المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

مصر وإنهاء الانقسام الفلسطينى

بقلم: محمد عبد المقصود

تشهد الأوضاع على الساحة الفلسطينية حالة من الترقب لما يمكن أن تسفر عنه الجهود المصرية الرامية للتوصل إلى مصالحة وطنية بين حركتى «فتح» و«حماس» للوفاء بمتطلبات تنفيذ الاتفاق الشامل الذى توافقت عليه القوى والفصائل الفلسطينية بالقاهرة فى 4/5/2011، وذلك بعد إعلان حركة حماس حل اللجنة الإدارية، واستعدادها لتمكين حكومة الوفاق الوطنى من القيام بمهامها بكل حرية فى قطاع غزة، لاسيما مع تطلع القوى و الفصائل الفلسطينية لاستئناف اجتماعاتها بالقاهرة فى غضون الأشهر الثلاثة المقبلة، بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطينى بالضفة والقطاع والقدس، تمهيداً للتحضير لإجراء الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية )، بالتوازى مع مواصلة القاهرة جهودها واتصالاتها مع كل من الرئيس / الفلسطينى وقادة بعض القوى الفلسطينية، لبلورة موقف موحد يخدم المصلحة العامة والقضية الفلسطينية، من خلال إنهاء الانقسام والحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني، الأمر الذى لاقى تأييداً من مختلف الفصائل الفلسطينية، وترحيباً من غالبية القوى الإقليمية والدولية .
وقد ارتبطت استجابة حركة حماس للجهود المصرية المبذولة لإنجاز المصالحة بين القوى والفصائل الفلسطينية بإدراك قيادة الحركة لطبيعة المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التى تهدد مستقبلها، خاصة و أن حركة «حماس» تمر بمنعطف خطير يستدعى تغيير نمط التفكير والأداء بعد انتخاب قيادة جديدة للحركة لديها أولويات مرتبطة بالوطن أكثر من أية أمور خارجية، وتضع على سلم أولوياتها حل مشكلة قطاع غزة والضائقة التى يعيشها، وهى تعلم أن مصر هى الدرع الواقية التى يمكن أن تحميها من الاستهداف الدولى بعدما قرر الرئيس الأمريكي/ دونالد ترامب فى قمة الرياض التعامل مع «حماس» كغيرها من التنظيمات الموضوعة على قائمة «الإرهاب» من ناحية، وتحسبها من حالة الاستقطاب العربى المنطلق من الاشتباك بين الرباعية العربية ودولة قطر من ناحية أخري، وبالتوازى مع حرص مصر على مساعدة الأطراف الفلسطينية على ترتيب البيت الفلسطينى وإقناع قادة حماس بضرورة إبداء قدر أكبر من المرونة فى مواقفها لإنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية، فقد سعت القيادة المصرية لحثهم على مراعاة المشاغل الأمنية المصرية سواء على الحدود المصرية، مع القطاع من خلال استكمال إجراءات الأمن المتفق عليها على الجانب الفلسطينى من الحدود، أو باتخاذ الإجراءات والتدابير الأمنية التى تكفل ملاحقة العناصر التكفيرية التى تتخذ من القطاع ملاذاً آمناً لها، والحد من مخاطر تسللها عبر الأنفاق للإضرار بالأمن القومى المصري، لاسيما مع قدرة قيادة الحركة بالقطاع على بسط سيطرتها الأمنية عليه.
ورغم سيطرة حالة من عدم التفاؤل لدى الرأى العام الفلسطينى بإمكانية تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ، ارتباطاً بعمق الآثار النفسية والاجتماعية، والوطنية الناجمة عن الانقســــام الذى استمر عشرة أعوام، والتى يحتاج تجاوزها الى جهد وتعاون يرتكز على إعلاء مفاهيم التسامح والعفو، لوجود بعض الصعوبات والمعوقات التى تحول دون وضع الاتفاقيات والتفاهمات السابقة بما فيها اتفاق القاهرة 2011 موضع التنفيذ، إلا أن جهود إتمام المصالحة هذه المرة تختلف عما سبقها وفرص نجاحها أعلي، كون المتغيرات الجديدة بالمنطقة تدفع نحو إتمامها، فهى إضافة لكونها مصلحة فلسطينية وطنية، أصبحت احتياجاً مصرياً وعربياً أيضاً، كما أن اتفاقيات القاهرة قد وضعت أسس التسوية لكافة القضايا المثارة فى ملفات الحكومة والأمن والانتخابات ومنظمة التحرير، و الحريات العامة، وملف المصالحة المجتمعية الذى حقق خطوات على طريق المصالحة بين قيادات تيار الإصلاح داخل حركة «فتح» وقادة «حماس». وتتمثل أهم القضايا الرئيسية المؤثرة على إنجاز المصالحة والتوصل إلى اتفاق نهائى بين الحركتين فى الآتى :
تشغيل معبر رفح حيث تتطلع حركة حماس إلى أن يعمل بالطريقة التى يعمل بها حاجز «إيرز» الذى تديره إسرائيل من جهتها، فيما تديره السلطة من الجانب الفلسطيني، مع وجود حاجز أمنى لـ «حماس» داخل أراضى القطاع، ما يعنى وجود الحرس الرئاسى داخل المعبر مع بقاء سيطرتها على محيطه. حكومة الوفاق الوطنى ومدى جدية حماس فى تمكينها من ممارسة صلاحيتها، وان تتحمل مسئوليتها فى القطاع كاملة بما فى ذلك الأمن والمعابر. فرض الأمن فى غزة فى ظل تباين وجهات نظر كل من فتح وحماس الأمنية، وتوظيف كل منهما عشرات الآلاف من العناصر الأمنية، وفق تعليمات وعقيدة أمنية مختلفة ومتعارضة مع العقيدة الأمنية التى اعتمدها الطرف الآخر، ملف موظفى حركة حماس فى ظل رغبة الحركة فى تفريغ نحو 43 ألف موظف مدنى وعسكرى فوراً فى حكومة «الحمد الله» حين تتسلم قطاع غزة، لكن حركة فتح ترفض ذلك فى ظل صعوبة استيعابهم دفعة واحدة، وجرى التوافق سابقاً على تشكيل لجنة إدارية لمعالجة هذا الملف، برنامج حكومة الوحدة المقبلة، فى ظل عدم التوافق بين الحركتين على أن يكون برنامج منظمة التحرير، والالتزام بالاتفاقات بدءا من أوسلــــــــو الــــــــى خريطــــــــــة الطريق، فى حين تتمسك حماس بضرورة إدخال تعديلات على هذا البرنامج، مع قبول الأمر الواقع دون الاعتراف بإسرائيل أو الاتفاقيات الموقعة معها. الانتخابات العامة، حيث ترغب حماس فى أن تشمل الانتخابات المجلس الوطنى لمنظمة التحرير الفلسطينية أيضاً، فى حين تفضل حركة «فتح» إجراء الانتخابات أولاً للمجلس التشريعى والرئاسة الفلسطينية، على أن يتفق على آلية لتجديد المجلس الوطني.
ولاشك فإن نجاح مصر فى التوفيق بين القوى والفصائل الفلسطينية، وتقريب وجهات النظر بين حركتى حماس وفتح، يمكن أن يتكرّر فى الملف الليبى الذى بدأ يعوّل على مصر آمال كثيرة لقدرتها على التواصل مع مختلف القوى الداخلية، وفصائل المعارضة المعتدلة فى الأزمة العالقة لسنوات، فى ضوء اقتناع تلك القوى بعدم وجود أجندة خاصة للجانب المصرى ، وارتباط اهتمامه بالتوصل إلى تسوية عادلة فى الملفين الفلسطينى وبالتالى فإن الجهد المصرى الذى يبدو سياسياً هو إعلان واضح عن خطط ضبط انتشار الإرهاب، لاسيما وأن ما تقوم به مصر موضع ترحيب القوى الدولية، خاصة فى روسيا التى تتطلع لتوظيف مشاركتها فى جهود مكافحة الإرهاب لاستعادة نفوذها ودورها فى منطقة الشرق الأوسط، والمشاركة فى ترتيبات الأمن الإقليمي.

عن الاهرام المصرية

Exit mobile version