رأي الوطن: الفلسطينيون وتحديات ما بعد المصالحة

كما في كل مرة يخطو الفلسطينيون خطوة إلى الأمام لصالح قضيتهم، يتدخل الأعداء مسرعين لقطع الطريق عليهم والعمل على إعادتهم إلى الوراء خطوات، والمباشرة الفورية نحو طرح العراقيل من كل اتجاه لحشرهم في الزاوية التي يريدها الأعداء.
لا أحد ينكر أن خطوة المصالحة الفلسطينية لم تمر بدون مراقبة دقيقة لتفاصيلها من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي وحليفه الاستراتيجي الأميركي، كيف لا؟ وقد استفاد المحتلون الإسرائيليون من الانقسام الفلسطيني استفادة كبرى على طريق استكمال مشروعهم الاحتلالي في فلسطين والمنطقة، حيث منحهم هذا الانقسام الوقت الكافي لتغيير الجغرافيا الفلسطينية والعبث بها، بما فيه العزل والفصل والحصار كما هو حال رام الله المحتلة وقطاع غزة المحاصر؛ لذلك فإن كيان الاحتلال الإسرائيلي وحليفه الأميركي يعملان على استكمال جني الأرباح عبر المصالحة بمحاولة التدخل والتحريض والتشويش، وفرض الشروط التي في مقدمتها الاعتراف بدولة كيان الاحتلال الإسرائيلي، ونزع سلاح المقاومة.. وطبعًا من خلال هكذا خطوة تخريبية يسعى المحتل الإسرائيلي وحليفه الأميركي إلى استثمار هذه المصالحة ـ التي ستتشكل وفقها حكومة وحدة وطنية ـ في الاعتراف المجاني بالاحتلال الإسرائيلي، والتخلي عن المقاومة وسلاحها كشرط قبل الدخول في عملية التفاوض، كما قال ذلك بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي؛ أي أن الحليفين (المحتل الإسرائيلي والأميركي) يريدان أن يضعا الفلسطينيين أمام سيناريوهات متعددة إما القبول بشروطهما لبدء التفاوض، وإما تحمل التبعات التي سيعملان ـ دون شك ـ على محاولة إفشال المصالحة وتفجير الأوضاع والتحريض بين حركتي فتح وحماس، وكذلك العمل على ممارسة ضغوط كبيرة في هذا الاتجاه؛ اتجاه إعادتهما إلى مربع الانقسام. فقد قال المبعوث الأميركي لسلام الشرق الأوسط جيسون جرينبلات معقبًا على المصالحة بين فتح وحماس إن “أي حكومة فلسطينية قادمة، يجب أن تلتزم التزامًا تامًّا بنبذ “العنف” والاعتراف بدولة “إسرائيل، وإنه من الضروري أن تتمكن السلطة الفلسطينية من تسلم زمام مسؤولياتها المدنية والأمنية الكاملة وبشكل حقيقي ودون معوقات في غزة، وأن نعمل سويًّا لتحسين الحالة الإنسانية للفلسطينيين الذين يعيشون هناك”.
والمعنى من هذا التعقيب واضح، فبالإضافة إلى الاعتراف بدولة كيان الاحتلال الإسرائيلي والتخلي عن المقاومة سلاحها، أن تعمل السلطة الفلسطينية على استكمال دورها ومهامها في قطاع غزة، كما هو في الضفة الغربية، فتكون الشرطي الذي يسهر على راحة قطعان المستوطنين، مقابل تسهيل وصول الغذاء والدواء.
المبعوث الأميركي لعملية السلام بالشرق الأوسط جيسون جرينبلات يجول هذه الأيام في المنطقة بهدف ـ كما أعلن ـ تفعيل عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أن ما طرحه من شروط أو بالأحرى ما حمله من شروط إسرائيلية مسبقة تتناقض مع هذا الهدف المعلن، فهذه الشروط لا تمهد الطريق لعملية تفاوض تقود إلى السلام المنشود، وإنما هي بمثابة متاريس وألغام لتفجير المصالحة الفلسطينية إن لم يستكمل منها المحتل الإسرائيلي ما جناه من ثمار أثناء الانقسام. وهذا ما لزم الفلسطينيين الانتباه إليه وتفويت هذه المحاولة على عدوهم المحتل.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version