الجباه العالية إنتصرت

بقلم: عمر حلمي الغول

إستطاع ابناء الشعب العربي الفلسطيني إنتزاع إنتصار من جوف اليمين المتطرف الإسرائيلي. حيث تمكن المقدسيون بإرادتهم، وبجباههم العارية والساجدة لله والوطن في الصلوات الخمس على الإسفلت وامام البوابات الإليكترونية، من إرغام نتنياهو وأركان إئتلافه الحاكم على الإذعان لمطالبهم في الوصول لباحات المسجد الأقصى دون وجود اية حواجز او إنتهاكات من اي نوع تتعارض ودخولهم وخروجهم من اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ورفض الفلسطينيون دخول الحرم القدسي الشريف من خلف البوابات، كما حاول ضباط الشباك والجيش إقناعهم بذلك، كي يثبتوا تلك البوابات كأمر واقع لاحقا. ولكن ابطال القدس العاصمة المحتلة لم يتراجعوا عن خيارهم، ولم يخذلوا انفسهم ولا فعالياتهم الدينية ولا قيادتهم الشرعية، وأصروا على إزالة كل ما التغييرات، التي وضعتها وفرضتها عليهم سلطات الإحتلال امام بوابات المسجد الأقصى.

كما لم يستخدم ابناء الشعب العربي الفلسطيني حجرا واحدا ضد قوات الأمن الإسرائيلية، مع ان تلك القوات مع المستوطنين المستعمرين حاولوا عشرات المرات إستفزازهم، وسعوا لجرهم لمتاهاتهم الخبيثة لتشويه صورة نضالهم الشعبي السلمي، غير انهم بالتوافق فيما بينهم ومع قياداتهم الميدانية والسياسية قرروا عدم الإنجرارلدوامة العنف، حتى الحجارة البسيطة لم يستخدموها، لإنهم إدركوا ما ترمي اليه وتريده حكومة نتنياهو. مع ان كل اشكال النضال حق مشروع للشعب العربي الفلسطيني.

هذه الصورة الرائعة من الكفاح السلمي للشعب، تؤكد ان اليد العارية إلآ من إيمان صاحبها، تستطيع ان تواجه المخرز، وتهزم حامله المتجبر والمتغطرس المستعمر الإسرائيلي. وهو ما حصل في القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران عام 1967. وهنا القيمة الرائعة تبرز جلية امام أبناء الشعب العربي الفلسطيني، حيث إستطاعوا، هم وليس إحد غيرهم من تحقيق الإنتصار على المحتل الإسرائيل، المتزنر بكل اسلحة الموت والدمار الشامل بما في ذلك الأسلحة النووية، والمدعوم من قبل أعتى قوى الشر في العالم الولايات المتحدة الأميركية.

واهمية نضال الجباة العالية الساجدة لله والشعب والوطن على ارض الأسفلت، تجلى في سحب ونزع كل الذرائع من يد نتنياهو وأركان حكومته الإستعمارية المارقة. وأفقدهم الإدعاء بوجود أية وسائل كفاحية حتىالبسيطة منها كالحجر. وفي الوقت نفسه، كشف خواء وإفلاس إئتلاف الموت اليميني المتطرف، رغم ان اجهزة الأمن الإسرائيلية وقطعان المستعمرين إستخدموا كل ما لديهم من اسلحة وقنابل المدعمبالضوء الأخضر من قبل رئيس وزراء إسرائيل.

هنا تجلت عبقرية الفلسطينيون بعدم الرد على القتلة الإسرائيليين إلآ بالصمود في تأدية فرض الصلاة في الأوقات الخمس، والتي كانت تتضاعف في صلاة الفجر. ولمن لا يعرف، تجلى التعاضد والوحدة بين ابناء الشعب حتى مع اولئك، الذين وقعوا فريسة تعاطي المخدرات وغيرها من الممنوعات، فكانوا في مقدمة المصلين والساجدين لله وللقدس وللوطن دفاعا عن الحرية والإستقلال وتقرير المصير والعودة. أمثال هؤلاء الذين اطلق عليهم قادة النضال الثوري العالمي صفات عديدة، فاجأوا انفسهم وشعبهم والمحتلين الإسرائيليين في الوقوف في مقدمة الصفوف دفاعا عن الأقصى، الأمر الذي يستدعي إعادة دراسة هذه الظاهرة في فلسطين، وتعميمها على المستوى العالمي، كدرس هام من هبة القدس الرائعة.

بتعبير نظري سياسي، ان النضال المتعاظم لشعب من الشعوب في مواجهة الإستعمار، يستطيع إدماج الشرائح والفئات الإجتماعية الساقطة إجتماعيا في النضال الوطني في حال إستشعر هؤلاء أن المكان المستهدف من قبل الإستعمار له مكانة سياسية او دينية عالية في وعيهم، ويستنفر حواسهم وحوافزهم الكفاحية، ويعيد لهم وفيهم الثقة بالنفس وبالشعب والقيادة، مما يدفعهم كما حصل في القدس العاصمة تماما للمشاركة في الوقوف في مقدمة الصفوف. تلك الفئات والشرائح الإجتماعية، التي سعت أجهزة امن المستعمر الإسرائيلي تشويهها، والعمل على إفسادها أخلاقيا وسياسيا وثقافيا من خلال توريطها في التعاطي مع المخدرات والدعارة وغيرها من الموبقات ، والإستفادة منها لاحقا في إختراق وحدة الشعب وقواه الحية، نهضت من سباتها، وإنتفضت على ذاتها وخرجت للساحات والميادين وامام بوابات المسجد الأقصى للدفاع عنه، كما لم يحدث من قبل على مدار الخمسين عاما. هذا الدرس الفكري السياسي يحتاج إلى التعميم عالميا.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version