أيجهل زيدان أم يتجاهل تاريخ القدس؟

بقلم: فايز رشيد

عوّدنا الروائي يوسف زيدان، على أنه قبل نهاية كلّ عام أن يطلع علينا بتصريح يفتي فيه بأن المسجد الأقصى غير موجود في مدينة القدس، إضافة إلى تصريحات أخرى يشي مضمونها بـ«يهودية» المدينة.هذا الافتراء قاله في عام 2015، وها هو يكرره نهاية عام 2017 مستعيرا المقولة الصهيونية «إكذب.. إكذب.. ثم اكذب حتى يصدّقك الناس».
حقيقة الأمر، إن كاتب هذه السطور لم يجعل مهمته الرّد على أضاليل بعض العرب، لكن رسالة الشكر والامتنان التي أرسلتها السفارة الصهيونية للروائي، وشكره وامتنانه العميق لها، يستفز كلّ عربي شريف ووطني فلسطيني، وهو ما يجعلك ككاتب تغيّر ما نويت كتابته في مقالتك، في الرّد على الأضاليل الصهيونية، فالأكاذيب هي الأكاذيب ذاتها، أياً كان مصدرها، فكثير من المحسوبين على العرب، هم صهيونيون على يمين نتنياهو وجابوتنسكي وشامير وبيغن وغيرهم من أعداء شعبنا وأمتنا، وكل ما هو إنساني. نعم، لقد نشرت صفحة سفارة دولة الكيان في القاهرة على حسابها على «فيسبوك» رسالة شكر موجهة لزيدان، قالت فيها «أسعدنا سماع أقوال الكاتب والمؤرخ يوسف زيدان، ووصفه للعلاقات الحميدة بين اليهود والمسلمين حتى قبل ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحتى أيامنا هذه، مشيرا إلى أن جذور الحروب بين الطرفين تعود إلى المتطرفين».
قوبلت تصريحات زيدان بالرفض من قبل عدد من الكتاب المصريين، عبر موقع «تويتر»، كما شن عدد من نواب البرلمان المصري هجوما عليه، بسبب تطاوله وتشكيكه في وجود المسجد الأقصى. وكان قد وصف صلاح الدين الأيوبي في لقاء تلفزيوني بأنه «أحقر شخصية في التاريخ»، واتهم في لقاء آخر البطل الوطني المصري أحمد عرابي بأنه خرّب مصر وجاء بالإنكليز إليها.
لعل الروائي المتهم باستنساخ روايته «عزازيل» الفائزة بجائزة البوكر العربية عام 2009 عن رواية بعنوان «أعداء جدد بوجه قديم»، للكاتب الإنكليزي تشارلز كينغسلي (صدرت عام 1853 والمعروفة باسم «هيباتيا»)، التي ترجمها عزت زكي إلى العربية، والمتهم بأنه استعار فصولا بكاملها من رواية «أسابيع الحديقة» للروائي والكاتب الإسباني خوان غويتسولو، لعله يسعى إلى جائزة نوبل للآداب، كونه يدرك أن الطريق إلى الجائزة يمر من واشنطن وتل أبيب. غريب أمر منطق يوسف زيدان، فإما أنه يجهل تاريخ القدس، وإما أن في خلايا دماغه تكمن مشروعات مجهولة، وانصحه والحالة هذه ان يكون بعيدا عن السياسة وقضاياها، وأن يقصر كتاباته فقط على الأدب غير المنقول ولا المستنسخ، ذلك أن المرحلة الذي يظهر فيها هذا الرأي وأمثاله، هي مرحلة ما بعد اعتراف ترامب بالقدس «عاصمة للدولة الصهيونية»، التي يشدد فيها الكيان ويعمل جاهداً على «تهويد القدس»، وآراء زيدان وأشباهه تعطي للكيان الحق في ادعاءاته. في الوقت الذي يؤكد فيه مؤرخون عالميون (بمن فيهم يهود إسرائيليون) عروبة القدس قلبا وقالبا.
وحول تناول روائيين عرب لموضوع القدس، قرأت ثلاث روايات، الأولى بعنوان «مدينة الله» للروائي والقاص الفلسطيني الذي يعيش في سوريا، حسن حميد، في روايته يفتح حسن حميد أبواب القدس، والعديد من المدن الفلسطينية. هي رواية للتاريخ والأجيال تنطق بأن «مدينة الله» رغم كل الآلام والجراحات، ستظل عربية. الرواية الثانية هي «سوناتا لأشباح القدس» لواسيني الأعرج، تقف للأسف على الحياد في الصراع الفلسطيني العربي- الصهيوني. أما رواية «ترانيم الغواية» لليلى الأطرش، فهي منحازة إلى القدس الفلسطينية العربية بكل إسلامييها ومسيحييها وأهلها.
وهذا هو أحد مضامين جوهر الصراع مع العدو الصهيوني، ولهذا يحاول تهويدها منذ احتلالها في عام 1967 وحتى هذه اللحظة بكافة الأشكال والوسائل. يحاولون تهويد الأقصى واقتسامه زمانيا ومكانياً مع المسلمين.. عن طريق تقويضه، تمهيداً لبناء الهيكل المزعوم، ورغم أن علماء الآثار العالميين أكدوا عدم وجود أي آثار يهودية في القدس، بما يعني تأكيد عروبتها، من هؤلاء المؤرخة كاتلين كينون في كتابها «علم الآثار في الأرض المقدسة»، المؤرخ بيتر جيمس في كتابه «قرون الظلام»، توماس تومسون في كتابه «التاريخ المبكر لليهود»، حقائق أرنولد توينبي، غوستاف لوبون في كتاب «تاريخ الحضارات الأولى».
نعم، فلسطين عربية خالصة، هذا ما يقوله التاريخ. المؤرخ الإغريقي هيرودوت يؤكد «أن فلسطين هي جزء من بلاد الشام» المؤرخون الفرنجة يؤكدون بإجماع بالنص»أن فلسطين ديار عربية»، المؤرخ الشهير هنري بريستيد يذكر بالكلمة «أن القدس هي حاضرة كنعانية»، بالطبع الكنعانيون هم قبائل عربية، ولهذا أطلق على فلسطين اسم «بلاد كنعان». اليبوسيون العرب استوطنوا الأرض الفلسطينية منذ 4000 عام قبل الميلاد، واستوطنوا منطقة القدس عام 2500 ق.م. القدس عربية قبل ظهور الدين الإسلامي الحنيف، والتأريخ لعروبتها لا يبدأ من الفتح العربي الإسلامي لها في عام 638 م مثلما يذهب العديد من المؤرخين للأسف. القدس جزء أساسي من فلسطين، ولذلك فالتأريخ للبلد ينطبق على مناطقه ولا يكون منفصلاً.
الخليفة الأموي مروان بن عبدالملك بنى مسجد قبة الصخرة، والقبة ذاتها، تأكيداً لدخول الإسلام إلى المدينة. أما أصل ما يعتمد عليه اليهود من تسمية القدس بـ»أورشاليم» فالأصل في هذه التسمية، أن اليبوسيين العرب هم من أطلقوا عليها الاسم وسموها «أورسالم» أي «مدينة السلام» من الأصل، بالتالي لا علاقة للاسم باليهود لا من قريب أو بعيد، ولا علاقة لهم بمدينتنا الخالدة.
بالمقابل اعترف أبو الآثار إسرائيل فلنكشتاين من جامعة تل أبيب، بعدم وجود أي صلة لليهود بالقدس. جاء ذلك خلال تقرير نشرته مجلة «جيروزاليم ريبورت» الإسرائيلية، توضح فيه وجهة نظر فلنكشتاين، الذي أكد لها: أن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة، كانتصار يوشع بن نون على كنعان. من جانبه، قال رفائيل جرينبرغ وهو عالم آثار يهودي ويحاضر في جامعة تل أبيب: «إنه كان من المفترض أن تجد إسرائيل شيئاً حال واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع، غير أن الإسرائيليين يقومون بالحفر في القدس لأعوام بدون العثور على شيء».
من زاوية ثانية، اتفق البروفيسور يوني مزراحي وهو عالم آثار مستقل، عمل سابقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع رأي سابقيْه قائلاً: لم تعثر إسرائيل حتى لو على لافتة مكتوب عليها ـ مرحباً بكم في قصر داود- واستطرد قائلاً: ما تقوم به إسرائيل من استخدام لعلم الآثار بشكل مخّل يهدف إلى طرد الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس وتحويلها إلى يهودية. مقالة نتمنى على زيدان قراءتها.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version