المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

وثيقة حماس: ازدواجية لا تقطع مع الماضي

بقلم: مهند عبد الحميد

أحدثت حركة حماس تغييرا في تفكيرها السياسي، ذلك النوع من التغيير الذي لا يرقى إلى مستوى تطور في فكرها السياسي من داخلها، بل هو تغيير ينتمي إلى مدرسة البراغماتية السياسية الفلسطينية، مع أن حركة الإخوان المسلمين وزعيمها المؤسس حسن البنا كان لهما باع طويل في البراغماتية السياسية. الوثيقة سجلت إبراز وتقديم الهوية الوطنية مع بقاء الهوية الدينية في مرتبة أقل، وقدمت الدولة الوطنية والمدنية على الدولة الدينية، ويلاحظ هنا أن التغيير في أوزان الوطني والديني والمدني في الوثيقة لم يُحدث قطيعة مع مواقف الماضي التي بقيت حاضرة، أو قابلة للاستحضار إن استدعت الحاجة.
وكان التغير الأهم في الوثيقة إعادة تعريف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي باعتباره صراعا مع الاحتلال والاستعمار وليس صراعا مع اليهود كمعتنقي ديانة.
كما اعتمدت الوثيقة برنامج الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967. هذا ما جرى نقاشه في مقالي السابق بعنوان (وثيقة حماس بين البراغماتية والتطور الفعلي).
إن تبني برنامج الدولة الفلسطينية ينطوي على إقرار ضمني بحدود إسرائيل التي تضم 78% من مساحة فلسطين، ويعتبر هذا الموقف تحولا إذا ما قورن بميثاق حماس السابق الذي اعتبر الصراع مع إسرائيل صراع وجود لا حدود، الوثيقة الجديدة تعرف حدود الدولة الفلسطينية الذي يعني تعريفا بحدود الدولة الأخرى دون اعتراف بذلك، بل تؤكد وثيقة حماس أنها لن تعترف ولن تقر بشرعية الكيان الاسرائيلي على أي جزء من أرض فلسطين التاريخية، وتعتبر قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة منعدما، والشيء نفسه – اي يعتبر منعدما – ينطبق على كل ما ترتب على ذلك من قرارات واجراءات.
وترفض اي بديل عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا من نهرها الى بحرها. بديل الاعتراف الذي قدمته حماس سابقا، هو القبول بهدنة دائمة أو طويلة الامد ما بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل، وهذا يعادل عمليا الاعتراف، أو الاسم الحركي للاعتراف.
وإذا كان الاساس القانوني الذي تنطلق منه دول العالم في الاعتراف بدولة فلسطينية هو قرار التقسيم الذي يعترف ايضا بدولة اسرائيل، فكيف سيتم تجزيء القرار أو القفز عنه كليا، عند إقامة دولة فلسطينية معترف بها.
هل يمكن القفز عن موازين القوى والشعب بصدد ترجمة برنامج التوافق الوطني بإقامة الدولة في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس وبعودة اللاجئين؟ لا شك انه دون حاضنة دولية وعربية حقيقية مؤيدة وداعمة لنضال الشعب الفلسطيني من أجل الخلاص من الاحتلال وتقرير المصير، وفقا للصيغة الدولية (دولتين لشعبين)، فإن ذلك سيجعل المشروع الوطني الفلسطيني مجرد شعار غير قابل للتحقيق.
ثمة فرق جوهري بين برنامج قابل للتحقيق والترجمة وبرنامج للدعاية وغير قابل للتحقيق، لأن مبرر اي تنظيم سياسي هو استخراج برامج ومهمات قابلة للتطبيق، ودون ذلك فإنه يفقد مبرر وجوده ومصداقيته.
وثيقة حماس لم تضع آلية لتطبيق برنامجها المشترك «التوافقي» دولة في جميع الاراضي المحتلة العام 67، ولم تضع آلية لترجمة برنامجها الخاص التحرير من النهر إلى البحر، واستعاضت عن التحديد الملموس بالعموميات والمبادئ «كاسترداد الحقوق وحماية الثوابت» مكتفية بالأقوال التي تعجب البعض كالقول إن «المقاومة المسلحة هي خيار استراتيجي» وحق الشعب في تطوير وسائل المقاومة وآلياتها».
حقيقة الأمر، قدمت حماس موقفا مزدوجا، يدعو في شقه الأول إلى إقامة دولة على حدود 67 وهذا يضعها في عداد القوى الواقعية والمعتدلة ويجعلها مقبولة لدى دول عربية وغربية، وشقه الثاني يتمسك بالمقاومة كخيار استراتيجي لاسترداد الحقوق، ما يجعلها مقبولة لدى قواعدها العسكرية وجمهورها فضلا عن دول وقوى «ممانعة».
غير أن هذا الموقف المزدوج لا يستطيع أي من المعسكرين البناء فوقه أو حتى اعتماده والركون إليه، وهو يفتقد إلى آلية وأداة وحامل في الميلين.
وبهذا تضع «حماس» نفسها كفاقدة لمشروع قابل للتحقيق، ومتعايشة مع الامر الواقع، وهو ما تعترف به الوثيقة صراحة حين تدعو إلى «إدارة المقاومة من حيث التصعيد أو التهدئة أو من حيث تنوع الوسائل والأساليب الذي يندرج كله ضمن عملية إدارة الصراع».
وهنا وقع معدو الوثيقة في خطأ كبير، ذلك أن التكتيك الاسرائيلي الاميركي يتمحور حول إدارة الصراع وليس حله.
الكاتب البريطاني ديفيد هيرست رأى أن الوثيقة منسجمة مع حل الدولة الواحدة من غير ذكر لذلك، ولو طرحت حماس مشروع دولة واحدة لطرفين، لأزالت الازدواجية التي وقعت بها.
والبعض الآخر رأى استعداد حماس للتفاوض على كل شيء في الوثيقة وعدم رغبتها في تقديم تنازلات من طرف واحد قبل الأوان كما فعلت المنظمة، وهي من جهة أخرى لا ترغب في تقديم تنازلات من موقعها كمعارضة ما ستخسر معه من رصيدها الجماهيري دون ثمن، لذا تريد أولا الصعود إلى مركز القرار وحينئذ ستتفاوض على المطلوب.
رابعاً: أدخلت الوثيقة تعديلا على هوية حركة حماس لتصبح «حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، مرجعيتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها».
وعرفت الإسلام بأنه «ضد جميع أشكال التطرف والتعصب الديني والعرقي والطائفي».
وإذا كانت هوية حماس في ما مضى هي مقاومة إسلامية فقط، فإن الوثيقة أضافت لها البعد الوطني التحرري الفلسطيني، وكأن حماس وجدت نفسها كهوية وطنية فلسطينية، لكنها أبقت على هويتها الإسلامية في موقع أقرب وأهم: «مرجعية في المنطلقات والأهداف والوسائل».
موقف مزدوج حمّال أوجه، فالهوية الوطنية تضم وتستوعب هويات فرعية عديدة بما في ذلك الهويات الدينية المتوفرة في مجتمع متعدد الديانات والمعتقدات، كما الثقافة الوطنية التي تتضمن الدين والتراث الإنساني كمكون من مكوناتها.
بناء على ذلك التعريف بالهوية الوطنية يشمل اكثر من دين واكثر من عرق واكثر من ايديولوجية وفكر وثقافة واكثر من تنظيم، لكن الهوية الدينية تقتصر على دين واحد وأيديولوجية وثقافة وفكر وتنظيم واحد.
لقد أرادت حماس أن تحقق في نصها المزدوج هدفين، الأول: أن تترك مسافة بينها وبين تنظيم الاخوان المسلمين الإشكالي ومركز العلماء الذي ترك بصماته على مواقف حركة حماس السابقة بمستوى الانفصال عن القرار الوطني الفلسطيني، غير أن الانفصال أو الابتعاد ما زال غامضا، فعندما يقر رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل أن حماس ترتبط فكريا بفكر الاخوان، فإن هذا الارتباط يعمق العلاقة ويفاقم المشكلات، ذلك أن الأخطاء السياسية الكبيرة والصغيرة هي من نتاج فكر الإخوان المسلمين. الهدف الثاني: أن تضع حماس خطا فاصلا مع التنظيمات الإرهابية المتطرفة… يتبع

Exit mobile version