بازار فلسطينيي اوروبا … بين التسييس و التبذير و التدليس

بقلم: حسين الحسين – الدنمارك

مقدمة

تفكرت وتأملت و ترددت كثيراً قبل أن اكتب هذه الملاحظات حول ما يسمى”مؤتمر فلسطينيي اوروبا ” الذي دأب منظموه أن يعقدوه في كل عام في إحدى الدول الأوروبيه.
مبعث ترددي أمران، أولهما أني كنت أعتقد عن حسن نية أو ربما عن سذاجة، أن “القائمين عليه ” ربما سيتجاوزوا الأخطاء والسلبيات التي ارتكبوها في المؤتمرات السابقة، دونما حاجة لتنبيه أو نقد. والأمر الآخر الذي زاد حرجي وترددي هذا العام أن من إستلم مسؤولية المنتدى الفلسطيني في الدنمارك، و هي إحدى الجمعيات المنظمه لهذا المؤتمر، بحكم المكان، هو زميل أحترم.
ولكن بما أن المصلحة الوطنية أهم و مقدمة عندي على كل الاعتبارات الشخصيه، وحيث أن الهفوات والشطحات والسقطات ما زالت قائمة، لا بل تفاقمت، فمن لم يتعلم من تسع مؤتمرات عجاف لن يتحفنا بعبقريات في عاشرها. فمن شب على شيء شاب عليه. لذا فإني أراني مدفوعاً لهذه الكتابه، “فذكر إن نفعت الذكرى”

“برعاية المرزوقي” .. أوّل القصيدة كُفر
أعترف، أنا ألمهووس بحل الكلمات المتقاطعة و الألغاز، أني وقعت في حيص بيص عند معرفتي أن المؤتمر المذكور سيكون “برعاية” السيد المرزوقي، الرئيس المؤقت لجمهورية تونس الحبيبه الذي إنتخب بتوافق قطري– اخواني. لقد حرت و ضربت أخماس بأسداس لأعرف مراد المُنظمين من كلمة “رعاية”. فالرعاية،بلغة الضاد، حمالة أوجه، فهي عند العرب تعني من جملة ما تعني ،الرعي، كأن نقول راعي الإبل و الغنم و البهائم، و معاذ الله أن يكون “القائمون عليه”- أي المؤتمر – قد أرادوا هذا المعنى.
و الرعاية تعني أيضاً الحفاظ، فهل قصد “القائمون عليه” أن السيد المرزوقي سيحفظ الحاضرين من شيء مكروه، كالخطل أو الخطأ أو الجهل، لا قدر الله .
و الرعاية تعني الكفاله، كأن نقول رعاية الأيتام، و في هذا تلميح ذكي بأن السيد المرزوقي، سوف يمد يده إلى جيبه و يتصدق على المؤتمر و”القائمين عليه” برزمه من الدولارات الأمريكيه أو الريالات القطرية، لا فرق، يعلم الله وحده قدرها ،ليس عن سوء نيه، بل إلتزاماً بالحديث الشريف: ” و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه “.
و لعلّهم أرادوا “بالرعاية “أن السيد المرزوقي سيكون الراعي أي الوالي، و نحن الحضور، الرعيه أي العامة. و بعض الفقهاء الخبثاء يفتونأن المقصود هو كل المعاني السابقة مجتمعة.
و لكن هل كلمة رعاية تعني يقيناً بأن السيد المرزوقي سيأتي، بشحمه و لحمه و طوله و عرضه، ويشملنا برعايته و يعلمنا كيف نقف ونصفق و إن كنا محظوظين يعلمنا أيضاً كيف نقف و نصافح كما قال أمير قطر – ولي نعمته- للشعب التونسي أثناء زيارته الأخيرة لتونس : “جئت لأعلم رئيسكم كيف يقف و يصافح “.
بربكم، عندما لا يخبرنا “القائمون عليه” أي المعاني يقصدون بكلمة”رعايه”، أليس في ذلك تدليس صريح علينا -نحن الرعيه؟

أيها الرعية : أبشروا الحكواتي جاءكم بمفاتيح العودة
ضيف آخر سيشملنا بعطفه و رعايته سيأتينا بأبعاده الثلاثة، على ذمة”القائمين عليه” ، إنه الشيخ التقي النقي العلم العلامة الدكتور صفوت حجازي، الذي لا يعرف أحد من رعايا مصر من عينه أميناً عاماً لمجلس أمناء الثورة المصريه. هذه الثوره التي يصفها صفوت حجازي أنها “ثورة صنعها الله”، و هو بالتالي يكون أمين عام مجلس أمناء “الثورة التي صنعها الله”.
و هو نفسه عضو في جماعة الاخوان و عضو مجلس أمناء الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يرأسه الشيخ العلامة القرضاوي، القطري الجنسيه،الإخونجي أيضاً، حفظه الله و نصره هو و الناتو و من يحب من حكام العرب على من يكره من الحكام العرب الآخرين.
و اني على يقين بأن المؤتمر سيشهد معجزات جمه ببركات شيخنا و مولانا صفوت حجازي، كيف لا و هو الذي كان محرك الثورة التي صنعها الله و ملهمها. و التي ما كانت لتنتصر لولا بطولاته و خوارقه فعلى يديه حدثت معجزات لا حصر لها، روى لنا نحن العامه على شاشة “الجزيرة القطريه” الكثير منها، و في كل رواية و قصة ترى الدمع ينزل من عينيه كأنه الدر المكنون. فكأنك حينما تسمعه يخال إليك أنك أمام حكواتي محترف في أحد المقاهي الشعبيه في خان الخليلي و هو يقص علينا قصة الزير سالم- بالمناسبة ليس ثمة علاقة بين “الزير سالم” و”الزير ماجد” أحد “القائمين عليه” الأمينين المؤتمنين الدائمين إلى يوم الدين.
و هو الشيخ نفسه الذي افتى، ابتغاء مرضاة الله وحده لا غير، أن من يقتل بشار الأسد يدخل الجنه، وكأن مفاتيح الجنه بين يديه يهبها من يشاء من رعيته المخلصين. فهنيئاً لنا بقدومه و إن صرف و أسرف ” القائمون عليه “لضيافته. فمن المؤكد أن مؤتمرنا سيشهد خوارق و معجزات، ليس أقلها أن يوزع علينا بركاته و مفاتيح العودة، و لربما مفاتيح الجنة أيضاً – فيا سعد من حضر، و يا خسران من غاب أو هجر ، و إن كان مريضاً أو على سفر.

أهلاً، أهلاً .. أمين عام آخر و صحفي من “المخيم”
سيعتلي منصة المؤتمر أمين عام آخر- و هو كزميله، صفوت لا يعلم كثير من علماء فلسطين بالخارج كيف صار أميناً عاماً لهم. أنه عضو جماعة الاخوان المسلمين في الاردن-الدكتور عبد الجبار سعيد، الأمين العام لهيئة علماء فلسطين في الخارج، و عضو مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، التي يرأسها الدكتور يوسف القرضاوي أيضاً ، و يعمل حالياً أستاذ مشارك في كلية الشريعة -جامعة قطر .. وكأن من شروط أن تكون محاضراً في هذا المؤتمر الموقر أن تكون إخواني المنبت و المنشأ، قطري الهوى و الولاء، قرضاوي المذهب والانتماء. و إن كان محاضرونا بمثل هذه المواصفات فلماذا على الرعية أن تَشد الرحال إلى الدنمارك من أكثر الدول الأوروبية .. أليس أسهل و أقل عناءً و توفيراً للمال، أن نشاهد برنامج الشريعة و الحياة على قناة الجزيرة القطرية ؟ و أي الفتاوي سيضيف ضيوفنا الكرام؟ وهل يُفتى و يوسف بالجزيرة ؟
الصحفي إبن المخيم القادم من الأردن،فرج شلهوب، يسكن في بيت سقفه من الأترتنيت، لا يقيه حر الصيف و لا برد الشتاء، و المسكين يصُف بالطابور كل آخر شهر ليتناول مساعدات وكالة الغوث، هكذا أوحى لنا القائمون عليه عندما وصفوه بصحفي من مخيمات الأردن، و ما أخفاه عنا “القائمون عليه”، ليس “استغباءً ولا تدليس!”، أن هذا الصحفي هو عضو مجلس شورى جماعة الإخوان في الاردن. و هو أيضاً مدير تحرير صحيفة السبيل الناطقة بإسم هذه الجماعة.
صحيفة السبيل، هي الصحيفة التي ما انفكت تنشر وثائق مزوره، على طريقة ويكيليكس وقناة الجزيرة، في كل مرة يكون هناك محادثات من أجل المصالحة الفلسطينية، لتتهم بهذه الوثائق أن طرفاً فلسطينياً يتآمر على طرف الآخر.
فلماذا أيها القائمون عليه تخفون عن الرعية الوظائف الحقيقييه والانتماءات الحزبية لضيوفكم الكرام؟
هذه المواصفات الإخونجية تنطبق على متحدثَين آخرين و هما محمد عمرو القادم من إنجلترا و ياسر قدورة القادم من لبنان.فأصبح المؤتمر محتلاً من الاخوان، تماماً كما فعل اخوانهم في مصر عندما سيطروا على مجلس الشعب، و مجلس الشورى، ويترشحون لرئاسة الجمهورية، ويطالبون كذلك برئاسة الحكومة، حتى قال أحد الظرفاء بأن الإخوان في مصر يفكرون أيضاً بترشيح احدهم لرئاسة الكنيسة القبطية.
فمن وسوس “للقائمين عليه” أن فلسطينيي اوروبا هم إخونجيون بالفطرة، و أن احدهم لا ينام إلا بعد أن يقرأ مؤلفات حسن البنا و ترانيمه ؟

وقائع المؤتمر
بعد أن يلتئم الجمع و يجلس الرعية في مقاعدهم بكل خشوع يصعد المنصة ليفتتح المؤتمر أحد “القائمين عليه” إنه “الأمين العام الوحيد الأوحد” و الدائم إلى الأبد اللاصق في منصبه كاللصقة الافرنجية، الذي اختار نفسه لهذا الموقع بكل شفافية و ديمقراطية يحسده عليها حكام إنجلترا القادم منها.إنه القائد الألمع السمين الأصلع عادل عبدالله لابساً بدلته الفرنسية وربطة عنقه الإيطالية بصلعته البهية ليشدو بحنجرة قوية و يخبرنا عن زيارته التونسية و لقائه برئيس الجمهورية و باقي القيادات الإخوانية . و لن ينسى أن يرحب بالجزيرة القطرية و بالحضور و الضيوف القادمين من البلاد الشرقية و الدول الغربية. فيقاطعه أحد الكومبارسات و يصرخ بكل حميه :
لا شرقية لا غربية …اخوانية اخوانية
فتردد الرعية: لا شرقية لا غربية …اخوانية اخوانية
ويستطرد”الأمين العام الوحيد الأوحد” بعد أن طرب و تجلى و كبّر للأعلى فيبشرنا بأن العودة قد أزفت و اسرائل قد هُزمت بفضل الله أولاً و بفضل الربيع العربي ثانياً فيصرخ الكومبارس إياه : تكبير، تكبير، فترد الرعية : الله أكبر الله أكبر.. ربيعنا أزهر … ربيعنا أثمر
وبعد أن تهدأ الرعية يستكمل الأمين العام لنقطة بالغه الأهمية، ألا وهي إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، بطريقة ديمقراطية، يتمثل فيها هو و باقي الشبكة الاخوانية، عن فلسطينيي الدول الأوروبية، و إلاّ سيكون وبالاً على القضية. فيصدح الكومبارس نفسه وقد أخدته العصبية :
هي لله هي لله … لا للمنصب لا للجاه

المصدر: دنيا الوطن

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version