المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

دعوا الشعب الفلسطيني يقول كلمته

بقلم: حافظ البرغوثي

انجلى غبار ودخان المعركة في «مسيرات العودة» وصدرت بيانات شجب واستنكار، وعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً في القاهرة لم يحقق أي صدى، وأحبط الأمريكيون محاولات كويتية في مجلس الأمن لإدانة الجرائم الاحتلالية على تخوم غزة، وانضمت السلطة إلى ثلاث اتفاقيات دولية كانت واشنطن طلبت عدم الانضمام إليها وأحالت ملف الاستيطان إلى الجزائية الدولية ولم يأت الانضمام بأية نتيجة. لكن على الأرض تفاقم الوضع الإنساني لسكان قطاع غزة الذين فقدوا أكثر من مئة شهيد وبضعة آلاف من الجرحى أغلبهم برصاص القنص، وظل جدول الكهرباء لأربع ساعات يومياً مع انعدام فرص العمل لمئات الألوف من الشبان.
وفي أثناء ذلك ظهر المبعوث الأمريكي جيسون جرينبلات في الدوحة للقاء وزير الخارجية القطري برفقة المبعوث القطري إلى غزة محمد العمادي. وكان الاثنان أي العمادي وجرينبلات التقيا في القدس أثناء وجود العمادي لبحث قضايا تتعلق بالاحتلال وحركة حماس بخصوص الترتيب لصفقة هدنة طويلة الأمد، لكن الاحتلال رفض مطالب «حماس»، في حين يركز المبعوث الأمريكي على وجوب الإفراج عن أسرى جنود الاحتلال سواء كانوا قتلى أو أحياء ونزع سلاح «حماس»، يحاول العمادي تثبيت حكم «حماس» في غزة وإبعادها عن مصر. و«حماس» تعلم أنها لن تفرط في سلاحها لأنها من دونه ستكون ضحية لضربة قادمة ولن تنفعها أية ضمانات أمريكية لأن الاحتلال لم يلتزم بأي تعهدات مطلقاً واتفاق أوسلو أنموذجاً، وما حدث للقذافي وصدام حسين عبرة لهم، وهو ما يردده الكوريون الشماليون الآن من أنهم لا يثقون بواشنطن إذا تنازلوا عن ترسانتهم النووية.
وهكذا خف الحديث عن المصالحة الفلسطينية لأنها باتت مكروهة «إسرائيلياً» وأمريكياً وإخوانياً. ولعل إعادة ملف المصالحة الآن إلى الواجهة أهم من أي إجراء آخر لإنقاذ غزة وإنقاذ القضية الفلسطينية برمتها. فقد لاحظنا مثلاً أن المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي غادرت القاعة في الأمم المتحدة عندما بدأ مندوب فلسطين رياض منصور كلمته وكأنها تتجاهل وجوده أو كأن واشنطن لم تعد تعترف بوجود فلسطين، وهذا القفز عن الحضور الفلسطيني والاهتمام لاحقاً من قبل جرينبلات بغزة فقط، كأنما المقصود به حصر القضية الفلسطينية بغزة فقط أو ما يسمى منذ عقدين ب«دولة غزة» باعتبار أن الضفة باتت لقمة سائغة للاحتلال حيث ينفذ «الإسرائيليون» بنود «صفقة القرن الترامبية» بصمت من حيث رفع الوصاية الأردنية عن المقدسات واعتبار «إسرائيل» هي الوصية بلسان جاريد كوشنر صهر ترامب، وكذلك نقل السفارة إلى القدس والضغط على دول عديدة بالترهيب والترغيب لنقل سفاراتها إلى القدس، أو شرعنة الاستيطان والبدء بتنفيذ مخطط لتغيير ملامح القدس ثم الانتقال إلى مرحلة الإطاحة بالرئيس عباس باعتباره ليس شريكاً كما حدث مع سلفه (أبو عمار). فالآلة الدبلوماسية الأمريكية تعمل في هذا الاتجاه مع «الإسرائيلية» حالياً.
كل له مآربه من كل هذا، فالاحتلال يريد تصفية القضية بالكامل ودحرها وحشرها في غزة، وواشنطن تريد تمرير صفقتها المريبة وإملاءاتها حتى لا يجد الفلسطينيون ما يفاوضون عليه إن أرادوا التفاوض، وحركة حماس تريد إدامة حكمها في غزة مهما كان الثمن مدعومة من قوى إقليمية لها مآرب شتى، والقيادة الفلسطينية تتشبث بركام منظمة التحرير لإحياء شرعيتها وسط تجاذب إقليمي ينغص على الشعب الفلسطيني خياراته للصمود والبقاء دون وجود حد أدنى من الوحدة الوطنية الحقة. وهكذا يبقى الأمل في يد مصر لأنها وحدها المؤهلة والمفوضة عربياً وفلسطينياً لإنجاز المصالحة لإنقاذ القضية الفلسطينية من العبث المستمر منذ الانقسام حتى الآن، وقد قطعت شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه لكن محاولة اغتيال رئيس الوزراء الحمد الله أوقفت هذه الجهود.
لعل مصر تعاود الكرّة مجدداً في وقت قريب، فالمصالحة تعني في أول بنودها الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة بعد تشكيل حكومة ومن يفز يأخذ الجمل بما حمل، لكن هناك مؤثرات خارجية تعرقل هذا وأطماع حزبية وشخصية تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه.
فالجيل الحالي من السياسيين الفلسطينيين والفصائل أثبت فشله بامتياز، وحان الوقت لتجديد القيادات الحزبية. فغزة لن تتحول إلى قاعدة إخوانية يضحى بها وفقاً لأمزجة التنظيم الدولي للإخوان والقوى الإقليمية، والضفة لن تتحول إلى منتجع استيطاني سياحي هادئ للاحتلال.. فدعوا الشعب يقول كلمته.

عن الخليج الإماراتية

Exit mobile version