المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الكاتبة أسماء أبو عياش من رام الله تكتب : رسالة إلى السید دونالد ترامب رئیس الولایات المتحدة الأمریكیة

بقلم / الكاتبة أسماء ناصر أبو عياش
سیادة رئیس الولایات المتحدة الأمریكیة ………
أبدأ رسالتي بكلمة سیادة إنحیازًا لأخلاق تربیت علیها باحترام كل الناس؛ حتى لو كنت أنت.. سیادة الرئیس، لقد قاطعك كل مواطن فلسطیني ومعظم المواطنین العرب وبعض المنتمین والمنحازین لجانبنا الفلسطیني وحقوق الإنسان والعدالة .. في ظل هذه الظروف سأغرد خارج سرب بني وطني وأدعوك لزیارتي هنا في بیتي في مدینة رام االله المحتلة .. نعم في رام االله المحتلة، هذه الجمیلة المتربعة على رابیة من روابي فلسطیننا .. المدینة الحائزة على كثیر من التناقضات والمتمیزة بالمختلف وغیر المألوف والمألوف في آٍن معا. رام االله التي تتزین بجمالیة الحداثة وعبق عتیق روحها.ًفي رام االله المحتلة حیث یجاور بیتي ضریح زعیمنا الشهید یاسر عرفات، أدعوك لزیارتي وأفرد لك ركنا في بیتي المستأجر بعد رحلة شقاء لفت روحي كما أرواح بني شعبي. سأطلب منك یا سیدي طلبًا صغیرًا متواضعًا هو أن تسلك دربا خصصه الاحتلال لنا كفلسطینیین للوصول إلى مدینتي. سآتي لأصطحبك من معبر إحتلالي نطلق علیه معبر الكرامة في حین یطلق الاسرائیلیون علیه اسم اللنبي ولا بد من أنك تعلم – أو ربما لا تعلم – دلالة الاسم! هنا أیضًا ولتسمح لي بأن أطلب منك طلبًا آخر صغیرًا ومتواضعًا أیضًا لیتسنى لنا العبور؛ وهو ألا تأتي متأنقًا !! ستخلع هنا نعلیك وحزام بنطالك وسترتك .. وحذار ان تحمل ما یثیر شبهة كمفتاح سیارتك أو بضعة سنتات أو أداة تقلیم أظافرك أو ساعتك إذ؛ من شأن هذه الأشیاء على تفاهتها أن تأخذ بنا إلى غرفة التحقیق والتفتیش الجسدي حیث أن تفتیش الأمتعة هو تحصیل حاصل لكل فلسطیني كهًلا كان أم امرأة أم طفًلا. أعدك سیدي بأن الطریق من مدینة أریحا إلى مدینة رام االله لن تتعدى الخمس وأربعین دقیقة هذا، إذا لم یستوقفنا حاجز لجنود اسرائیلیین لم یتعد عمر الواحد منهم عشرین سنة، سیعمدون وكما أغلب الأحیان إلى التنكیل والتفتیش كائنًا من كنت؛ مسنًا مریضًا أو حتى طفًلا أو امرأة.. أعتذر مسبقًا إن واجهنا هذا الموقف إذ لا حیلة لنا إلا الانصیاع صاغرین أو .. قتلى! نعم كما سمعت .. قتلى .. فلیس من حق الفلسطیني الاعتراض على أي إجراء یقدم علیه )أكثر الجیوش أخلاقیة في العالم !! ( هاقد واجهنا حاجز احتلالي آخر .. حاجز یعتبر الأشق على روح الفلسطیني.. إنه حاجز قلندیا والمتمركز على المدخل الشمالي لعاصمة السماء .. مدینة القدس .. القدس التي تعرفها جیدًا ولا أدري سبب المس الذي أصابك حینما وعلى غفلة من العقل سمیتها عاصمة للاحتلال! هنا على الجانب الشمالي للحاجز والمؤدي لمدینة رام االله سندخل في أزمة سیر قل نظیرها في مدن العالم المشابهة مساحة ووضعًا بالرغم من اختلاف الظرف. إذ یعمد الاحتلال على التضییق على الفلسطیني بكافة مناحي حیاته، هنا الشوارع خارج حكم القانون والنظام.. هنا یتساوى الناس في أحقیتهم في أولویة السیر.شوارع تفتقر لأدنى رعایة سواء من بنیة تحتیة أو غیرها إذ لا یسمح الاحتلال بإصلاحها كونها تحت سیطرتهم. على الیسار كما تلاحظ حدًا كرسه الاحتلال كمعبر حدودي یحظر على الفلسطینیین عبوره لمدینة القدس إلا في حالات فردیة استثنائیة قصوى بعد فحص أمني في نقاط أنشئت خصیصا في مناطق الضفة الفلسطینیة المحتلة.. وحتى بعد عدم الممانعة في أخذ تصریح یخول الفلسطیني الدخول الى قدسه قد یواجه بالرفض دونما سبب!! وإلى الغرب من الحاجز ترى مساحة من الأرض كانت قبل إحتلال الضفة الفلسطینیة مطارًا فلسطینیًا دمره الاحتلال وأعمل الموقع لسنوات والیوم یتم إنشاء مستوطنة على أرضه المغتصبة خاصة بالمستوطنین الصهاینة . سنواصل المسیر باتجاه الشمال فتصبح القدس خلفنا.. هذه البلدة المحاذیة لمدینة القدس والممتدة بنایاتها وأبراجها السكنیة على جانبي شارع القدس هي بلدة كفر عقب؛ وهذه بلدة أخرى لا یحكمها قانون.. معظم ساكنیها من حملة الهویة الاسرائیلیة المخصصة للمقدسیین والذین یعتبرون قاطنین ولیسوا مواطنین في )واحة الدیمقراطیة الوحیدة في الشرق الأوسط( دولة الاحتلال. یقیمون فیها لمحاذاتها لمدینة القدس حیث أن مقار أعمالهم خارجها ویشق علیهم مواجهة المعاناة الیومیة ذهابا وإیابا مرورا بحاجز قلندیا الاحتلالي ومهددون دوما بحرمانهم من الهویة المقدسیة إن ثبتت إقامتهم خارج نطاق مدینة القدس. هذا الحاجز المقصلة !! نعم حاجز موت.. هل تعلم یا سیدي كم شاب وشابة استشهدوا وأطلقت علیهم رصاصات الحقد الصهیوني فقط لجهلهم أي مسار علیهم أن یسلكوا لیتحقق الجنود من أذونات عبورهم وهویاتهم؟ استشهدت امرأة في ریعانها تضم في أحشائها جنینها الأول، وحین اقترب منها أخوها الفتى ذو السادسة عشرة من عمره لیحاول انقاذها استهدفته رصاصة جندي اسرائیلي فمات!! كانت المرة الأولى في حیاتها تتمكن وأخوها من استصدار تصریح من سلطات الإحتلال لتزور القدس .. كانت في طریقها للصلاة في المسجد الأقصى .. حلمت ولأول مرة في حیاتها كالآلاف من أبناء شعبي أن تسیر في شوارع القدس العتیقة وأسواقها .. حلمت بالوصول إلى باب العمود ولم تُك تعلم أن جنود الإحتلال یتمركزون على مدار الساعة وبكامل أسلحتهم على جمیع أبواب القدس العتیقة یتصیدون الأطفال والشبان ینكلون بأهل المدینة في محاولة لإجبارهم على الرحیل، لكن المقدسي والفلسطیني عمومًا قابض على قدسه باذًلا في سبیلها الروح. كم كان بودي سیدي الرئیس أن تزورني ولا انغص علیك رحلتك في مشاهدة بشاعة الاحتلال.. كم كان بودي لو استقبلتك في بلدي فلسطین قبل احتلالها.. فلسطین من رأس الناقورة شماًلا وحتى أم الرشراش جنوبًا ومن زرقة بحرها الأبیض المتوسط غربًا وحتى نهر الاردن شرقًا.. نهر قدس میاهه ُعّماد رسول المحبة الفلسطیني المسیح علیه السلام.. كم كان بودي لو جئتني جوًا لتحط طائرتك في
مطار اللد الفلسطیني والذي أطلق علیه الاحتلال الاسرائیلي زیفًا اسم بن غوریون بعد احتلاله لمدینة اللد في العام 1948. كم كان بودي أن استضیفك في بیت جدي في یافا المحتلة .. لكن هذا لا یمكن؛ فالاحتلال سلب حقي في مجرد زیارة مدینتي كما أنه لم یعد لجدي بیت في یافا بعد أن طرد الاحتلال 250 ألف فلسطیني من دیارهم عام 1948 وكان من ضمنهم أهلي .. لقد أعاد الاحتلال الكرة في الطرد والتطهیر العرقي في فلسطیننا في العام 1967 .. وكان من تداعیات هذه الجریمة إقامة مخیمات لجوء للفلسطینیین في بقاع شتى .. هنا في الضفة الفلسطینیة المحتلة أقیم 22 مخیمًا ناهیك عن مخیمات أقیمت في ارضنا الفلسطینیة المحتلة عام 1948 لأهلنا من الداخل المحتل ممن طردوا من قراهم في محاولة من الاحتلال تطهیرها من أجل توطین ممن یدینون بالیهودیة مكانهم. لك أن تتخیل هذا یا سیدي!! بالمناسبة .. أنا واحدة من أولئك الفلسطینیین الذین ولدوا في مخیم بعد أن طرد أهلي من یافا. یافا حاضرة الفن والثقافة والعمران سنصل بعید لحظات إلى البیت .. انظر.. هذا الصرح البادي على یمینك هو ضریح الشهید القائد یاسر عرفات وقد “سقط الغصن الأخضر من یده” بعد أن استهدفه الاحتلال وقتله غیلة ذات انتفاضة انتهكت فیها اسرائیل كل اتفاقیاتها والأعراف والمواثیق الدولیة باجتیاح الضفة الفلسطینیة وإعادة تموضع جیشها الأكثر أخلاقیة لیعمل في الفلسطینیین تقتیًلا وهدمًا لكل منجز عمراني أو إنساني.أتساءل .. وربما یصحو ضمیرك لتتساءل: كیف لإنسان أن یهبط إلى هذا الدرك من البشاعة؟! إنه الاحتلال .. وأتساءل هل لو أنك عایشت بعضًا من معاناتنا أو اطلعت على بعض من ممارسات الاحتلال العنصریة ضد شعبي هل كان هذا سیحرك في داخلك حس الإنسان؟ لتعذرني سیدي إذ نّغصت علیك زیارتك وكنت صاحبة الدعوة. كان بودي لو أصطحبك إلى مدینتي یافا .. إلى عكا وحیفا .. إلى كل فلسطین. رجوت االله لو قیض لي الحیاة قبل احتلال وطني، حینها كنت أدعوك إلى حواضر إنسانیة من الفن والجمال .. لكنه الاحتلال طغى ببشاعته على كل ما هو جمیل وطمس معالم الحضارة والفن الفلسطیني لكنه لم یثن إرادتنا في المقاومة وإیماننا بحتمیة النصر إن تناهى إلى سمعك سیدي بأن أرض فلسطین أرٌض مقدسة وقداستها لیست حكرًا على الفلسطینیین فصدق ما تسمعه. لعل خیر دلیل على ذلك هذا الصرح الموجع القلب واسمه مقبرة شهداء الجیش العراقي الذي قاتل ببسالة واستشهد جنوده على ثرى فلسطین كشهداء كثیرین غیرهم من أبناء الشعب العربي استنفروا دفاعًا عن أرض عربیة مقدسة في العام 1948 وصد هجوم العصابات الصهیونیة، سأعّرج هنا وإن شئت مرافقتي لزیارة مقبرة الشهداء وفاًء وتكریمًا لأرواحهم. أخیرًا لتسمح لي سیدي أن أسألك ما إذا سبق لك وأن شاركت في تشییع جنودكم الذین قتلوا عند احتلالكم لبغداد عاصمة الثقافة والحضارة الضاربة في عمق التاریخ؟ أسألك لأجل من تراق هذه الدماء وتهدر؟ ألم نكتِف ألمًا.. ألم یكتِف العالم دمًا؟ أللفناء نذرنا أبناءنا ونذرتم أبناءكم؟ لئن كان قدر الفلسطیني أن یذود العدوان والاحتلال عن أرضه بدمه وروحه ترى أي قدر دفع بكم أن ترسلوا أبناءكم لیموتوا ومن أجل من؟ بعد أن اطلعت على بعض من معاناة وطني لنعد أدراجنا إلى مدینة رام االله وستكون سیدي الرئیس برفقة صدیق من الداخل الفلسطیني المحتل عام 1948، سیجول بك في فلسطیننا لأن الاحتلال یمنعني كفلسطینیة من الضفة الفلسطینیة المحتلة الدخول الیها، سیجول بك في مدن فلسطیننا من رأس الناقورة وحتى أم الرشراش.. في كرملها وجلیلها .. في عكا وحیفا ویافا وبئر السبع .. في كل فلسطین لترى بأم عینك أن شعب فلسطین جدیر بالحیاة كباقي شعوب الأرض. نحن یا زننسیدي طّلاب حیاة.ُترى أما آن للفارس الفلسطیني أن یتر ّجل؟ أما آن لآخر احتلال على وجه الأرض أن یندحر ویزول؟ أما آن للإنسان في كل مكان أن َیسهم في إسعاد أخیه الإنسان ویبني حضارة لا تشوبها عنصریة ولا یلونها دم؟

Exit mobile version