المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

“عند اختلاف الدول امسك راسك بايديك وقول يا رب سترك”

بقلم: د.خليل نزال -وارسو / بولندا

غنيّ عن القول أن العالم العربي يشهد حالةً من التشرذم والإنقسام والفوضى هي الأشد خطورة منذ عشرات السنين، وهي حالة أتت نتاجاً لسلسلة من الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالمنطقة وقلبت رأساً على عقب كل القيم والمفاهيم التي سادت فيها وحكمت العلاقات داخلها لعقود طويلة من الزمن.
ويستطيع المراقب أن يلاحظ أن أي تراجع تعرضت له القضية الفلسطينية كان ملازماً أو وليداً لتشرذم الوضع العربي من حولنا وانشغال محيطنا العربي بصراعاتٍ داخلية أو بسياساتٍ تدميرية تسببت في تشتيت التضامن العربي حول قضية فلسطين.
لقد بدأ التحول التاريخي في المنطقة مع زيارة السادات للقدس وما تبعها من انقسامات بين الدول العربية أدت في محصلتها الى خروج مصر من معادلة الدعم العربي للموقف الفلسطيني، وهو موقف – إضافة إلى إنشغال العراق في حربه مع إيران- استغلته اسرائيل في حربها ضد منظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين سنة 1982 وما تلاها من إخراج قوات الثورة الفلسطينية وقيادتها إلى المنافي البعيدة عن خطوط التماس مع العدو المحتل.
وإذا كانت الإنتفاضة الأولى قد عززت شرعية منظمة التحرير الفلسطينية ورسّخت وحدانية تمثيلها لشعبنا ووحّدت قواه الوطنية حول المشروع الوطني الفلسطيني، فإن غزو العراق للكويت وما رافقه من تصدّع في الجسد العربي قد ساهم إلى حد كبير في تقليص إمكانية الإستفادة من إنجازات الإنتفاضة الأولى، ووضع القيادة الفلسطينية أمام خيارات صعبة لم يكن خيار أوسلو إلا واحداً منها، ليتبدد الحلم الذي وضعت الإنتفاضة إمكانية تحقيقه في متناول اليد، وهو حلم دحر الأحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
لقد شكلت عودة قيادة م.ت.ف والجزء الأكبر من قواتها وكوادرها إلى أرض الوطن تحولاً في مسار النضال الوطني المعاصر، وبدأت نواة الدولة الفلسطينية تضرب جذورها عميقاً في أرض فلسطين، وحين نقض العدو كل ما اتفقنا معه على تنفيذه في فترة زمنية محددة شكّل التواجد الفلسطيني فوق أرض الوطن قاعدةً انطلقت منها الإنتفاضة الثانية والتي خلقت في بداياتها واقعاً جديداً كاد أن يفرض توازن رعبٍ بيننا وبين العدو، لكن هذا الوضع لم يصمد طويلاً وأُطلِقت يد إسرائيل لتقتل وتدمّر ما بنيناه، ولتشيّد جدار الفصل العنصري، مستفيدة من تنامي خطر الإرهاب وانشغال الإقليم والعالم بأسره بأولويات جديدة ساهم الإلتهاءُ بها في تمكين إسرائيل من إعادة احتلال الأرض الفلسطينية التي انسحبت منها، ومكّنها من قتل القائد الرمز أبو عمار.
إن ما نشهده الإن من خلافات عربية لا يعدو كونه حلقةً في سلسلة طويلة من الأزمات التي تعصف بالمنطقة، والتي زادت حدتها بعد ما سمي بالربيع العربي، ليصبح الحوار بالسلاح والقتل والتفجير هو اللغة السائدة في تعاطي دول المنطقة مع بعضها وفي تعاطيها مع شعوبها وفي تعاطي تلك الشعوب مع مشاكلها الداخلية. لقد شكلت حالة الفوضى والإقتتال وتنامي ظاهرة الإرهاب والفرز الطائفي أرضية خصبة تسببت في إحداث الإنقسام في الساحة الفلسطينية وساهمت في تعميقه ورعايته واحتضانه من خلال التستر وراء دعم حماس بحجة دعم المقاومة وتحت ذريعة التعاطف مع شعبنا المحاصر في قطاع غزة. وقد كان لدولة قطر ولقناة الجزيرة الدور الأكبر في ترسيخ الإنقسام ودعم إنقلاب حماس الدموي ليتم بذلك مرة أخرى توجيه ضربة للمشروع الوطني الفلسطيني برمته.
ولم يقتصر دور قطر وقناة الجزيرة على رعاية الإنقسام في فلسطين وإنما تعدّى ذلك ليطال معظم الدول العربية ليصبح الإقتتال هو الوسيلة الوحيدة للحوار بين أبناء الوطن الواحد ولتسود ثقافة التخوين والتكفير وتبرير التدخل الأجنبي في شؤون الأمة.
لقد جاء الموقف العربي الرافض للسياسة التخريبية التي تنتهجها قطر ليشكل محطة جديدة أخرى في مسلسل الخلافات العربية تتحمل المسؤولية الأولى فيها دولة قطر وأذرعها الإعلامية وفتاوي شيوخ الفتنة المقيمين فيها. ومع ذلك فإن الموقف الفلسطيني الذي اكتوى بنيران الخلافات العربية لا يمكن له إلا أن يكون بعيداً عن الأنحياز لطرف ضد آخر، وأن يدعم أي توجه عقلاني يحفظ وحدة الموقف العربي ويجبر قطر على الإقلاع عن نهجها التدميري في فلسطين وفي المنطقة كلها، فنحن أحوج ما نكون الآن لموقف عربي داعم لتوجهاتنا ومطالبنا الوطنية العادلة، وعلى حماس أن تدرك أنها ستجنّب شعبنا مزيداً من الويلات إن هي نأت بنفسها عن الحلف الشيطاني مع قطر، فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن قطر عملت على استغلال حماس في مشروعها التخريبي وأن الإستمرار في الوهم بأن قطر يمكن أن تنقذ حماس من أزمتها المتفاقمة هو تعبير آخر ينمّ -إن أحسنا الظن- عن قصر نظر وسوء تقدير.
الأزمة الحالية بين دول الإقليم وقطر هي فرصة ذهبية لحماس كي تعود إلى شعبها، فالبيت الفلسطيني هو المكان الوحيد الذي يتسع لنا ويفتح أبوابه أمامنا كلما ضاقت بنا الدنيا.

Exit mobile version