ذكرى وعد بلفور والدوامة المتواصلة!!

بقلم: د. عقل أبو قرع

تصادف في الثاني من تشرين الثاني من كل عام ذكرى وعد بلفور، أو ذكرى منح الوعد للحركة الصهيونية في فلسطين من بريطانيا، ومع مرور مائة عام على وعد بلفور ومرور حوالي 70 عاما على اقامة اسرائيل، الا ان الفلسطينيين ما زالوا يدورون في دوامة متواصلة من الامل ومن الانتكاسات ومن الوعود ومن الانتظار، ولم تتجسد الدولة الفلسطينية الحقيقية الواضحة وذات السيادة على الارض بعد.
قبل حوالي 100 عام، صدر ما بات يعرف ب” وعد بلفور”، والذي ببساطة يعلن تأييد الحكومة البريطانية لليهود أقامة وطن قومي لليهود في فلسطين لهم في فلسطين، وأن الحكومة البريطانية سوف تقوم بكل ما تملك من اجل تحقيق هذا الوعد، وفي تلك السنة لم تكن فلسطين تحت الحكم البريطاني، اي لم يكن بمقدور الحكومة البريطانية القيام باجراءات عملية على الارض، من أجل تحقيق هذا الوعد او هذا التعهد الذي حمل اسم وزير خارجية بريطانيا في ذلك الوقت، ولكن وبعد ان اصبحت فلسطين تحت الانتداب أو تحت المسؤولية البريطانية بعد شهر واحد فقط من صدور الوعد، قامت بريطانيا خلال عشرات السنوات التي تلت الوعد، بالعمل على جعل الوعد ممكنا وبشكل عملي، اي عملت على أقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
وحين صدر ” وعد بلفور”، لم يزد عدد اليهود في فلسطين على نسبة ال 5% من تعداد السكان في البلاد، وفي تلك الفترة لم يكن احد يتوقع، وحتى خلال الثلاثين عاما من صدور هذا الوعد، بأن يتم الاعلان عن قيام دولة لليهود في فلسطين، ومن ثم تتسابق الدول الكبرى من أجل الاعتراف بها، ومن ضمنها بالطبع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وغيرهم، وليس هذا فقط ولكن من اجل توفير الدعم والمساندة من أجل ان تبقى تلك الدولة وتتوسع، حتى لو كان ذلك على حساب مئات الالاف من اللاجئين والمهجرين ومن الضحايا والمعاناة للسكان الأصليين في تلك البلاد.
ومن الناحية الاخرى، فأن الدولة الفلسطينية غير القائمة فعليا، والتي اعترفت بها معظم الدول في العالم، والتي تم الاعتراف بها كدولة غير عضو في الجمعية العامة للامم المتحدة قبل عدة سنوات، والتي من المفترض ان تشمل الضفة الغربية وغزة والقدس، هي دولة مشتتة من الناحية الواقعية اللوجستية، أو دولة غير قابلة للحياة وللتواصل وللسيادة في الاوضاع الحالية، أسوة ببقية الدول في العالم، وهي ما زالت عمليا تحت الاحتلال، وما زال الاستيطان يبعثرها ويمزقها اكثر واكثر، وما زالت الاوضاع والاولويات في المنطقة وفي العالم تتغير بشكل يهدد اولوية قيامها أو حتى الحديث عن ذلك، وما زال توفير القرار الدولي الملزم لقيامها، اي القرار من مجلس الامن الدولي، هو أمراً صعباً وبعيد المنال وحتى من المستحيل في الوقت الحالي، في ظل مصالح الدول الكبرى التي لا تراعي الحقوق او العدالة، ولكن فقط تعمل من أجل الحفاظ على مصالحها، والاحداث الجارية حاليا في سوريا وفي العراق لهي دليل على ذلك.
وفي ظل الواقع الحالي والدوامة المتواصلة، فأن تلك الدولة الفلسطينية التي من المفترض ان تأتي من خلال حل ” الدولتين”، ليس من المتوقع ان ترى النور في المدى القريب على الاقل، وليس ذلك فقط ولكن حتى ان مفهوم أو اطار حل ” الدولتين لشعبين”، قد اصبح حلاً غير واقعي أو غير عملي، وحتى ان هناك اصوات، وتصريحات، ومن الجانبين تطالب بأن يتم اعادة النظر في هذه الاستراتيجية، وبالاخص في ظل وقائع وحقائق على الارض لا يمكن تجاهلها او محاولة تخطيها او التغاضي عنها، والتي تتمثل بالاستيطان وبالتالي تقطيع اوصال الارض التي من المفترض ان تقوم عليها الدولة الفلسطينية، وكذلك الخنق الاقتصادي المتواصل، من خلال السيطرة او من خلال الاصرار في تواصل السيطرة على المعابر والحدود والموارد والمياه، بشكل يجعل قيام دولة فلسطينية في ظل هكذا وضع غير قابلة للحياة.
ومع مرور حوالي مائة عام على وعد بلفور، ورغم اعتراف دول عديدة بالدولة الفلسطينية، ورغم الاعتراف بالاهمية الرمزية والمعنوية والاعلامية والدبلوماسية، وحتى الاخلاقية لهذا الاعتراف، ورغم الموقف الدولي الواسع ، بقبول دولة فلسطينية على حدود عام 1967، الا انة وفي ظل الواقع الحالي، وفي ظل اوضاع واولويات متغيرة وتتغير بسرعة، سواء اكانت عندنا او من حولنا في المنطقة العربية وفي العالم، فأن انعكاس هذه الاعترافات بهذه الدولة على الارض، لا يمت الى الواقع الحالي بأي أهمية ، حيث اصبح معرفة حدود هذه الدولة التي يعترف بها العالم، او حتى معرفة تداخلاتها وامتداداتها، صعباً، حتى على المختصين والخبراء في هذا المجال، وبالاضافة الى اعطاء وعد بلفور الحق لغير اصحاب الحق في الارض ومصادرها، وقطع الاوصال والتواصل بين المناطق الفلسطينية المختلفة، أحدثت الوقائع على الارض، من استيطان ومن جدار ومن عزل، تغييرات ثقافية وبيئية وديمغرافية وترتيبات لوجيستية، تجعل الحديث عن سيادة على دولة متواصلة امرا من الصعب تصوره حاليا، أو على الاقل في المدى المنظور القريب.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version