قادة إسرائيل والمصالحة

بقلم: عمر حلمي الغول

لم ينطق قادة إسرائيل بكلمة عن موضوع المصالحة الفلسطينية منذ أعلنت حماس في السابع عشر من أيلول الماضي في القاهرة عن حل اللجنة الإدارية، وإفساح المجال أمام حكومة الوفاق الوطني لتسلم مهامها في قطاع غزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والذهاب لانتخابات رئاسية وتشريعية. وصمتوا (قادة اسرائيل) صمت أهل الكهف مع مضي الخطوات الإيجابية لتعميد المصالحة، وسهلت حكومتهم انتقال الحكومة الشرعية برئاسة الدكتور رامي الحمد الله إلى محافظات الجنوب لعقد اجتماعها الدوري يوم الثلاثاء الموافق 3 تشرين الأول الحالي، وتَّسلم الوزراء لمقرات وزاراتهم. مع أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة برئاسة نتنياهو كانت سابقا كلما فتح قوس المصالحة الوطنية تملأ الدنيا صراخا وتحريضا على الرئيس محمود عباس والشرعية عموما، وتضع المصالحة في تناقض مع عملية السلام، ولسان حالها رفض المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، لأن الانقلاب والانقسام كان مصلحة إستراتيجية إسرائيلية. غير ان الرئيس ابو مازن كان له موقف ثابت وواضح من الديماغوجيا الإسرائيلية، وهو عدم وجود تناقض بين المصالحة والتسوية السياسية، لا بل إن المصالحة تعزز التقدم نحو حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وشَّدد على التمسك بوحدة الشعب حينما قال “إني أختار شعبي ووحدته على اي موقف آخر”، والحديث لرئيس منظمة التحرير.
ولم يأت الصمت الإسرائيلي من فراغ، إنما جاء استجابة للتطورات الجارية في الساحة العربية الداعمة لخيار المصالحة، حيث تم التوافق العربي والأممي على منح الراعي المصري الزخم والقوة الكفيلة بفتح الأبواب الموصدة أمامها، وتجلى الموقف الدولي الداعم للمصالحة في بيان الرباعية الدولية بشكل واضح وغير قابل للتأويل. والأهم لاعتقاد قادة إسرائيل أن الانقلاب الحمساوي استنفد دوره ومهامه المطلوبة خلال الأحد عشر عاما الماضية، ولقناعتهم أن المصالحة الفلسطينية تفتح الأفق أمام الحل الإقليمي، الذي تراهن على ان يكون في مصلحة توجهاتها الاستعمارية، بحيث يتم الدفع بـ “مشروع الدولة المؤقتة” التي تبدأ بغزة وتتمدد نحو الأراضي المصرية…إلخ.
ولم تدلِ القيادة الإسرائيلية بأية تصريحات ولم تظهر أية مواقف إلا بعد اجتماع الحكومة الفلسطينية في غزة يوم الثلاثاء الماضي، حيث أطلق نتنياهو ووزيره بينيت في ذات اليوم تصريحين حسب ما تناقلته المصادر الإعلامية الإسرائيلية (القناة العاشرة وصحيفة “معاريف”) لذر الرماد في العيون، رغم ان تصريح نتنياهو له دلالات سياسية واضحة، حيث أطلقه من مستعمرة “معالية أدوميم”، قائلا: “ان المصالحة الفلسطينية لن تكون على حساب المصالح الإسرائيلية”. في حين قال بينيت “يجب وقف تحويل أموال المقاصة لموازنة السلطة، لإنها ستمول حركة حماس”. وتلا ذلك تصريح باهت لوزير الحرب ليبرمان حول ذات الموضوع، عندما قال “لنرى مستقبل المصالحة”. بمعنى انه يراهن على عمق الخلافات والتناقضات الفلسطينية الفلسطينية. هذه المواقف الخجولة تعكس التزام إسرائيل بالترتيبات الجارية ليس على صعيد الساحة الفلسطينية فقط، إنما على مستوى الإقليم ككل، وليس في نطاق وحدود العالم العربي.
لكن القيادة الإسرائيلية على اهمية ما تستند إليه من معلومات وتوافقات مع الولايات المتحدة ودول الإقليم، على ما يبدو لم تتعلم من دروس تاريخ الصراع الطويل على الأقل طيلة العقود الخمس الماضية، وتتجاهل حقائق مهمة لعل هبة القدس الأخيرة ما بين 14 و28 تموز الماضي ذكرتهم بما يمكن ان يفعله الفلسطينيون في حال تم تجاوز المقبول من قبلهم سياسيا، وهو خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194 ومبادرة السلام العربية. وبالتالي إن كانت تراهن على المضي في خيارها الاستعماري على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية، فإن القيادة الشرعية برئاسة محمود عباس كفيلة وقادرة على قلب الطاولة رأسا على عقب، وخلط كل الأوراق بما يصون ويحمي تلك الحقوق التي لن يفرط بها الفلسطينيون تحت كل الظروف.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version