولتي “التطويق الدبلوماسي” أو “الضربة العسكرية” نظرا لاعتبارات إقليمية ودولية عديدة، لعل أهمها الدور الروسي النافذ في الملف الإيراني، والتشابك الاقتصادي مع الصين، فإنّ هامش المناورة القطرية سيبقى متاحا ليس فقط مع إيران، بل أيضا مع حلفاء طهران في المنطقة ومع أدواتها أيضا.

حماس التي تدرك أنّ المرحلة القادمة من المكاسرة الإقليمية ستكون بعنوان تقليم الجوار الإسرائيلي من الفصائل المقاومة، يبدو أنّها بدأت في ترتيب البدائل الإقليمية عن الدوحة، فلئن رفعت الأخيرة الحضن والاحتواء عن ذراع حماس العسكرية كرمى لعيون ترامب، فما المانع من أن تقدم ذات الدولة التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الخليج العربي وتأوي القيادة العسكرية الأميركية من تقديم الرؤوس الكبرى للحركة قربا على مذبح الرئيس الأميركي.

تضيق الجغرافيا الاستراتيجية بالحركة، التي وضعت بيضها السياسي في سلّة من سيبيعها غدا في سوق النخاسة الدولي، فلا دمشق ستغفر لها جحودها ونكوصها، ولا جنوب لبنان سيرضى بحركة لها ساق في الخنادق وأخرى في الفنادق، كما أنّ تركيا لن تقبل بملفات تأزيم جديدة مع إسرائيل وواشنطن.

خياران أمام القيادة الحمساويّة، فإمّا العودة إلى غزّة حيث الاحتراب الداخلي الناعم بين الأصدقاء الفرقاء وحيث العدو الصهيوني الذي يتربص بهم، وإما إيران التي تنتظر رقما جديدا وملفا إضافيا، لتوظيفه بيدقا في لعبة الأمم أو تقديمه قربانا في معبد الفاعلين الكبار.

أمين بن مسعود
كاتب ومحلل سياسي تونسي

Exit mobile version