عن الأوضاع المستحيلة على معبر رفح

بقلم: مهند عبد الحميد

«أحمد الأسطل كان يحمل جواز سفر مصرياً حسب الأصول، وجد نفسه في العام 1976 ممنوعاً من دخول مصر، ووضعته السلطات المصرية في طائرة متجهة إلى دمشق، وما لبث أن أبعدته السلطات السورية إلى الكويت، وهناك وضعوه في طائرة متجهة إلى عمان التي رفضت قبوله، جولة عذاب لمدة أسابيع لم يرتكب أي عمل يستحق العقاب»، كما يقول صلاح خلف –أبو إياد في كتابه (فلسطيني بلا هوية) ويضيف أبو إياد الذي تعرض هو الآخر للمنع في مطارات عربية: «إن شعباً بلا وطن لهو شعب بلا حَوّل وبالتالي بلا دفاع، ويتساءل، أمن العجيب بعد كل هذا أن نبحث في جواز سفر أو علم».
بين الأمس واليوم حدث التغيير ولكن للأسوأ. كان الفلسطينيون يتعرضون للمنع أفراداً، وصاروا يتعرضون للإذلال والعسف والمنع رغم امتلاك من يتعرضون للإذلال والمهانة راهناً لجواز سفر وعلم و»سلطات» واعتراف بكيانهم من أرفع الهيئات الدولية والإقليمية والعربية. تغير الحال للأسوأ أضعاف أضعاف من قِبل سلطات عربية موقعة على المواثيق الدولية والميثاق العربي التي وضعت مبادئ ومعايير تحترم حقوق الناس أفراداً وجماعات بصرف النظر عن انتماءاتهم الوطنية والإثنية والجنسية.
ما يحدث للمواطنين الفلسطينيين على معبر رفح وفي الطريق إليه ذهاباً وإياباً يعد محنة إنسانية بكل المقاييس، أزمة لا تمس الذين يكابدون آلامها الجسدية والمعنوية والنفسية وحسب. تلك المحنة تحتاج إلى وقفة جدية ومسؤولة مع السلطات المصرية. إن تغيير تلك السياسة يعد حقاً مشروعاً، تسنده الروابط والعلاقات والمصالح المشتركة بين الشعبين.
عناصر الأزمة:
• قلة أيام فتح معبر رفح الحدودي باعتباره النافذة الوحيدة لمليوني فلسطيني. فقد فُتِح المعبر 41 يوماً، وأغلق 324 يوماً في العام 2016، وفتح 32 يوماً وأغلق 333 يوماً في العام 2015، ولم يحدث تغيير يذكر في العام 2017 حتى نهاية آب الفائت. وهنا يلاحظ أن مستوى الفتح والإغلاق لا يتناسب مع حاجة قطاع غزة الضاغطة والملحة في ظل الحصار الإسرائيلي الخانق.
• عدم انتظام ومراعاة الوقت في دخول وخروج أصحاب الحاجات الإنسانية من علاج، عمل، دراسة وعودة الزوجات والأطفال إلى أسرهم، وكبار السن، رغم حصولهم على موافقات بالدخول من قبل السلطات المصرية. هناك مرضى لا يحتمل وضعهم الصحي التأخير والتأجيل وهناك إقامات في بلدان أخرى قد تصبح غير سارية المفعول.
• تقديم واستبدال أسماء بأسماء في القوائم التي حصلت على موافقات أمنية، واعتماد أسلوب الواسطة والوكلاء ودفع المبالغ المالية لقاء إدراج الأسماء في مواقع أولى، هذه الانتقائية بالدفع المسبق تلحق أفدح الأضرار بالمرضى والطلبة والموظفين الزائرين. إن وضع الأولويات بالواسطة والمحسوبية يشمل أيضاً سلطة «حماس» وجهازها المشرف على المعبر في الجهة الفلسطينية. يقول المغادرون: إنهم يعرفون أقارب لهم دفعوا مبالغ مقابل وضع أسمائهم، وقد لاحظوا أيضا طلب السلطات المصرية من شرطة المعابر إدخال أسماء ممن أبرموا صفقات مع سلطة المعابر المصرية. وبهذا الفعل يتحول السفر في الميلين إلى «بزنس» وتنفيعات يلحقان الأذى بالسواد الأكبر من المواطنين.
• يترتب على البند 2، والبند 3 ظاهرة العالقين على المعبر الذين لا يستطيعون الدخول إلى مصر ولا العودة إلى قطاع غزة، وهؤلاء يبلغ عددهم مئات فقد تمكن 411 من العالقين على المعبر من الدخول إلى قطاع غزة في آخر مرة فتح فيها المعبر. وهنا لا يوجد أي مبرر لبقاء هذا العدد من المواطنين، بينهم أطفال ومسنون ومرضى، في مكان غير مؤهل بأي مستوى، في حين يبقى مئات المواطنين بالانتظار أمام المعبر المصري لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، هؤلاء يعيشون في شروط إنسانية صعبة بما في ذلك صعوبة استخدام دورات المياه. وهناك ظاهرة احتجاز مواطنين في مطار القاهرة انتهت إقامتهم في البلدان التي قدموا منها، هؤلاء لا يسمح لهم بالذهاب إلى المعبر وتطالب سلطات المطار بعودتهم إلى البلدان التي قدموا منها، ولا يفهم سبب عدم السماح لهم بالعودة إلى بلدهم، خاصة إذا كانوا من كبار السن.
• التعامل بعدائية مع الفلسطيني على الحواجز العسكرية (جرادة، الريسة، والميدان) كما تقول تقارير منظمات حقوقية، وإخضاع حقائبهم للتفتيش بعد فترة طويلة من الانتظار تحت أشعة الشمس اللاهبة، ومصادرة الأجهزة الإلكترونية (لابتوب وموبايل وهدايا أخرى) دون ذكر الأسباب.
ما تقدم لا يقدم كل المشهد بتفاصيله المؤلمة والمهينة، لكنه يتناقض مع القوانين والاتفاقات ذات الصلة المعتمدة لدى الدولة المصرية، ويتناقض مع العلاقة التاريخية الحميمة بين الشعبين، ومع التضحيات التي قدّمها الشعب المصري من أجل القضية الفلسطينية. فإذا كانت قلة قليلة من الفلسطينيين أساءت إلى مصر والمصريين فإن السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني يحب مصر وشعبها ومستعد للدفاع عنهما. وإذا كان الأمن المصري أولا في الأجندة المصرية، ومن حق السلطات المصرية اتخاذ الإجراءات التي تصون الأمن، إلا أنه لا يعقل أن تمارس عقوبات جماعية بحق الشعب الفلسطيني. التشدد أن يكون ضد الجماعات التي لها صلة بالإرهاب أو هناك جهة شرعية وحيدة مسؤولة عن أمن وحقوق وكرامة الشعب الفلسطيني،هي منظمة التحرير العضو في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة، وهي معنية بتصويب العلاقة وحل المشكلات مع السلطات المصرية. إن مستوى التدخل غير معروف وإذا ما قيس بالنتائج فإنه فاشل بامتياز. المنظمة والقيادة مطالبة بتقديم إجابة وتوضيحات حول المشكلة، والحلول بما في ذلك فتح المعبر بإشراف دولي، حتى لا تتضعضع الثقة والشرعية والتمثيل أكثر فأكثر.
من جهة أخرى، لقد قدّمت حركة «حماس» نموذجاً مدهشاً في استخفافها بحقوق المواطنين وبمقامرتها بمصيرهم وباستخدام معاناتهم للبقاء في سدة الحكم والسيطرة. ولم تستخلص الدرس من تجربة 10 سنوات فاشلة في الحكم، وبدلاً من تراجعها عن انقلابها العسكري الذي جلب الويلات لمليوني فلسطيني، والاحتكام مرة أخرى للشعب، تحاول الهروب عبر ما يسمى بالتفاهمات مع دحلان الذي يستخدم معاناة المواطنين ومأزق «حماس» لتعزيز نفوذه في قطاع غزة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version