قراءة في كتاب “الوظيفة اليهودية من ارتحششتا الى بلفور” للدكتور “فهد حجازي”

يبدأ دكتور “فهد حجازي” كتابه الصادر عن “دار الفارابي” تحت عنوان” الوظيفة اليهودية من ارتحششتا الى بلفور” بالتشكيلة المغلقة التي لا “تسمح لهم بالاختلاط، وبالتالي عدم التأثر بمن حولهم، وان يكونوا مجموعة متراصة مطواعة جاهزة للاستخدام دون نقاش، وتحت طائلة المسؤولية” لننطلق عبر “العملية الانعزالية” او بما يسمى “معجزة البقاء”بتأن تحليلي له اسسه الموضوعية

في كتاب استطاع تمييز المسميات التي عرفنا بها اسرائيل بعيداً عن التسميات الخاصة بالديانة اليهودية، وبهذا يكون دكتور “فهد حجازي ” منح مملكة اسرائيل الكنعانية دلالات تاريخية يستنبش من خلالها ما يريد الوصول اليه، لتكوين صورة متغلغلة من الاراميين وصولا الى هيئة الارض لتسليمها الى الصهاينة مع الاختلاف في المسميات من بداية الكتاب وصولا الى نهايته. ليمنح اليهود صفة الاختلاف في الكثير من الحقائق التي تعتمد على المنطق والموضوعية في بحث تاريخي له وظيفة يهودية يكتشفها القارئ بمتعة عقلانية. اذ تحاور الفكرة القارئ عبر كل طرح او تساؤلات وضعها لتكون بمثابة مفاتيح اخرى للتقدم نحو المعرفة الوظيفية لليهود وكل ما يتعلق بها من امور غامضة تاريخيا بالنسبة للقارئ.

“غيرت آشور الخريطة الديمغرافية للشرق القديم بكامله” جملة هي نهاية لفصل بعنوان “الآراميون”، وفيها من الايحاءات التحليلية ما يمكن رؤيته في الحاضر الحالي من تغيرات ديمغرافية تحدث في منطقة الشرق الاوسط قبل الدخول بتاريخ كنعان بدءاً من دلالات تسمية كنعان، ومع تمدد واشتقاق الاسم كنعان من المصطلح الاحمر الارجواني وصولا الى باليستا او فلسطين مهتما بتاريخ الهجرات “والتي عاصرت الادعاء التوراتي” لتشهد بعد الفتح الاسلامي عدة اسماء ابرزها مدينة السلام.
تفرز التحليلات في كتاب “الوظيفة اليهودية “الوظائف التاريخية التي يستنبشها دكتور “فهد حجازي ” كاشفا عن بصيرة ترصد التسلسلات الزمنية لليهود وظهورهم، ومتابعة خبايا التوراة والتلمود والمعتقدات التي تتضمن حدود الزمان والمكان للوجود الاسرائيلي الذي نهض على اعمدة يهودية تتناقض مع الهويات الاخرى التي تم استخدامها من اجل تأسيس ديانة عازلة تختلط فيها الحقائق التي يبحث في اصولها عبر الكثير من الجاليات، وقصة اعادة بناء الهيكل من خلال الوثائق التي تكلم عنها بايجاز مرورا بجالية جزيرة الفيلة. ليفصلنا فجأة من اجل قطع دابر الخلط عن ما تكلم عنه من بداية الكتاب حتى اسرائيل الكنعانية الحقيقية، وبين ما هو تاريخي وما هو انتحال للتاريخ من اجل غاية ايديولوجية انتهازية لندرك ان الصراعات الوجودية هي صراعات تاريخية تمتد لقرون وعصور، وتتبعها يقتضي قراءة الكثير من التفاصيل عبر الاثار والمجلدات، وما تركته الحضارات من وثائق وما الى ذلك لتحقيق موضوعية مرتكزا على ابحاث “فراس السواح” في الكثير من التفاصيل، وحتى الخرائط الا ان ابرز ما يلفت انتباه القارئ في هذا الفصل هو السبي والذوبان العرقي بين الجماعات. فهل سنشهد في الزمن الحديث ما شهده القارئ في كتاب الوظيفة اليهودية؟..
بحث في تاريخ اليهودية له مفاهيمه وخصوصياته وفهمه للحركة الصهوينية وتطلعاتها المستقبلية “منذ الاباء الاوائل حتى سقوط مملكة شلومو المزعومة” لتتبلور وظيفة الجماعات اليهودية على مر التاريخ. اذ يعتبر البعض ان مجرد استمرارية اليهود هي معجزة بحد ذاتها، والمستقبل وحده هو من يحدد ظروف وشروط استمراريته وليس تمنيات حزبية صهونية. اضافة الى ان المفهوم المفروض على اليهود التقيد به “هو ان اليهودي لا يملك خيار نفسه” فالبحث في الوظيفة اليهودية يعتمد على الوضوح والرؤية في العديد من المفاهيم التي تتخذ العزلة اليهودية الذهنية، والجسدية فيها الاساس الاقوى في بناء هذه الجماعات والابادة الصامته التي مارستها كمصطلح اطلقه القادة الصهاينة مع الحنين الدائم الى العالم المغلق الذي يشرحه دكتور “فهد حجازي” بقول شاحاك:” ان عددا كبيراً من اليهود في عالمنا اليوم يحنون الى ذلك العالم (الغيتو المغلق، والجاهل بالمعلوم) الى فردوسهم المفقود، المجتمع المغلق المريح، الذي لم يتحرروا منه بقدر ما طردوا منه…”
اهتمام لافت بجوانب متعددة من تفاصيل حياة اليهود التلمودية وغيرها لنشهد مع التاريخ على حقائق كثيرة في عبر عناوين غرسها لتخدم فكرته او استنتاجاته التي تؤدي الى رسم صورة مستقبلية تجعلنا امام جماعات تخاف حتى الانتماء للارض في سبيل تحقيق الوصول الى الهدف المنشود الموضوع منذ عصور او زمن ما قبل الميلاد حتى ليشعر القارىء بصعوبة المخاضات او حتى القضاء على متغيرات هي من الثوابت التاريخية المشهود لها بوعي زمني تربص بكل صغير وكبيرة لمسمى وظيفي، وهو المعنى الاوسع والواضح لوظيفة تنسج مصائرها وتبعدها عن مصائر الشعوب كي لا تتشتت الفكرة الصهيونية بين اليهودية والاسرائيلية، ولتمسك الصهيونية بالامم وتكون العزلة المثمرة هي من نتائج الوظيفة اليهودية التي تضمن للوبي الصهيوني الضغط لمصلحة الحركة الصهيونية، فهل نجح كتاب الوظيفة اليهودية في انارة فكر القارىء من خلال هذه الدراسة الهادفة الى التساؤل عن ماهية المشروع الصهيوني ووظيفته اليهودية؟

جريدة المدى – ضحى عبدالرؤوف المل

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version