“حلفت أمي أن ضفائرها من غصن الزيتون”

بقلم: حمدي فراج

“قلة المطر” هي التي تقف وراء شح موسم الزيتون في فلسطين هذا العام ، هذا ما قاله لي أحد خبراء الزراعة. كنت أفهم أن الموسم يزدهر سنة ويشح أخرى ، لكن ليس الى درجة أن يصبح موضوع الشح في هذا العام على لسان الفلاحين من شمال فلسطين الى جنوبها ، بما في ذلك الخط الاخضر وقطاع غزة الذي طال نخليها هذا العام .
ها هو الخريف يكاد يطوي شهره الثاني وما زالت درجات الحرارة المرتفعة تلهب نهاراتنا ، وحتى ايلول – الذي قال عنه الفلاحون أن – ليله مبلول ، قد مر مروراً ناشفاً جافاً ، وحمدت ربي ان كبار السن من حولي قد رحلوا ، وإلا كنت قد أسمعت من على ألسنتهم ما ينبىء بما هو أسوأ بكثير. كان تطيرهم يرتبط بأحداث الطبيعة الخارجة على المألوف ، عدا عن تخريب صميمي في صلب معيشتهم اليومية ومستقبل شتائهم القاتم القادم .
“مطرة المساطيح” التي تأتي في أيلول ، مرت مرور الكرام، لم تغسل مجففاتهم من البندورة المسطحة والتين القطين والعنب الزبيب على أسطح منازلهم فتغسلها مما علق فيها من اتربة واغبرة وزواحف تأتي لتقات ما قسمه الله لها، لم يعد الكثيرون يهتمون بهذه “الصناعة” التي تشكل لهم مؤونة الشتاء، واصبحت البندورة الشتائية اكثر منها صيفية والقطين نستورده من تركيا. حتى “المساطيح” كأنها اختفت من ثقافتنا، وحل محلها مشاريع الاسكان الابراجية، يتزاحم الموظفون على شراء شقة عمرهم فيها، اشبه ما تكون بالعلبة، اهم ما يميزها أنها بدون فسحة أرضية أمامها يزرعها صاحبها بحوض نعنع أو بقدونس او زعتر، وبدون سطح، فبماذا يحتاجون مطرة المساطيح .
المطر الخريفي يغسل الشوارع والمنازل والساحات والميادين والشجر والحجر مما علق فيها من اوساخ تراكمت على مدار السنة ما بعد توقف الشتاء قبل تسعة اشهر كاملة مشوبة بحرارة الشمس اللهابة، لكنها ايضا تعطي لشجرة الزيتون كنهها من الزيت الذي يشكل في فلسطين وامتدادها الطبيعي في سوريا بمثابة بترولنا الاخضر .
بقلة العرض الزيتوني ، سيزداد الطلب الاستهلاكي، وسيزداد معه السعر، وستزداد اساليب الغش والخداع، وسيحضر البائع الغشاش الذي دهن رقبته بالزيت الصافي، وهو يعرض الزيت المغشوش الذي بحوزته يقسم بأغلظ الايمان بما في ذلك رقبته “على رقبتي زيت صاف” .
لكن الشاعر يرى في الزيتون شيئا آخر “علمني جدي…أن الزيتونة وطن في شجرة … قائد جيش .. أستاذ في علم التاريخ .. مخبأ أحلام …وسنابك خيل …وقصة شعب..
حلفت أمي أن ضفائرها… من ورق الزيتون “.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version